وأما الإمامة في علي عليه السلام فهي ثابتة بالنص فيه وفي ولديه عليهم السلام ، والنص عليهم معلوم، والأمة بين محتج به ومتأول له، وتقدم من تقدم على علي عليه السلام من جملة الأحداث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أخطأ راكبها، ولسنا نعلم قدر عقوبة ذلك الخطأ عند الله سبحانه؛ لأن الخطيئة الكبيرة قد تصغر بقدر عظم صاحبها وتقدم إحسانه، كما نعلم من إقالة أهل الكرامة الهفوات والعثرات والتجاوز عنهم من فارط السيئات بخلاف من لا حق له ولا مكان.
وقد كان المتقدم على علي عليه السلام من أعظم الناس على الرسولً بعد أهل بيته حقاً، وأقفاهم لآثاره، وهم خلة أصحابه وخيارهم ومنهم صاحبه وناصره، ومنهم ظهره ولهم حرمة، وقد أقدموا على ما لم يوسع لهم في ارتكابه ولا قام لهم دليل بجوازه، فإن عفا الله عنهم فأهل العفو وهم أقمن الناس به، وإن عاقبهم فما ربك بظلام للعبيد .
فهذا ما عندنا في هذه المسألة مجملاً فتفهمها موفقاً، فقد رأينا أن نجعل لك هذه المسألة كالأصل لما بعده، ولا يمكن أحد أن تصح دعواه على أحد من سلفنا الصالح عليهم السلام أنهم نالوا من الصحابة رضي الله عنهم أو سبوهم، بل يعتقدون فيهم أنهم قبل الإحداث أنهم خير خلق الله بعد محمد وعلي وولديهما صلوات الله عليهم وعلى الطيبين من آلهم، ويقولون قد أخطئوا بالتقدم على علي عليه السلام وعصوا بذلك معصية قدرها إلى الله سبحانه والخطأ لا يبرأ منه إلا الله تعالى، وقد عصى آدم ربه فغوى؛ فإن حاسبهم فبذنب قدموه، وإن عفا عنهم فهو أهل العفو وهم يستحقون بحميد سوابقهم، ولا يعدلون بعلي عليه السلام أحدا لأدلة تواترت عندهم لم نحب إيراد شيء منها؛ لأنا ألزمنا نفوسنا أن لا نحتج على الأمة إلا بنقلها وما هو موجود بين ظهرانيها، ثم ذكرنا من الموجود عندها القليل من الكثير، وضوء البارق يشير بالنوء المطير.(1/428)
من ذلك حديث البساط رواه ابن المغازلي الفقيه الشافعي الواسطي في مناقبه،رويناه عنه ورفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال: أهدي لرسول اللهً بساط من خزف فقال لي: ((يا أنس ابسطه فبسطته، ثم قال: ادع العشرة. فدعوتهم، فلما دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط، ثم دعا عليا فناجاه طويلا، ثم رجع، ثم جلس على البساط، ثم قال: ياريح احملنا. فحملنا الريح قال: فإذا البساط يدف بنا دفا، ثم قال: يا ريح ضعينا، ثم قال: تدرون في أي مكان أنتم؟ قلنا: لا. قال: هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم قوموا فسلموا على إخوانكم. قال: فقمنا رجلا رجلا فسلمنا عليهم، فلم يردوا علينا السلام، فقام علي بن أبي طالب عليهم السلام فقال: السلام عليكم معاشر الصديقين والشهداء. فقالوا: عليك السلام ورحمة الله وبركاته قال: فقلت: مالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا فقال لهم علي: ما بالكم لا تردوا على أصحابي؟ فقالوا: إنا معاشر الصديقين والشهداء لا نكلم بعد الموت إلا نبياً أو وصياً. قال: يا ريح احملينا فحملتنا تدف بنا دفاً. قال: يا ريح ضعينا. فإذا نحن بالحرة، قال: فقال علي: ندرك النبيً يقرأ في آخر ركعة، فطوينا وأتينا وإذا النبيً يقرأ في آخر ركعة: ?أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا?[الكهف:9]، فتأمل معنى هذا الحديث ما أعجبه وأغربه.(1/429)
ومنها حديث السطل روينا عنه رفعه بإسناده إلى أنس أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر: ((امضيا إلى علي حتى يحدثكما ما كان في ليلته، وأنا على إثركما قال أنس: فمضيا ومضيت معهما فاستأذن أبو بكر وعمر على علي. فخرج عليهما فقال أبو بكر: حدث أمر؟ قال: لا وما حدث إلا خير قال لي النبيً ولعمر: امضيا إلى علي يحدثكما ما كان منه في ليلته، وجاء النبيً فقال: يا علي حدثهما ما كان منك في ليلتك. قال: أستحي يا رسول الله. فقال: حدثهما إن الله لا يستحي من الحق. فقال علي: أردت الماء للطهارة وأصبحت وخفت أن تفوتني الصلاة فوجهت الحسن طريق والحسين في طريق في طلب الماء فأبطئا علي فأحزنني ذلك، فرأيت السقف قد انشق، ونزل علي منه سطل مغطى بمنديل، فلما صار في الأرض نحيت المنديل عنه، فإذا فيه ماء فتطهرت للصلاة، واغتسلت، وصليت، ثم ارتفع السطل والمنديل، والتأم السقف. فقال النبيً لعلي: أما السطل فمن الجنة، وأما الماء فمن نهر الكوثر، وأما المنديل فمن إستبرق الجنة من مثلك يا علي في ليلته وجبريل يخدمه)).
ومنها حديث الشمس رفعه إلى فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قال: كان رسول اللهً يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول اللهً: ((إن كان علي في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس))، فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت.
وقد روي هذا الحديث بطرق منها رفع إلى أبي رافع وغيره وذكر في آخره الحديث، فقام فصلى العصر فلما قضى صلاته غابت الشمس فإذا النجوم مشتبكة.
ومنها حديث القضيب رويناه عنه، ورفعه بإسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول اللهً: ((من أحب أن يستمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن فليتمسك بحب علي بن أبي طالب)).
وقد روي بطريق أخرى، وإنما ميلنا إلى الاختصار للتنبيه والهداية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(1/430)
ومنها حديث الوصية، رويناه عنه، رفعه بإسناده إلى عمار قال: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل))، فانظر رحمك الله هل كان معاوية تولاه أم عاداه أم أحبه أم أبغضه؟.
ومنها مسألة الغنى، رويناه عنه، ورفعه بإسناده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى عن عمه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي من بعدي - يعني ابن عمه -)) والمراد بذلك غنى التقوى، وقد كان ذلك لم يفتقرا مع التقوى إلى شيء.
ومنها حديث الكوكب، رويناه عنه، ورواه بإسناده إلى ثابت وأنس قال: انقض كوكب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله: ((انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي))، فنظروا فإذا هو قد انقض في منزل علي، فأنزل الله تعالى: ?وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?[النجم:1، 2، 3، 4].
فهذا كما ترى مجة من لجة، وقطرة من مطرة، ولو أردنا الاستقصاء لطال الشرح واتسع الميدان، ولكنا نورد ما نرجو أن يكون نافعاً لمن نظر بعين البصيرة، ولم يملك زمامه الهوى، ولم يستسلم للحيرة المردية.
وكما قد وقع لك الإرهاص في حق علي عليه السلام فلنذكر طرفاً مما يتعلق بالذرية الزكية، والعترة المرضية، إذ ذلك من مرادنا، وأصل اعتقادنا، تأكيداً لما تقدم مما نصبنا عليه الأدلة في أمرهم وفي أن الإمامة فيهم، ونرجو من الله التوفيق والإعانة على الهداية والإثابة.(1/431)
فمن ذلك ما رويناه في باب تختموا بالعقيق، رويناه عنه، ورفعه إلى كثير بن زيد قال: دخل الأعمش على المنصور وهو جالس للمظالم؛ فلما بصر به قال له: يا سليمان تصدر. فقال: أنا صدر حيث جلست، ثم قال: حدثني الصادق قال: حدثني الباقر قال: حدثني السجاد قال: حدثني الشهيد قال: حدثني التقي وهو الوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فقال: تختموا بالعقيق فإنه أول حجر شهد لله بالوحدانية ولي بالنبوة ولعلي بالوصية ولولديه بالإمامة ولشيعته بالجنة))، فقال: فاستدار الناس بوجوههم نحوه فقيل له: تذكر قوما فتعلم من لا يعلم فقال: الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، والباقر بن محمد بن علي بن الحسين، والسجاد علي بن الحسين، والشهيد الحسين بن علي، والوصي وهو التقي علي بن أبي طالبٍ.
ورويناه عنه، ورفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول اللهً: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم))، ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال: ((هم شيعتك وأنت إمامهم)).(1/432)