ومن مسند ابن حنبل في معنى قوله تعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33] رفعه إلى واثلة بن الأسقع قال: كان عنده قوم فذكروا علياً عليه السلام فشتموه فشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: شتمت هذا الرجل. قال: رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم. قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللهً؟ قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه السلام فقالت: توجه إلى رسول الله ً، فجلست أنتظر حتى جاء رسول اللهً، فجلس ومعه علي وحسن وحسين آخذاً كل واحدٍ منهما بيده حتى دخل، فأتى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحدٍ منهما على فخذه، ثم لف عليهما ثوبه، أو قال: كساءه، ثم تلا هذه الآية: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق)).
وبإسناده رفعه إلى أم سلمة قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي يوماً إذ قال للخادم: ((إن علياً وفاطمة عليهما السلام في الشدة قالت قال لي: قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة، والحسن والحسين عليهما السلام وهما صبييان صغيران قالت: فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبَّلهما، واعتنق علياًّ بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى وقبل فاطمة وأردف عليهم خميصة سوداء وقال: اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي، قلت: وأنا يا رسول الله، قال: وأنت)).(1/433)


ومن (مسند بن حنبل) مثله إلا أنها قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، قالت: فأخذ فضل الكساء فكساهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال: ((اللهم هؤلاء من أهل بيتي وخاصتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال: إنك إلى خير ((إنك على خير)).
وبإسناده روى مثله إلا أنه زاد في آخره قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من بين يدي. وقال: إنك على خير.
وبإسناده رفعه مثله بالثبات مثله رفعه إلى وائلة وذكر طرفا من حديث الحسين بن علي عليه السلام يوم أتي برأسه إلى الشام وسرد الحديث.
وبإسناده رفعه إلى ابن عباس أدرجه في حديث طويل فيه ذكر الغدير والراية ومثله رواه وسرده.
ومن (صحيح البخاري) في الجزء الرابع منه، ومن (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه أيضاً، وفي آخر البخاري من ثمانية في جميع المصنف، وأخرى مسلم من ستة وهذا من المتفق عليه فيهما، رفعه البخاري إلى الشيخ الإمام أبي بكر عبدالله بن منصور بن عمران الباقلاني المقرئ صدر الجامع بواسط العراق.
ورواه أيضاً من طريق الشيخ العدل الثقة أبي جعفر إقبال بن المبارك بن محمد السكوني رفعه إلى الشيخ مسلم بن الحجاج العنتري النيسابوري المصنف، رفع بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)).(1/434)


ومن (تفسير الثعلبي) رويناه عنه، ورفعه بإسناده إلى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته عن علي بن أبي طالب [عن النبي] صلى الله عليه وآله وسلم قال:((في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش أحدهما بيضاء والأخرى صفراء في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفة أبوابها وأكوابها من عرق واحد، فالبيضاء لمحمد وأهل بيته والصفراء لإبراهيم وأهل بيته)) .
ومن تفسيره أيضاً بإسناده رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهً: ((نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي علي وفي حسن وحسين وفاطمة، ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33] فهل من بعد هذا من تصريح وإشكال.
وبإسناده رفعه إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال: لما نظر رسول اللهً إلى الرحمة هابطة من السماء قال: ((من يدعو أمرين؟ قالت: زينب أنا يا رسول الله. قال: ادعي عليا وفاطمة والحسن والحسين، قال: فجعل حسنا عن يمينه وحسينا عن شماله وعليا وفاطمة تجاهه، ثم غشاهم كساءً خيبرياً وقال: اللهم، لكل نبي أهل وهؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عز وجل: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، قالت زينب: يا رسول الله، ألا أدخل معكم، فقال رسول اللهً: مكانك فإنك إلى خير)) .
وقد روي هذا الحديث بأسانيد كثيرة وألفاظ متقاربة كلها تمت إلى معنى واحد، وقد رفعه بإسناده على وجه آخر عن أبي داود عن أبي الحمراء قال: أقمت بالمدينة سبعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيء كل غداة فيقوم على باب علي وفاطمة عليهما السلام، فيقول: الصلاة ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، فهذا نهاية التأكيد لمن كان له بصيرة.(1/435)


ومن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي رفعه إلى القاضي الأجل العالم أبي الفتح نصر بن علي بن منصور الباقلاني، رفعه إلى أبي علي السلامي البغدادي عن أبي عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي المصنف، وروى ما رويناه عن عائشة سواء سواء ليس فيه زيادة، وليس لمصعب بن سلمة عن صفته عن مسند عائشة من الصحيح غير هذا من الجمع بين الصحاح الستة: موطأ مالك بن أنس الأصبحي، وصحيح مسلم والبخاري، وسنن أبي داود السجستاني، وصحيح الترمذي، والفسحة الكبيرة من صحيح النسائي، جمع الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية العبدري السرفسطي الأندلسي.
ومن طريق أبي جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد بن زريق الحداد إليه أيضاً، وبإسناده أيضاً في الجزء الثاني من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة الأحزاب من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن في تفسير قوله تعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، قالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله وجاء الحسين فأدخله، وجاءت فاطمة فأدخلها، [ثم جاء علي فأدخله]، ثم قال: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33].
وعن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتها ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33] قالت: وأنا جالسة عند الباب فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال: ((إنك إلى خير إنك من أزواج رسول اللهً)).(1/436)


وقد تكرر هذا الحديث من جهات شتى وألفاظ متقاربة ومتباعدة تمت إلى معنى واحد في تفسير هذه الآية، ويدل على أنه قد وقع مرات متقاربة تأكيدا لأن في بعضها ثوبه، وفي بعضها كساء، وفي بعضها برداء، وبعضها عن عائشة، وبعضها عن أم سلمة، وبعضها عن زينب رحمة الله عليهن، وبعضها عن وائلة، وبعضها عن مرورهً على منزلهم، كل ذلك يفيد تأكيد الأمر في ثبوت عصمتهم؛ لأن الآية إن حملت على التطهير من رجس الأدران كما يكون في سائر الناس، فذلك لم يكن لهم، بل كان ينجسهم ما ينجس الناس، ويقع منهم من الأمور ما يقع من الناس، فلم يبق إلا التنزه من أسباب المعاصي وأنواعها وإلا خرجت الآية عن الفائدة ولا يجوز ذلك في كلام الحكيم سبحانه فتفهم ذلك موفقا؛ فإذا صح لهم من نص الله سبحانه ومن رسول اللهً ما روي في الصحاح وغيرها من الكتب المبسوطة في أيدي الأمة خارجاً عما روته الشيعة والأئمة السابقون من العترةٍ، كل ذلك تحريا بما يكون أقرب إلى الملاءمة بين هذه الأمة لعل الله سبحانه يرأب صدعها، ويلم شعثها، ويرفع أسباب الفرقة عنها، فأثبتناها بما لا يمكنها دفعه من كتاب الله سبحانه، والصحاح التي قطعت الأمة عن إخراجها بصحتها، وكفرت من أنكرها وردها، فلم نرى الاحتجاج عليها بشيء لا تعرفه،، ولا بما نقلها خصمها من الشيعة المحدودين على هذه العترة المجفوة المغلوبة على حقها المستأثر عليها بفيئها، المخصوص بيتها بما قال فيه الشاعر:
بيت تقاصر عنه البيوت .... طال علوا على الفرقد
فهذا مما تقرر في سورة الأحزاب. فلنذكر ما تقرر في معنى آية سورة حم وهي قوله تعالى: ?قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[الشورى:23].(1/437)

87 / 92
ع
En
A+
A-