قلنا: ولسنا نعتقد فيهم أنهم قصدوا شقاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيه عليه السلام، وإنما جهلوا وجه الاستدلال فاعتقدوا أنهم أولى بالأمر، فلو صح أنهم قصدوا خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقطعنا على ضلالتهم، ولكنّا لا نقول ذلك ، وعلى هذا الوجه أخبار الصحابة ثابتة، وجلالتهم باقية، وخطأهم في مسألة واحدة لا يذهب حرمة إسلامهم وإصابتهم فيما لا يحصى من المسائل فتأمل ذلك موفقاً.
وأما قوله : إن علياً عليه السلام دعاهم باسم الخلافة فأي شيء في هذا إن، صح غير أن الغالب فيهم أن كل إنسان يدعى باسمه في ذلك الصدر، ولم يقع التشدد في الألقاب إلا بعد ذلك.
وأما إجازة أحكامهم في الحدود فلم يقفوها على رأيه فيحتج بإجازته، بل كان إذا خشي أن يقع تغيير في الشريعة نبّه ويردهم عنه كما في حديث المجهضة والمرجومة إلى غير ذلك.
وأما قسمة الغنائم فهذا جهل بالشريعة لأن عند جميع المسلمين أن أموال الحربيين حلال في وقت إمام وغير وقته وإنما اختلفوا إذا لم يكن إمام هل يجب الغزو أم لا؟ وهل يجوز أم لا؟ إلى ديار الكفار، فأما إذا وقع كان المال جائزاً، والصحيح أن ذلك جائز فلا مانع أن يعتقده علي عليه السلام، وإذا كان عليه السلام هو المجهز لولديه وأهل بيته عليهم السلام ومواليهم، وهم يعتقدون إمامته فما المانع أن يكون صدورهم عن أمره وأخذهم الغنائم بإباحته.(1/157)


وأما تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر في الصلاة فما في هذا من دليل الإمامة إن صح، أفليس قد تقدم ابن أم مكتوم على أن أهل البيت عليهم السلام يقولون أنه أتى حتى أخَّر أبا بكر وصلى بالناس ، فإن كان التقديم دليل الاستخلاف فالتأخير دليل العزل.
وأما ما ذكره من البكرية فلا حقيقة لشيء منه فيفتقر إلى إطالة في نقضه، ولو أورد لتكلمنا عليه فاعلم ذلك موفقاً والسلام.(1/158)


مسألة
قال أرشده الله: وأما قولهم إن الإمامة لا تصح إلا في أولاد فاطمة وإنها محصورة فيهم فذلك غير صحيح، قال: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الأئمة من قريش)) قال: ولم يفصل، ولم يرد نص صريح بما ذكروه، ولو كان صحيحاً لأنكر علي عليه السلام على من خالف ذلك وحاربه، وكذلك أولاده فإن المروي عن كثير من علماء أولاده عليهم السلام تولي الأعمال، وقبول الوفادة وتصويب الآراء، والدعاء بإمرة المؤمنين لخلفاء بني أمية وبني العباس كالحسن بن الحسن، وعمر بن علي بن أبي طالب، والحسن بن زيد، والرضى كان أمير الحاج من قبل خليفة عباسي، وكذلك محمد بن صالح بن موسى بن عبد الله في أيام وزارته بسامراء وغيرهم من أولاد علي عليهم السلام.
الجواب عن ذلك وبالله التوفيق: أن مذهب الزيدية متقرر على قصر الإمامة في ولد الحسن والحسين عليهم السلام خلافاً للمعتزلة، والخوارج، والإمامية والدليل على ذلك أن الإمامة أمر شرعي فلا بد من دليل شرعي ولا دليل في الشرع يبيحها لغيرهم، وقد قام دليل الإجماع على جوازها فيهم فوجب قصرها عليهم.
وأما قوله: فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((الأئمة من قريش)) فلنا في صحته كلام فإن صح فالمراد به بيان الجنس والتبعيض، وذلك كله في ولد الحسن والحسين الجنس قريش وهم بعضهم ولا وجه لتعلقه به.
وأما ما ذكره من أن علياً عليه السلام كان أولى بالقتال على ذلك فإن هذه المسألة حدثت بعده عليه السلام.
وأما أولاد الحسن والحسين عليهم السلام فإن المعلوم من مذهبهم عليهم السلام أن الإمامة محصورة فيهم.(1/159)


فأما ما ذكره من كثير من علمائهم من تولي الأعمال، وقبول الوفادة، والخطاب بإمرة المؤمنين لخلفاء بني أمية وبني العباس فإناّ نذكر في ذلك ما يوفقنا الله سبحانه بما هو الحق.
أما الحجة على الحسن بن الحسن عليهما السلام فغير صحيحة ولا معدودة مما يقارب الصحيح، وكان طبقة زمانه، وإليه دعت الشيعة أيام ابن الأشعث، ويسمى الرضا، وخطب له ابن الأشعث ثلاث جمع بعد أن دافع دهراً من ذلك وتعلل بالعلل الفاسدة، ثم قطع ذكره وخطب لنفسه فنفرت عنه الأفاضل ، وكان ذلك أول وهنه، ولم يعلم ذلك منه أعني التولي بالآحاد ولا التواتر إلا أن تكون فرية.
وأما عمر بن علي فأكثر ما كان يحاول ولاية وقوف علي عليه السلام فمنعه الحسن بن الحسن من ذلك أيام حياته؛ وولاية الأوقاف لا توجب التولي ولا الإنقياد وإيجاب الحق، وما تولى من أهل هذا البيت ممن له جلالة وحال إلا الحسن بن زيد، فتولى المدينة، ورفع المنكر، ورسوم الجور، وأصلح أموراً عظيمة في الدين، على أن الكل من أهله عليهم السلام زارون عليه منكرون لفعله، وتجوز على مثله المعصية تجاوز الله عنه، وممن أنكره عليه ولداه رضي الله عنهما، وقربت الحال من المحاربة حتى شكاهما إلى أبي جعفر ووقع ما يطول شرحه.
وأما علي بن موسى الرضا عليه السلام فإن إمارة الموسم لله تعالى لا لأحد، فلا يمتنع أن لا يكره أن يعقدوا له عقداً لا يعتد به ونقيم للناس معالم نسكهم احتساباً، ولهذا جوَّز كثير من العلماء تولي القضاء من قبل الظلمة لما كان لله.(1/160)


وأما محمد بن صالح فلم يكن قدوة، وما وقع منه معدود في الخطايا، والمنابذون للظالمين الداعون إلى أنفسهم الخائفون المخيفون عصرهم وطول أيامهم معرفتهم سلام الله عليهم تغني عن إفراد ذكرهم، وقد أفرد له السيد أبو طالب عليه السلام كتاباً سماه كتاب (الإفادة في تاريخ الأئمة السادة) وأبو العباس كتاباً سماه: (المصابيح)، وما قصر صاحب كتاب (الأنوار) وغير ذلك من الكتب فمن أراد معرفة ذلك فقد بيّنا مكانه، فتفهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.(1/161)

32 / 170
ع
En
A+
A-