وأما قوله: ?لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ?[يونس:26] فالحسنى عند أهل البيت عليهم السلام المستحق، والزيادة التفضل، فلا بد من حصول ذلك لهم في دار الكرامة.
وأما قولهم: إن العيون الباقية تدركه فلا فرق في الإدراك بين الباقية والفانية، فلو أدركته عيون الآخرة لأدركته عيون الدنيا إلا أن يدعي إدراك غير معقول كما زعمته الأشعرية، فكذلك يفتح باب الجهالات.
وأما أن ذلك رأي الصحابة فهو غير مسلم، لأن رؤوس الصحابة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقوالهم شاهدة متواترة متظاهرة، بنفي الرؤية عن الباري عز وجل في الدنيا والآخرة، ويكفيك من ذلك المشهور من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين سلام الله عليه وعلى آله الطيبين في (نهج البلاغة) وغيره فإنه مشحون بذلك.
وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: (رآه بعيني رأسه) فإن ذلك صحيح، المراد: الملك عليه السلام على صفته الأولى التي خلق عليها لأنها عجيبة، ولهذا وصف بالتدلي وهو الهبوط، والهبوط والسقوط لا يجوزان على الله سبحانه لأنهما من صفات الأجسام.
وأما قوله: ((بعيني قلبه)) فهو رأي له كذلك في كل حال رؤية العلم إذ هو لا يجهل الله سبحانه وكيف يجهله وهو أعلم الخلق به.
وأما الرواية التي ذكرها عن أم المؤمنين وأنها شاذة، فقد أغنى البرهان عنها وعن غيرها غير أن صحتها ثابتة ثبوت روايتهم إن لم تزد لم تنتقص في الثبوت والصحة.
وأما إجماع الأمة على معرفة الأنبياء عليهم السلام بالله سبحانه وبصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز فلا شك في ذلك.(1/147)
وأما ما ذكره من سؤال موسى عليه السلام الرؤية فإن أهل البيت عليهم السلام يقولون: إن السؤال كان لقومه، يؤيد ذلك قوله تعالى: ?فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ?[النساء:153] وإنما أضاف موسى عليه السلام السؤال إلى نفسه إزالة لشغبهم، وحسماً للددهم، ومبالغة في تبعيد الأمر، وقطعاً على استحالته لشغبهم فأعلمه الله سبحانه أن ذلك لا يصح.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قال: ((سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)) فإن هذا خبر مطعون في سنده، مختل في لفظه، أما سنده فإنه ينتهي إلى قيس بن أبي حازم، وكان باغضاً لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقيل: إنه اختل في آخر أيامه، ولا ندري روايته قبل الإختلال أو بعده.
وأما في لفظ الخبر : فإنه قضى أن يكون تعالى على هيئة القمر ليلة البدر في الاستدارة والصورة وذلك دليل الحدوث ولا كل قائل به، فإن مال إلى التأويل وقال: إنا نريد في الظهور والجلاء وزوال اللبس في المشاهدة. قلنا: لست بالتأويل أولى منّا؛ فإنّا نقول: إن رؤيته هو العلم علماً ضرورياً يرتفع فيه الإشكال واللبس ما ذكره من قوله: ?بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ?[السجدة:10] فلاشك أن اللقاء ليس من الرؤية في شيء، وقد قال تعالى في أهل النفاق: ?فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ?[التوبة:77].(1/148)
وأما ?تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ?[الأحزاب:44] فمعناه ملكهم يوم يلقونه سلام أي سالم من كل شانية؛ لأن التحية هي الملك، وذلك ظاهر في اللسان العربي، قال الشاعر:
ولكل ما نال الفتى .... قد نلته إلا التحية
والهاء في يلقونه عائدة إلى الملك لا إلى الله تعالى.(1/149)
مسألة
قال أرشده الله: قالت الزيدية: إن القرآن محدث مخلوق. قال: ولم نجد في الكتاب والسنة واعتقاد السلف الصالح دليلاً يصحح ما ذهبت إليه هذه الفرقة، والصحيح أنه قديم غير مخلوق وأنه صفةٌ من صفات الله سبحانه القديمة، كالعلم، والقدرة، وهو أمر الله سبحانه قال تعالى: ?أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ?[الأعراف:54] فرق بين الأمر والخلق؛ فلو كان مخلوقاً لما كرر الأمر، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((القرآن كلام الله ومن قال مخلوق فهو كافر)) إلى غير ذلك من الأخبار.(1/150)
الجواب عن ذلك أن مذهب آل محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ومذهب أهل العدل والتوحيد من علماء الأمة: أن القرآن كلام الله سبحانه، ووحيه وتنزيله، نزل به الروح الأمين، على محمد خاتم النبيين صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين والمخلوق يحتمل معنيين: أحدهما: المكذوب قال الله تعالى: ?وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا?[العنكبوت:17] و ?إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ?[ص:7] فعلى هذا الوجه لا يجوز وصف القرآن الكريم بأنه مخلوق لأنه الصدق الذي لا يشوبه الكذب، والجد الذي لا يخلطه اللعب، والثاني: المحدث الموجود بعد القدم المقدر على وجه الحكمة، فهذا يجوز وصف القرآن الكريم به، بل هو الواجب فيه، قال تعالى في صفته: ?وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً?[الأحقاف:12] وما كان قبله غيره فهو محدث، وقال الله تعالى: ?وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ?[الشعراء:5] فوصفه بالحدوث، والحدوث والخلق الذي بمعنى الحدوث واحد؛ لأنه مرتب منظوم يوجد بعضه في إثر بعض، وذلك دليل الحدوث؛ أما أنه مرتب منظوم يوجد بعضه في إثر بعض فذلك ظاهر، وأما أن ذلك من أمارة الحدوث فلسنا نريد بالمحدث إلا الموجود بعد غيره وإن سبقه غيره، وذلك المعقول من المحدث عند الكافة من أهل العلم.(1/151)