وأما قوله : قد دارى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعد الذين داراهم فيفيد ما نحن فيه لأنه نسي أن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولاية على الجميع، وهو يعمل بأمر الله عز وجل فلا اعتراض عليه، وهذا الذي ذكر كمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجوز له ما يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وإنما فرضه أن يرجع إلى إمامه أو واليه فما أمر به فعله وليس الأمر شدا، ولا يترك الله عباده فوضى، بل قد جعل لهم ولاة يرجعون إليهم فيما يأتون ويذرون.
وأما زمن الحسن عليه السلام فإنه إن اضطر إلى المدارة لعدم الأعوان وعصت الشيعة كما عصى غيرها من الناس فأداها لهم في الأطراف الذي أفسده الأوساط، وهل هذه الحجة إلا كحجة من يجيز أن يتسلم إلى العدو إذا بعثه الإمام لقتاله كما يحتج بما فعله عبيد الله بن العباس فإنه استسلم إلى معاوية وأعطاه مائة ألف، ولا يحتج بالواقع فيما مضى فقد يقع القبيح كما يقع الحسن، وإنما يحتج بالصواب والحق وذلك ليس بصواب ولا حق ، فإن وقع من الشيعة فليسوا معصومين عن الخطأ، فأما الأئمة عليهم السلام فتجوز لهم المهادنة والمداراة عن الأمة إذا رأوا ذلك صواباً لثبوت الولاية لهم على الأمة، وليس هذا لآحاد الأمة لأنها إذا فعلت ذلك كانت خاذلة عاصية، فتفهّم ذلك موفقاً.(1/172)
فصل
قال أرشده الله: فإن قيل: إنهم إنما أخذوا لتخلفهم على الإمام بعد انتشار الدعوة بغير إذن منه، قال أرشده الله: وقد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام قوم فلم يعرضوهم ولم يجيزوا أخذهم.
الجواب عن ذلك: أن أكثر ما يتعلق بهذا اللفظ قد تقدم جوابه، ونزيد بياناً وهو أن ليس في تركهم لهم ما يدل على حرمة الأخذ لهم، بأنّا قد بينّا أن أمر هذا إلى الإمام فإن رأى هلاكهم وأخذ أموالهم فعل ولا حرج، وإن رأى إلى الترك ترك ولا حرج، فلا معنى للاعتراض بمجرد الإمساك، فأما أنهم تركوهم لأنهم لم يستجيزوا أخذهم، فمن أين ذلك؟ وما الطريق إليه؟.
قال: فالسؤال بحاله لأنهم أخرجوه إلى غير إمام العصر وهو لا يجزيهم.(1/173)
فصل
قال أرشده الله: قال: فإن قيل: ما أخذه من أهل العصر على سبيل التضمين على ما ذكره الشريفان الأميران عماد الدين يحيى بن حمزة، ومحيي الدين سليمان بن حمزة تولى الله توفيقهما وذكر أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شدة ما بينهم لم يتركوا حقاً واجباً إلا أخرجوه إلى غير إمام العصر لم يجزهم ذلك، والمعلوم إخراج الحقوق إلى غير علي عليه السلام بل يخرجونها في خيرته.
الجواب عن ذلك: أن المأخوذ على وجهين: تضمين، وعقوبة، ولا يخرج عنهما إلا المسلم المحقق فسقط قوله في باب التضمين وما يتعلق به.(1/174)
فصل
فإن قيل: إن ظاهر أهل ذلك العصر براءة الذمة من الحقوق الواجبة على ما قرره الأميران، قال: قلنا كذلك ظاهر الزيدية في هذا العصر.
الجواب: عن هذه تقدم، وأن محاربة أهل العصر وأخذ أموالهم ليس إلا لعنادهم عن الحق، وأنهم لم يقفوا على رأي إمام الهدى في الفعل والترك فأخذ مال البريء من الضمان، وقتله يكون عقوبة ونكالاً، وصاحب الضمان تضميناً وإذلالاً.(1/175)
فصل
قال أرشده الله : وهب أن عليهم حقوقاً واجبة من زكاة، وكفارة، وبيت مال، وخمس، فلما حكم فيما أخذ منهم بحكم الغنيمة؟ وهلا صرف كل شيء من ذلك في مصرفه، ووضعه في موضعه؟ كما ذلك معلوم في دين أئمة الهدى عليهم السلام كأحمد بن الحسين المؤيد بالله فقد روي عنه أنه قال في الأموال التي تؤخذ من أهل بلدة أنها تفرق في سائر الفقراء، وإن فرق على فقراء تلك البلد كان أولى.
الجواب عن ذلك : أن الجواب في هذا قد سبق أولاً فما بقينا نعيد إلا تكريراً، لأناّ قد بينّا أنّا لم نجعل ذلك مجرداً التضمين، وإنما هو عقوبة على جرم الإخلال بالواجب كما فعله علي عليه السلام في طعام المحتكر؛ فكان ذلك أصلاً يرد إليه جواز العقوبة بالمال ، ولأنه لا وجه لأخذ كراع أهل البغي، وسلاحهم، وما حوت عساكرهم إلا عصيانهم ، وكون ذلك مقوماً لهم فكان أخذه عقوبة ونكالاً، وبقي الكلام هل العقوبة بالكل أو بالبعض -أعني المال- فهذا يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، وإمام الزمان قد رأى أن عقوبة أموالهم التي في البيوت تقوم مقام معونة أموال العساكر لأنه إذا أخذ فرسه وكان في البيت ألف دينار أمكنه شراء فرس آخر للشقاق ومنابذة المحقين، فالرأي أخذ ما في البيت.
وأما المستضعفون في بلاد الظلمة فهم للظلمة كالمادة والآلة، فإذا لم يمكن هلاك الظالمين إلا بهلاكهم جاز ذلك، كما نقول إذا تترس الفساق بالأطفال أو المؤمن جاز هلاك الأطفال والمؤمن ليوصل إلى المفسدين ، وكذلك هذا فتفهمّه موفقاً، ولا تلبس على نفسك الهدى فتضل وتشقى.(1/176)