فإن كان التقليد مخلصاً فَلِمَ لا نقلدهم أمرنا؟ وإن كان الدليل متبعاً فَلِمَ لا نقبل الدليل فيهم؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف يحسن الظن في معاديهم؟ وقد ثبت بما تقدم عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاديهم، وولايته لمواليهم، وحربه لمن حاربهم، وسلمه لمن سالمهم، وما حكم مبغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندك وقد علمت أن من أبغضهم فقد أبغضه، وما حكم مؤذيه؟ وما حكم محاربه وهل يكون ذلك كفراً أم لا؟ وهل يعلم منزلة بعد الكفر بالله في معصية تبت إن كان لك بنفسك حاجة، أو كانت لك إلى الله رجعة، فكم من هالك فيهم وناج بهم، وهل تعلم إن كنت ممن يعلم أن فعل بني أمية وبني العباس فيهم سلام الله عليهم ما يسوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو يسرُّه؟ فإن كان سره فكفاك من الدين انسلاخا، ومن الملة خروجا، ومن الإسلام مروقا، وكيف تجعل قتل الذين يأمرون الناس بالقسط ديناً، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أقرب الناس موقفاً مني يوم القيامة بعد حمزة وجعفر رجل منا أهل البيت خرج بنفسه فقاتل إماماً ظالما فقتل)) فكيف تصوِِّبُ من خطَّأه رسول الله، وتخطِّئ من صوَّبه؟ ولو كان الخروج على أئمة الظلم معصية لما عظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حال من فعله ووعده بالقرب من مقامه المحمود، ولما أطبق علماء الأمة على تصويبه وتقوية أمره، كيف يكون هادياً للأمة ضال، ومقيم الحدود عليها محدود كما قال الشاعر:
أيشربها صهباء كالمسك ريحها .... أبو خالد تجلد الحد مسور(1/443)


وذلك أن مسور بن مخرمة نسب يزيداً لشرب الخمر فأُمِرَ به فَجُلِدَ الحدّ، فيا محسن الظن بيزيد أتعرف أن يزيداً إن تأهب في إنكار هذا عنه فهل يمكنك إنكار تحريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمدينة بين عير إلى ثور وإلى كذا وكذا على اختلاف الأحاديث، ومنع الشرع فيها من قتل القنابر والعصافير والحمام واليمام، وأنواع الصيد، وقطع أغصان الشجر؛ فإن نازعت في هذا أتيناك بما رويناه بالإسناد الموثوق به في صحيح البخاري بإسناده عن إبراهيم التميمي عن أبيه قال: خطبنا علي عليه السلام فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله تعالى، وما في هذه الصحيفة. قلنا: وما في الصحيفة؟ قال: فيها الجراحات، وأسنان الإبل، والمدينة حرام ما بين عير إلى كذا؛ فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرفا ولا عدلا، ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك، وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه مثل ذلك، فهل يقع الشك في أن قتل ستة آلاف رجل مسلم من المهاجرين وأبناء المهاجرين، والأنصار وأبناء الأنصار، ونهب المدينة ثلاثة أيام وإيطاء الخيل حوالي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرب، ولا يختلف رجلان مسلمان بأن قتل حمامة أو عصفور حدث، وإذا حرم قطع غصن من أغصان شجرها فقطع عنق المسلم أدخل في باب التحريم.
وقد أكدنا وكررنا نريد المبالغة في الهداية والتعرض للأجر والمثوبة وذكرنا نبذاً مما تضمنه الصحاح، والثعلبي ومسند أحمد بن حنبل، وفيها ما قد علمنا وأعلمناك تنبيهاً، منها: ((علي مني وأنا منه))، وقوله ً: ((من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى))، وقولهً: ((حربك حربي وسلمك سلمي))، فهل علمت أيها المسلم أن معاوية خال المسلمين الذي تهافتوا في حبه، وجعلوا الخئولة عاصمة من عذاب الله سبحانه، ولم يجعلوا ولادة آزر لإبراهيم عليه السلام عاصمة فنعوذ بالله من الشقاوة .(1/444)


فهل علمت أن معاوية حارب علياًّ عليه السلام أو سبه أو لم تعلم بذلك؟ فإن علمت أنه سب علياًّ أو حاربه فأفض على نفسك وعليه بما شئت من تصديق كلام الصادقً أو تكذيبه إن شئت أن تكتب في زمرة المكذبين، نعوذ بالله منهم.
فأما دفع هذه الآثار فلم ندع لك إليه سبيلاً؛ لأنا روينا لك من الآثار التي أنزلت الأمة صحتها منزلة صحة كتاب الله سبحانه، وجعلوها حجة لهم في أديانهم، وسبيلاً مذللاً في معالم شرعهم، فحللوا بها وحرموا، ونقضوا وأبرموا، ونعوذ بالله أن نكون من المؤمنين ببعض ومن الكافرين ببعض، ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعل لوجهه بعدنا وقربنا، وبغضنا وحبنا، وأن يحشرنا مع الصالحين.
فقد روينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من أحب عمل قوم شرك معهم في عملهم، ومن أحب قوماً حشر معهم)) وما نقول إذا دعي كل أناس بإمامهم وجاءت الزيدية بأئمتها الذين يقضون بالحق وبه يعدلون من ذرية الصادق الأمين الذين غضبوا لله وباعوا نفوسهم من الله بيعاً كرهوا فيه الإقالة والاستقالة، وضربوا بأسيافهم قدماًلتكون كلمة الله هي العليا وقدح الدين المعلى، فطابق أبو فراس معنى حالهم في قصيدته الميمية التي رد فيه على ابن سكرة فقال فيها :
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا .... ولا يضيعون حق الله إن حكموا
تبدو التلاوة من أبياتهم أبداً .... ومن بيوتكم الأوتار والنغم(1/445)


وإذا قد تقرر ذلك بالنصوص الصحيحة أن عنوان الإيمان حب علي بن أبي طالب، وأن أحداً لا يدخل إلا بجواز من علي بن أبي طالب وأنه باب دار الحكمة وباب الجنة فمن أحق بهذا الأمر من أتباعه، وقد ورد في الصحاح أن ببغضه يعرف المنافقون وبحبه يعرف المؤمنون، فكن من شيعته وأتباعه لتكون قد أخذت بالوثيقة، وتجوز على الحقيقة؛ وما يلحق بباب الزيدية في أول الرسالة أنهم ثلاث فرق: بترية، وصالحية، وجارودية، ومعظمهم الجارودية وهم أهل الحق منهم، والآخرون قد أخطئوا في بعض الاعتقاد، وإذا تقرر عندك هذا الباب فاعلم أن الشيعة قد دخل فيها من ليس منها بسبيل، وهم الذين بغضوا إلى الأمة أتباع آل محمدً، فانتسبوا إليهم ليستروا بجلالهم عظم كفرهم، ويستدرجوا الأغمار إلى شركهم بسحرهم، فمنهم الغلاة وهم فرقة كبيرة لا تحتمل الرسالة تفصيل ذكرهم، وهم مراق عن الدين أعداء الكتاب وأهله، ونسبهم الباطنية وهم وإن لم يعدوا في فرق الإسلام لانسلاخهم عن الدين، وخروجهم عن الملة، واستخفافهم بالشريعة النبوية، وتعلقهم بمذهب المجوس في ارتكاب المحرمات وإباحة المحظورات، فإنا نذكرهم لانتسابهم إلى آل محمد - صلوات الله عليه وعلى آله - ومحرمهم على الغرام بأنهم متعلقون بولي آل محمد وذريتهم، وسترهم لكفرهم بالكتمان، والله عز من قائل يقول : ?وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ?[آل عمران:187]، وقال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ?[البقرة:159،160]، فجعلوا يأخذون العهود على الكتمان ويلبسون الكفر بالإيمان(1/446)


واستصدقوهم ومن شاكلهم في قولهم أنهم من الشيعة المتبرئين من حارب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعلوهم غرضاً لأذيتهم بغير بصيرة، فنحن إلى الله سبحانه منهم براء.
وكذلك الإمامية فإنهم يقولون في الصحابة مثل مقالتهم، إلا أن الإمامية من فرق الإسلام، وقد أخطئوا عندنا في الإمامة وفي ذم الصحابة وسبهم.
أما الباطنية: فإنهم يتأولون الشرائع ويقولون المقصود بها معاني وهي إشارة ورموز إلى غيرها.
وعندنا من أسرار كفرهم الجم الغفير، ولولا الاقتصار في هذه الرسالة لذكرناها، وإنما جملة الأمر عندهم أن من عرف تلك المعاني سقطت عنه التكاليف الشرعية ولا شيء عليه بعد معرفة الحقيقة، فإن كان تركه للعبادة الشرعية ينفر الناس عنه لزمه القيام بها لتأليف الناس لا لكونه مصلحة في نفسها فافهم هذا، واعلم أنه التعطيل المحض، والكفر الصريح، ونجمت في الزيدية فرقة يقال لها: المطرفية بعد الخمسين والأربعمائة للتأريخ المبارك، وكثروا وليس لهم أصل مبسوط تستقر عليه حكاية مذهبهم لتراكم جملهم وأتباعهم في مقالتهم لمشائخ منهم جهَّال قلدوهم أمرهم، وأخذوا مذهبهم عنهم تلقيناً وهم يرجعون إلى قريب من مذهب الباطنية في التعطيل؛ لأنهم ينفون عن الله تدبير خلقه وزيادته ونقصه، وربما نفوا عنه أن يكون خلق شيئاً في العالم بعد أصوله، قالوا: التي هي الماء والهواء والريح والنار، فقد جهلوا مذهب الفلاسفة، وخالفوا مذهب الإسلام، لأن الهواء والريح عند أهل التحصيل واحد، وإنما إذا تحرك الهواء كان ريحاً وإن سكن فهواء، فهؤلاء أهل الأصول من نفاة الصانع سبحانه عمَّا يقولون، يجعلون الأرض رابع العناصر والكل باطل.(1/447)

89 / 92
ع
En
A+
A-