مسألة [في الدعاء في الصلاة]
قالت الزيدية: الدعاء في الصلاة غير جائز. ورأينا في كتبهم أن التسليم من الصلاة، وأن الإنسان إذا كان في جماعة وجب أن ينوي الملكين والجماعة الحاضرين، ويمكن أن يكون فيهم من لا يستحق الدعاء، فإن قالوا: نخرجه بالنية. فما دليلهم؟ وإن قالوا: لا نخرجه. فقد دعوا فيها لمن لا يستحق ذلك، فإما أن تفسد صلاتهم، وإما أن يفسد مذهبهم إلى آخره.
اعلم أن هذا إلزام من لا يعرف مذهب الزيدية كيف يطعن عليه من غير معرفة، لأن من الزيدية من يجيز الدعاء في الصلاة، ومنهم من لا يجيز، فعم الجميع بالحكاية، ثم ألزم الأمر بالتسليم، وليس التسليم من الدعاء لغة ولا عرفاً، بل هو جنس قائم بنفسه، وإن كان وصفه في الأصل دعاء فقد أزاله العرف؛ لأن الرجل لو وقف على باب القوم، ثم قال: السلام عليكم ورحمة الله فعل الله لكم وصنع، لقيل سلم عليهم ودعا لهم، فلو كان الأول دعاء عرفاً كان كأنه دعا لهم ودعا لهم.
فأما قوله: فيهم عاص ومطيع، فقد ورد جواز السلام على الجميع، ولو شرط فيهم الإيمان ووجب الرد على اليهود، وجاءت السنة بالتعزية لهم والدعاء لهم بما يجوز، كما روينا أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رسول الله، نجالس اليهود بخيبر فيعطس أحدهم فنستحي منه، ولا ندري ما نقول. قال عليه السلام وعلى آله قوله: ((قولوا يهديكم الله ويصلح بالكم)) فقد رأيت كيف جوَّز الدعاء لهم.(1/86)
وعند الزيدية جميعاً الدعاء في الصلاة جائز، وإن بعضهم قال بأدعية القرآن، نحو قوله تعالى: ?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً?[البقرة:201] وما جانسها من الآيات، ومنهم من قال يجوز ذلك.
والتبرك من الدعاء والمسنون نحو قوله: اللهم تولني فيمن توليت وعافني فيمن عافيت إلى آخره وما شاكله، فتفهم ذلك راشداً، وداوي بالبرهان قلباً فاسداً.(1/87)
مسألة[في قوله تعالى قل اللهم مالك الملك..]
ثم سأل بعد ذلك عن معنى قوله تعالى: ?قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ?[آل عمران: 26] ثم تكلم على الآية إثباتاً ونفياً.
الجواب عن ذلك: إن التعرض بالكتاب العزيز زاده الله عزاً وشرفاً لا يجوز إلا بعد معرفة واستدللنا بكلامه على أنه منها عاطلٌ، ونحن نذكر تلك الأمور على سبيل الجملة الذي يحتمله الكتاب.
قلنا: لا بد أن يكون عارفاً باللغة؛ لأن الكتاب العزيز كما قال تعالى: ?بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ?[الشعراء:195] وهذان النوعان عماده، ولا بد أن يكون عارفاً بتوحيد الله سبحانه إثباتاً ونفياً، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، وما يجوز أن يفعله وما لا يجوز أن يفعله، فإذا عرف ذلك صح منه الكلام له، وجاز له التعرض وجوابه: أنا نسأله ما هو؟ فإن فسره بما هو من فعل الله أو بما يجوز أن يفعله.
قلنا: أصبت، وإن فسره بالظلم والقبيح من أخذ الأموال بغير حقها ووضعها في غير مستحقها، وبسفك الدماء، وركوب الدهماء.
قلنا: الله سبحانه يتعالى عن ذلك إذ هو حكيم وأفعاله كلها حسنة، ليس فيها ظلم ولا عيب ولا سفه ولا شيء من القبيح؛ ولأن هذه الأمور يجب على الكل إنكارها وتخطئتها ، ولو كانت فعلاً لله سبحانه لوجب قبولها والرضى بها.(1/88)
وأما قوله: إنهم يقولون إن الملك النبوة، فعندهم أنه البُنوة إذا قاربتها الإماء الجوار، فالنبوة المطلقة تسمى ملكاً؛ لأنها تؤدي إلى الملك العظيم، والفوز العميم، والنفع الجسيم، وهو الخلود في جنات النعيم، والنبي يسمى باسم ما يؤدي إليه، كما تسمى الشدة موتا، والعنب المعتصر خمرا، وهذا لكثرة الشغل، وضيق الوقت، وعجلة الرسول، ومن الله سبحانه نستمد الهداية إلى سبيل الرشاد.
والسلام على كافة المسلمين ورحمة الله وبركاته
وصلى الله على رسوله سيدنا ونبينا محمد وآل سيدنا محمد
وسلم تسليماً دائماً أبداً(1/89)
الأجوبة الشافية عن المسائل المتنافية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مستحق الحمد وربه، الذي جعل الحمد آلة للشكر، والشكر سبباً للمزيد، وجعل نفع ذلك عائداً على عبده، إذ العبادة لا تزيد ملكه، والمعصية لا تثلم سلطانه، الغني الحميد، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، حمداً كثيراً، بكرة وأصيلاً، كما هو أهله ومستحقه، أعطى من الرزق فوق الحاجة، وكلَّف من العبادة دون الطاقة، وعرَّف سبيل النجاة بأوضح برهان، وحدَّ منهاج الضلال بأبين بيان، لم يشغله شأن عن شأن، ولا ينأى به مكان عن مكان، وصلى الله على محمد المحمود، المنتخب من طينة الكرم والجود، شريف الآباء والجدود، المصطفى للرسالة، المؤيد بالدلالة، المعصوم من الضلالة، المنزَّه عن الجهالة، وعلى أهل بيته الأبرار، المنتخبين الأخيار، الذين جعلهم بين الحق والباطل فرقاناً، وأنزل في وجوب مودتهم قرآناً، فقال لا شريك له على لسان نبيه عليه وعلى آله أفضل الصلاة: ?قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[الشورى:23] قيل: يا رسول الله، من قرابتك الذين أمرنا الله بمودتهم؟ فقال: ((فاطمة وولدها)) فهم الذرية الطيبة، والأمة الوسط، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والشجرة المباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء، بهم رسخت أوتاد الدين، واتضحت أنوار الحق اليقين، وحرس علم النبيين، لأنهم ورثة الكتاب، وتراجمة الحكمة، وبيوتهم مهابط الوحي، ومساقط الرحمة، بهم تفاوتت المنازل، وتفاضلت الدرجات، فمن طلب الحكمة فيهم وُفِّق للصواب، ومن رامها من غيرهم خسر وخاب، وكان سعيه في(1/90)