فأما فيما يتعلق بالأمارات والعلل المستنبطات وما جانس ذلك، فلا يجوز له العدول، فلا يصح قوله ترجح عندي، إذ علة الترجيح معدومة له، فإن سبق إلى فهمه أمر، اتهم نفسه ورجع إلى قول إمامه؛ لأن المجتهد أصح نظرا ممن لم يبلغ درجة الاجتهاد؛ لأنه متمكن وهذا غير متمكن، فإن قال: تمكنت في هذه المسألة يقال له: في ماذا، والحكم في هذه المسألة وغيرها على سواء ، وإن تبين له وجه فمن الجائز أن يكون عند إمامه ما هو أقوى، ولكنه جرد قوله في هذه المسألة أو عللها ببعض ما يعلم، ووجوه الإجماعات كثيرة.
فهذا ما وقع التمكن منه على وجه العجل والحمد لله أولاً وآخرا والسلام.
وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلامه.(1/61)
مسائل أخرى متفرقة
سألت عن رجل تزوج امرأة مسلمة في حال تغطيته بالإسلام ثم بانت ردّته ثم بقيت المرأة على الإسلام إلا أنها في عقاله لا تجد سبيلاً إلى الخلاص ما يكون الحكم في ذلك؟.
الجواب إن النكاح قد انفسخ بينها وبين زوجها بالردة التي أحدثها، وإسلامها صحيح، والنكاح ثابت من الرجل المسلم والصبية الصغيرة.
وسألت عما يكون في يده من الأملاك والذي يكون في يد المرتد من الأملاك يكون لورثة المسلمين إلا أن يكون الدار التي هي فيها الأملاك دار حرب فهي ملك للمسلمين إذا غلبوا عليها.
وسألت: عن المطرفي إذا أوصى بالحقوق الواجبة أتصح وصيته أم لا؟
الجواب إن وصيته لا تصح.
وسألت عن رجل تزوج امرأة في حال الصغر ثم طلقها بعد البلوغ ولم تحض هل عدتها بالأشهر أم بالحيض؟
الجواب إن المسألة معرضة للنظر، والأقرب أنها ما لم تحض فعدتها بالأشهر على بقاء الأصل الأول.
وسألت عن الكلام في أموال الشرف وما ذكرنا من فضلهم، والحجة عنهم للصدقة، وذكرت أن الغني يشاركهم في ذلك والمملوك.(1/62)
فأما المملوك فهو مال في الحكم ولا يقاس عليه ، وأما الغني فالصدقة لا تحرم لشرفه وإنما لغناه، بدليل أنه إذا زال الغنى حلت له الصدقة فدل على أن علة المنع الغنى لا النسب، وقد علل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الصدقة على بني هاشم بأنها غسالة أوساخ الناس، وفي حديث آخر غسالة أوساخ أيدي الناس ، وكان هذا تشريفا، وكان ذلك عاماً فيهم وفي مواليهم بالإجماع؛ ولأن في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((المعتق من فضل طينة المعتق)) ولا شك أن طينتهم من أفضل الطين ولم يساويهم بغيرهم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب))، وهذا خبر معلوم للأمة بالاضطرار، ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مولى القوم منهم)) وكان مجملا وكان ثباته بشريعة تشرفهم قولاً وفعلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
أما الفضل فَوَلاَّهم على سادات العرب والمسلمين في غير موطن، كزيد بن حارثة رحمه الله، وأسامة بن زيد.
وأما ما ذكر أن الإجماع منعقد عن الأمة والأئمة أن العربي لا يكون عاضلاً إذا لم يزوج المولى، فهذا الإجماع لا يصح دعوى أنه كان غير عاضل في موالي بني هاشم، وإنما يكون في العرب، وذكر المولى، ولا يذكر موالي بني هاشم بنفي ولا إثبات، فكيف يدعي الإجماع فيه وهو موضع النزاع، وقد زوجهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقائل العرب بل قريش فضلا عن العرب، ما أعلم أن أحداً في الصدر الأول منع موالي بني هاشم من النكاح.(1/63)
وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((شيعتنا منا)) فحق ذلك ومن تبعنا فهو منا وإنما يريد في الإسلام والدين، ولا يحتمل غير ذلك.
وسألت: عن رجل لم يوصي بوصية وأخرج عنه الوارث وصايا: منها ما يتعلق بالمال، ومنها ما هو متعلق بالبدن، هل يجزي الميت أم لا؟
الجواب عن ذلك أن إخراج الحق عن الميت يلزم الحي إذا علمه فيما يتعلق بالمال.
وأما ما يتعلق بالبدن فالولي مخير في ذلك ، فأما الثواب فلا يكون للميت إلا أن يوصي.
وسألت عن رجل أوصى بدية وقال للوصي: يبذر ماله حتى يوفي، والمال قليل هل الوصي يبذر أو يبع عنه ويخلص الدية؟
الجواب إن أهل الدية إن طلبوا التعجيل جاز البيع، وإن كانت إلى بيت المال لم يكن إلا التبذير.
وسألت عن امرأة أوصت بوصية في حقوق عليها وقالت اصرفها حيث يراه قاضي الإمام والوصي فعرفت غرضها أنها تبذر، هل تبذر أو يباع أصلها؟
الجواب أنها لا تباع لأنها بمنزلة الوقف وأكثر وقوف البلاد بلفظ الوصية.
وسألت عن معنى قوله تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ?[الأعراف:172،173] وظاهر الآية إنما يفيد وجود المخاطب؟(1/64)
الجواب عن ذلك: أن المخاطب موجود وهو بني آدم وشهادتهم على أنفسهم شهادة الحال لا شهادة المقال في أهل الكفر والضلال، وإنما عقلوا عن الاستدلال في الدنيا على وحدانية الباري تعالى، فندموا يوم القيامة ولم تنفعهم الندامة.
وأما قوله: ?إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ?[الأعراف:173] فهؤلاء اعتذروا بالتقليد، والتقليد لا يكون عذراً في ترك التوحيد.
وقولهم: ?أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ?[الأعراف:173] أولونا كانوا سببا في اعتقادنا له ولم نبتدعه من تلقاء أنفسنا وهذا عذر غير مخلص عند رب العالمين.
وقوله تعالى : ?هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ...?إلى آخر الآية[الأعراف:189-191]؟
الجواب عن ذلك : أن هذه الآية في آدم وحواء عليهما السلام.
وأما شركهما فإنما هو استخدام ولدهما في منافع الدنيا، وهو شرك لغوي لا شرعي، ولم يفرغاه لعبادة الله تعالى.(1/65)