بن أبي بكر رضي الله عنه فحاربهم محمد فلم يظفر، وكان أخذ مصر بسببهم.
وأما ما ذكرت من أهل الجمل وكلامه عليه السلام لابن الكوّا حتى قال: وأيكم يأخذ عائشة، فلسنا نجيز السبي في الفساق، وهذا حكمهم الذي يميزهم من الكفار.
وأما أنه لم يأخذ إلا ما حواه العسكر ولم يعرض للأملاك والذراري فهذا رأيه عليه السلام وهو حق، ويجوز أن يجتهد غيره من الأئمة اجتهاداً يخالف اجتهاده ويكون حقاً؛ ألا ترى أن المشهور عنه عليه السلام جواز بيع أمهات الأولاد وسائر الأئمة لا يجوز إلا ما حكي عن الناصر الكبير عليه السلام والإمامية، وكذلك في الفرائض مسائل كثيرة خولف فيها فلم يضلل أحداً ممن خالفه بل تولاهم ويعرف حقهم وذلك ظاهر، على أن أهل زماننا هذا ليسوا بغاة لأن الباغي يكون مؤمناً في الأصل فتعرض له الشبهة فيحارب يطلب الهدى، كما قال تعالى: ?وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ?[الحجرات:9] فأما هؤلاء القوم ففساق من الأصل خارجون عن حكم البغاة لو كان رأينا في البغاة، ما تقرر في الكتب عن الأكثر من السلف سلام الله عليهم، ولكن رأينا في البغاة أن للإمام نظره فيهم وهو مخير في إتلاف النفوس والأموال والمنازل، والترك فإن علياً عليه السلام لم يهدم منازل أهل البصرة لبغيهم، وهدم منازل جرير بن عبد الله البجلي وغيره لدون جرمهم، وهي أمور ملتبسة على من قلَّت معرفته بمعاني العلم إلا أهل الاجتهاد فلا ينتقد عليهم في(1/167)


اجتهادهم؛ فإذا كان في الوقت إمام وحكم بحكم وجب عليهم التزامه، وإن خالف اجتهادهم كما تقدم في نفوسهم وغيرهم، فتفهّم ذلك موفقاً.(1/168)


فصل
قال أرشده الله: هب أن الزيدية شرعت هذا في من لا يقول بقولها ويرى برأيها، قال: فما العذر في أخذ الزيدية أرض تهامة وأكثرهم شرف، وقسمة أموالهم؟ قال: بين الغزو وهتك حرمهم ورضا إمامهم بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)) وفي الشرف خاصة: ((حرمت الجنة على ظالم أهل بيتي، وباغضهم في الدرك الأسفل من النار)) يريد بذلك أزواجه، وبني هاشم.
الجواب عن ذلك: أن مذهب الزيدية أكثر الله سواده، وأعز أجناده، كالذهب الخالص يزيده السبك حسناً، وليس ذلك حب الوالد للولد، ولكن بالبرهان، ومذهب الزيدية أن الإيمان قول وعمل، واعتقاد، ولا يخلص ذلك إلا باجتماع الأمور؛ فمن اعتقد اعتقاد الزيدية، ولم يعمل الحق، ولم يقله لم ينفعه اعتقاده من عذاب الله سبحانه؛ وسواء كانت الزيدية في سهل أو في جبل ولم تهاجر إلى إمامها ولم تمتثل أوامره فسقت بذلك، وحل للإمام فيهم ما حل له في غيرهم، وإن كان الذي غيره من زيدية تهامة وشرفهم لم يعلم بصحة ذلك فيهم.
وأما الحرم فالظاهر من الإمام وعساكره العفة عنهم وعن كشفهم، وأكثر من أهل تهامة جرماً أهل نجران، وكان أمر سباياهم كما قال بعض شعراء الدولة المنصورية:
ولم يسلب لغانية خمار .... سلبن رؤس معشرهم جهاراً
ولم يقل إلا حقاً وما هو ظاهر وإن كان يجوز من بعض العسكر أن يتعدى في ذلك فإن ظهر أدِّب وألحق ما يلزم مثله من الشدة والاستخفاف.(1/169)


فأما ما احتج به من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيبة من نفسه)) فإن الحقوق الواجبات مستثناة فإنها تؤخذ من مال المسلم وإن لم تطب نفسه، بل يجوز كما قدمنا أن تضرب رقبته وحرمتها أكثر من حرمة المال.
وأما ما ذكره من الشرف وبغضهم فلا شك في ذلك إلا أن يعصوا الله سبحانه ويتعدوا حدوده فإن جرمهم تكون عقوبته مضاعفة، وقد قال تعالى: ?لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ?[المجادلة:22] فعم ولم يخص، فتفهّم ذلك موفقاً.(1/170)


فصل
قال أرشده الله: هب لو اعتذر متعذر في أخذهم وقتلهم لمنعهم الزكاة عن إمامهم وكونهم مصالحين للغز، فكيف يؤخذ من يأمر ببعض من الزكاة إلى الإمام في كل سنة، ويصرف بعضها إلى فقراء الزيدية، ويداري للغز على نفسه وماله، وقد دارى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظلمة قريش ومنافقي الأنصار، وفساق هوازن وغطفان، ودارت الشيعة في زمن الحسن بن علي عليهم السلام فيما يحاذوا الشام قبل الصلح وبعده حتى أن رجلاً من الشيعة طلب منه بعض ما طلبه الظلمة فأبى تسليمه فأخذ زياد بن أبي سفيان ضيعته وداره وجميع أملاكه، فشكى ذلك إلى الحسن وإلى بني هاشم فكتب الحسن في ذلك إلى معاوية فرد له.
الجواب عن ذلك : أن من كان يسلّم للإمام بعض ما يجب عليه ويقسم الباقي إلى فقراء الزيدية، ويداري الغز ببعض ماله لا يخلو: إما أن يكون فعل ذلك برأي الإمام أو واليه أو برأي نفسه فإن فعل برأي الإمام أو واليه فقد أصاب ولا ضير عليه ولا حرج، فقد قال تعالى: ?وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ?[النساء:83] وإن فعل ذلك برأي نفسه فذلك لا يخلصه ولا يجوز له، فإن أمر ببعض فلا يخلص إلا منه على وجده وذمته ملزومة بما فوقه، ولا يجوز لفقراء الزيدية ولا غيرهم تناوله إن كانوا على الحق إلا برأي الإمام أو واليه.(1/171)

34 / 170
ع
En
A+
A-