وأما قول المؤيد بالله عليه السلام فهو قول مليح ولكنه لا يأتي على هذا، ويجوز أن يختلف الاجتهاد بين المؤيد عليه السلام وبين إمام الزمان كما كان بين المؤيد وغيره من أئمة الهدى، وكل ذلك حق يعرفه أهل المعرفة والحجى.(1/177)
مسألة
فيمن قتل من المسلمين قتله سرايا الإمام في بلدة ثم انتهوا إلى بلدة وأخذوها ولا نعلم على المقتول شيئاً من الحقوق الواجبة هل يحل أخذ ماله، أو يكون لورثته، أو لا يحل؟.
قال: فإن قيل بجوازه فكيف وقد انتقل المال إلى غيره من الأيتام الصغار الذين لم يشهدوا الحرب ولا أعانوا ظالماً، وقد قال تعالى: ?الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا?[النساء:10] وإن قيل: إنه لم ينتقل من ملك الميت، واحتج محتج بما ذكره الهادي عليه السلام في أبواب الزكاة فإنما ذلك لانتظار حمل أودين على وجه الحيطة، والمشهور عن أمير المؤمنين ما رواه المؤيد بالله في أبواب الزكاة من انتقاله إلى الورثة، وأمره التجارة في أموال الأيتام لأن لا تأكله الزكاة، فصح انتقال المال إلى الأيتام.
الجواب عن ذلك : إن العسكر إذا قتل قوماً كما جوَّز السائل أن المال ينتقل إلى الوارث لا مانع من انتقاله إلى العسكر دون الوارث؛ كما أن ولد الكافر بمنزلة ولد المسلم في أنه لا ذنب له، ولا أخذه بجرم والده عقوبة عند أهل العلم والتحصيل، لأن استرقاقنا لولد الكافر محنة له وعقوبة لأبيه، فكذلك أخذ مال الفاسق عقوبة له ومحنة لولده.(1/178)
وأما قول تعالى:? الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا?[النساء:10] فحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولكنه والحال هذه لا يكون ظلماً وإنما هو مستحق للمسلمين المحقين، وإن رأى الإمام أو أمير العسكر تركه للأيتام جاز ذلك، وإن رأى ترك أموال العصاة لهم فكذلك فأي ذلك فعل فلا حرج ولا ضير، والكلام في انتقال الملك وما بنى عليه قد تقدم جواب ذلك فتفهّمه موفقاً، وخلاف المسألة في أنه هل ينتقل إلى الوارث بالموت أو الحكم على ما قدمنا.(1/179)
فصل
قال أرشده الله: هب أن الأيتام أخذوا بجريرة من عصى هل يجب التودية إليهم أم لا؟
اعلم أرشدك الله أن هذا السؤال متناقض لا يجوز أخذ الأيتام بجريرة الأباء، وهذا من مذهب إبراهيم الذي وفى، ولكن ما يلحقهم من ضرر لمحنة يقضيها عليهم رب السماوات، فإذا كان لا يجوز أخذهم فلا وجه لأن يؤخذوا وتقع التودية بعده(1/180)
مسألة
قال أرشده الله : ما يقول أمير المؤمنين في أخذ من كان في بلاد الجبر وهو يصلي ويزكي ويسلم زكاة ماله إلى الفقراء وإلى الشيعة، ولم يعلموا بتسليمها إلى الإمام وهو يعتقد إمامته ويفرح بنصره واستعلاء أمره على الظلمة، ولا معرفة له بالشريعة في تسليم الزكاة إلى من تكون من قبل الإمام أم إلى غيره، ثم أخذه عمال الإمام هل يصح أم لا؟
الجواب عن ذلك: أنه لا فرق بين أن يكون المسئول عنه في بلاد الزيدية أو المجبرة إذ الحق على الجميع واجب؛ فإذا دعا الإمام وجب على كافة الأمة النهوض إليه والإحاطة بعقوتة واستيراد الأوامر من قبله فما أمر به لزم، وما نهى عنه حرم، ولا ينفع المحبة لنصر إمام دون امتثال أوامره، وما يأخذه منه الفقراء لا يخلصه إلا بإذن الإمام أو الوالي من قبله أن يعذر وينذر ويبلغ الدعوة من كانت لم تبلغه حتى تقوم الحجة فإذا فعل ذلك جاز له الغزو وإن لم يجدد الدعوة ثانياً، فإن جدد فهو آكد وأحسن إلا أن لا يرى ذلك صاحب الأمر صلاحاً.(1/181)