وقد روينا أن بعض أشياعنا الصالحين رضي الله عنهم سأل محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه السلام قبل خروجه بمدين: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متى يكون هذا الأمر يعني خروجه؟ قال: وما سرك به. قال: ولما لا أستر بأمر يعز الله به المؤمنين، ويخزي به الفاسقين. قال: يا أبا فلان، أنا والله خارج وأنا والله مقتول، ولكن والله ما يسرني ما طلعت عليه الشمس وأترك قتالهم يا أبا فلان، امرؤ لا يمسي حزيناً،ويصبح حزيناً مما يعاين من فعالهم لمغبون مفتون قال: قلت: يا ابن رسول الله، فكيف بنا ونحن بين أظهرهم لا نستطيع لهم ردا، ولا لفعلهم تغييرا؟ قال: فقال عليه السلام: اقطعوا أرضهم، ثم ذكر بعد ذلك من كان معتزلاً وهو يعتقد محبة أهل البيت، ولا يقدر الغز على وصوله إلا لجمع وإنما يداريهم بشيء من ماله.
وليعلم أرشده الله أن السؤال مخلط فلا يجاب إلا بالوهم إن كان الذي سأل عنه ملتزماً طاعة الإمام، منخرطاً في سلك الإسلام، ملتزماً بالأوامر الإمامية، والأحكام النبوية وجب احاطته، ولم يجز التعرض لشيء من مساءته، وإن كان معتزلاً وهو أمام بيته قد صم عن واعية أهل البيت سمعه، ولم يلائم أوامرهم طبعه، وهو يحبهم بزعمه، فذلك لا يخلصه من عظيم جرمه.
وأما ما ذكر من أن الجهة التي عينها مائة قرية إلا ما وراءها هجره وفيها ضعفاء ومساكين، وأرامل ويتامى، وأهل تلك الجهات يعطونهم ما يكفيهم من الحول إلى الحول، إلى آخر كلامه الفارغ من المعنى المفيد.(1/81)
فالجواب عن ذلك أن نقول: إن كان هذا الإعطاء بأمر الإمام أو واليه فذلك الصواب، وإن كان بغير أمره أو أمر واليه فأولئك المعطون ظلمه والآخذون أثمه.
ولقد سأل سائل بحضرة الأمير الأجل الكبير شمس الدين الداعي إلى الله شيخ آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي إلى الحق عليه السلام، هل يجوز لمسلم أن يتوجه إلى بلد ليس فيها للإمام حوال، ولا هم ملتزمون له طاعة فيأخذ منهم من الحقوق الواجبة ما يحتاج إليه؟(1/82)
فقال: لا يجوز. وكأن السائل يعرض إلى بعض بلاد بخولان تسمى ذي الحجاج وطال الحاج إلى أن قال شيخ آل الرسول طول الله مدته، لا يجوز له أن يأخذ من مصر شيئاً إلا بإذن الإمام أو إجازته، فصوبنا ذلك وهو قولنا؛ لأنا لو جوزنا أن يكون الناس فوضى في وقت الإمام فما الحاجة إليه إذا كان كل يأخذ لنفسه ويعتزل، ويلزم أرفق الأماكن به وأصلحها لملاءمة غرضه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ليس لك إلا ما طابت به نفس إمامك)) وما فرع على كلامه فقد أتي على أصله وقطع دابره برمته إن تأمل ما تقدم منصف، وقال: لو جاز لذلك لجاز أن يحكم الحاكم بغالب ظنه دون علمه وطول في الشرح، ولا شك أن الحاكم يحكم بغالب ظنه دون علمه مع الشهود ومع اليمين لأن قول الاثنين لا يوجب العلم، ويجوز أن يرجع الشهود عن الشهادة، فهل انقلب العلم أم المعلوم عند السائل ويلائمه كيلا بغير ثمن، ثم سر في غلوائه، ورمى بدخيلة حوبائه، وأوجب الاحتياط في الفروج، ولا نشك في وجوبه، ولم نفرق بين الاحتياط والتجويز والأمر لم يبنى على التجويز، والاحتياط استبراء الظاهر، فليتفهم ما ألقينا إليه راشداً.
قال: ويلزم ذلك إمامكم، ولا شك أن الحكم في سوى ذلك والإمام في ذلك بتوفيق الله اليد الطولى عند من لم ينظر بعين العناد والقلى، وذكر التضمين وأسهب في ذكره، ولا شك أن الحكم يختلف بالأعيان والأزمان، والأوقات والأحوال، فمن علم أن عليه شيئاً من المضمونات ضمن، ومن كان بريئاً من ذلك عوقب، ومن رأى الإمام أو واليه العفو عنه عفا.(1/83)
وأما قوله: أقل الأحوال أن يكون الموضع موضع شبهة فهذا انهزام إلى غير فئة وجريٌ إلى غير غاية، وهل ترك البرهان للشبهة محلا ، وقد حلها عن أهل التوفيق حلا، وسلها عن شرح الإسلام سلا، وسلها عن قلوب المتقين المستبشرين سلا، لأنهم ينظرون بنور الله، ويقتبسون العلم من ورثة كتاب الله، وخزان علم الله الذين أمرهم الحكيم سبحانه باتباعهم على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما رويناه بالإسناد الموثوق: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).(1/84)
مسألة [في أخذ الولاة الأموال بغير إذن الإمام]
قال أرشده الله: رأينا ولاة الزيدية يأمرون أخدامهم غير المماليك يجبون الواجبات ممن وجبت عليه، ويأخذون أثمانها لأنفسهم، وهم قعود في بيوتهم وعلى مطارحهم ومساندهم، (جدهم)، قال: الأمر باللسان فقط ويعطون الأخدام من الثمن شيئاً يسيرا وشيئاً حقيرا، وربما من غيره إلى آخر كلامه؟
الجواب عن ذلك: أنه إن سأل هل يجوز للولاة أخذ الأموال بغير إذن الإمام أو إجازته لما يرى أن به يقع نفع الإسلام، وإنما يأخذونها احتجازا لأنفسهم ونظرا من عند أنفسهم، فذلك لا يجوز للوالي إن كان زيدياً أو شفعوياً، وإذ يجوز لإمام الزيدية تولية من اعتقد صلاحه للولاية من المسلمين كان زيدياً أو شفعوياً أو حنفياً، وبهذا سقط ما بنى عليه إلى آخره.
وأما قوله: إن الله جعل للعمال الثمن فلم ينقصوا، ولم يأخذوا من لم يعمل؛ فأمير المؤمنين يقول بأن العمالة بقدر ما يراه الإمام من الثمن فما فوقه أو ما دونه ، وإنما ذكر سبحانه الأجناس بيانا لجواز الوضع للإمام في أي جنس شاء، وكذلك صاحب المال في زمن العترة لو أعطى واحداً من هذه الأجناس جملة صدقته جاز إلا المؤلفة قلوبهم والعمال عليها، فهم يختصون بأوقات الأئمة عليهم السلام لما كان الجهاد والولاية العامة في وقت الإمام دون غير وقته.(1/85)