مسائل وردت بصعدة من الأمير مجد الدين يحيى بن محمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي إلى الحق عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.
وقفنا على كتاب الأمير الرجل الأوحد المكين مجد الدين أدام الله علوه، وما قرر فيه من الخمس المسائل.(1/51)
الأولى منها في الخمس
هل يجوز صرفه إلى صنف واحد من الأصناف الستة المذكورة دون غيره من الأصناف المذكورة في كتاب الله عز وجل أم لا يجوز؟
قال أيده الله تعالى: ما الدليل على صحة ما عندنا في ذلك؟
الجواب وبالله التوفيق: اعلم أيدك الله وهداك، وحاطك وتولاك، أن الخمس يجوز قسمته على الستة الأصناف التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، وتعيين الله سبحانه لها بتعيين جواز الوضع في أي صنف كان من الأصناف كما تعلم في آية الصدقة فإنها في ثمانية أصناف كهذه الآية بغير زيادة ولا نقصان ، ولا خلاف في جواز صرفها إلى صنف واحد نعلمه، أعني آية الصدقة.
وأما الدليل [على] ما نذهب إليه في ذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد الاغتنام ووجوب حق الله سبحانه فيه كغنائم حنين وما شاكلها، فإنه صرف الخمس إلى صنف واحد، وهو سهم الله سبحانه فرأى أن تأليف القوم من أقوى مصالح المسلمين ليقل عدوهم، وتقوى شوكتهم، وتنقطع الثائرة عنهم، وتقل العادية، ولا دليل أقوى من دليله ، ولا سبيل أهدى من سبيله. أو ما فعله علي عليه السلام بعده، وفعله عندنا في الشرائع لاحق بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد صرف الخمس إلى عمر بن الخطاب ليصرفه في سبيل الله وهو وجه واحد من الستة الأوجه.
الاحتجاج بأنه سهم ذوي القربى لأنه يؤكد ما قلناه ليوضح، ولا نسلم صحته لوجوه:
منها: لو وجب صرفه في وجه واحد لما أعطاه علي عليه السلام بغير رضا أهله.
ومنها: أنه إذا جاز أن يصرف نصيب صنف إلى آخر، جاز في الجميع، إذ الحكم واحد وهو الذي نقول.(1/52)
ومنها: أن الخمس إلى علي عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزل يقسمه إلى زمان عمر، وكثرت الأموال فقال علي عليه السلام بنا عنه غنى، وبالمسلمين إليه حاجة، فقال العباس رضي الله عنه: حقنا تخرجه من أيدينا والله لا دعيت إليه بعدها، فقال علي عليه السلام: فوالله ما دعيت إليه حتى قمت مقامي هذا، والظاهر أنه الخمس جميعاً؛ لأن بني هاشم أحل لهم الخمس وحرمت عليهم الصدقة، حلال الخمس لهم عموم، وحرام الصدقة عليهم عموم، فلو كانت على قول من يقول بوجوب التسهيم، لكان بعضه حراماً عليهم، ولما صح الإطلاق الذي قد وقع، وإنما كان يقال أحل لهم بعض الخمس، وحرمت عليهم كل الصدقة وهذا لا يصح ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد بني عبد شمس عن الخمس، ولو كان على رأي أهل التسهيم لكان لهم في السدس مندوحة ولا يقال: فقد أعطى الخمس غير أهل البيت عليهم السلام.
قلنا: نعم ذلك في حال إخراجه عن أيديهم، ولم يؤثر عنه أنه قسمه أسداساً، ولا وقف سهماً للمسافرين، وقد حفظ عليه التفصيل في دون ما هذا حاله، فمنع في حال لتبيين حكم الوجوب ، وأعطى في حال لتبيين حكم الجواز، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم معلم الخير، ولما قتل جرير قائد إفريقية، زمن عثمان وقصر جيشه، وجمعت غنائمه فبلغت ألفي ألف دينار فخمسه عثمان، وأعطى خمسه مروان بن الحكم، فلم ينكر عليه أحد من جماعة المسلمين صرف السهام إلى وجه واحد، وإنما أنكروا السرف والأثرة.(1/53)
والهادي عليه السلام رد الخمس على (المهاذر) من دون استطابة نفوس أهله، وجعله في وجه واحد من الستة، وإن وجد غير ذلك وجب أن يكون أحدهما مرجوعاً عنه.(1/54)
المسألة الثانية في الجزية
هل يجوز صرفها إلى أغنياءِ المسلمين أم لا يجوز صرفها إلا إلى فقرائهم، وما الدليل على المذهب الأول في ذلك؟
اعلم أيدك الله أن الجزية هي المال المأخوذ عن الرقاب، مأخوذة في أصل اللغة من الإجزاء في وجوب طرف الأداء والمشاركة، وهي في مقابلة إقرار الملل الخارجة عن الإسلام وعلى وجه التصغير على كفرهم إلا ما استثناه الدليل كسب الأنبياء عليهم السلام، وإظهار قبائح مخصوصة وما جانس ذلك، وكانت تزيد في الأصل، وتنقص على قدر استظهار المسلمين وضعفهم، فقد يكون ديناراً، ويكون أقل، وقد يكون أكثر إلى زمن عمر، ثم استوت عن تواطؤ من الصحابة رضي الله عنهم، وتشاور ولما ذكروا الفقير ومن لا يجد شيئاً فالولاية لا تعوز أعجز الناس وأكثرهم درهما في الشهر، فجعلوا عليه في السنة اثني عشر درهما، ولسنا نتمكن من استقصاء ما تحتمله المسائل لكثرة الأشغال وقلة الفراغ، وكون ذلك يتسلسل إلى شيء كثير وكان يتعلق به نفع، ولكن لم نتمكن مع المعاذير من بلوغه، فالله المستعان.
ولما ضربت الجزية على الملل المخالفة لم يقع خلاف في الصدر الأول ولا في غيره من الأعصار دفعها إلى آل الرسول، وقد علمت إنما يخص الفقراء وأطلق الفقراء لم يجرفه إليهم، وكذلك فإن المسلمين بلغوا في بعض أزمنة الصحابة رضي الله عنهم إلى حال لا نعلم في أهل الديوان فقير، ولم نعلم امتناعهم من جزية، ولا منعهم ولي الأمر عنها، ولأنها أخت الخراج؛ وذلك لأن الخراج في الأموال وهي في الرقاب، ولم يختلف المسلمون في جوازها للغني، فهذا هو الدليل في جواز صرفها في الغنى وهو المذهب.(1/55)