ومن (تفسير الثعلبي) في معنى قوله تعالى: ?وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا?[الفتح:20]، قال: وذلك في فتح خيبر رفعه بإسناده قال: حصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم إن رسول اللهً أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس ولقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحيبة أصحابه ونحيبتهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهض يقاتل ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل ثم رجع، فأخبر بذلك رسول اللهً فقال: ((أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة وليس ثم علي))، فلما كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر ورجال من قريش رجاء كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك، فأرسل رسول اللهً ابن الأكوع إلى علي فدعاه فجاءه على بعير له حتى أناخ بالقرب من رسول اللهً وهو أرمد، وقد غطت عينيه بشقة برد قطري، قال سلمة: فجئت به أقوده -ولفظ هذا الحديث يدل أن عمر قاده بعض المسافة وسلمة بعضها- قال: فأتيت به إلى رسول الله ً، فقال رسول اللهً: ((مالك؟ فقال: أرمد. قال: ادن مني)) فدنى منه فتفل في عينيه فما يشتكي وجعهما بعد حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بالراية وعليه حلة أرجوان قد أخرج كميها فأتى مدينة خيبر فخرج مرحب وعليه مغفر مصفر وحجر قد نعته مثل البيضة وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب .... وإذا الحروب أقبلت تلهب
وكان حماي كالحمى لا يقرب
ونزل علي صلوات الله عليه فقال:
أنا الذي سمتني [أمي]حيدرة .... كليث غاب شديد القسورة
أكيلهم بالسيف كيل السندرة(1/413)


فاختلفا ضربتين فبادره علي بصوته ففر الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس وأخذ المدينة وكان الفتح على يديه.
وقد رواه ابن المغازلي الفقيه الشافعي في مناقبه بأسانيد كثيرة وطرق جمة، وقال في بعض ذلك: لما ولدت فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها علياً عليه السلام سمته : أسداً بأبيها، فلما قدم أبو طالب كره ذلك فسماه عليا، فلما ارتجز علي عليه السلام ذكر ما سمته به أمه، وحيدرة من أسماء الأسد والسندرة شجرة يعمل منها القسي يحتمل أن يعمل منها مكاييل جائزة، أو تكون السندرة امرأة تكيل كيلا وافياً فمثل به، وقد قيل يسار العيدان ذكره في مناقبه بزيادات مفيدة وهي لمن طلبها بحمد الله موجودة وميلنا إلى الاختصار.
ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لأبي الحسن رزين من الثالث في ذكر غزوة خيبر من صحيح الترمذي رفعه بإسناده إلى سلمة قال: بعثني رسول اللهً إلى علي عليه السلام وهو أرمد فقال: ((لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله))، وتلا الخبر بطوله.(1/414)


وفيه بالإسناد المتقدم رفعه إلى سهل بن سعد عن أبيه وذكر الخبر، فقد رأيت هذه الآثار وما فيها من الدلالة القوية، والفضيلة العظيمة والقطع على المغيب، وأن البائن منه علي عليه السلام مثل الظاهر، وأنه الآخذ صفوة الفوز العظيم لأنه تعالى ذكر في آخر آية البشرى: ?فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?[التوبة:111]، فما بعد ذلك من ملتمس وقد نطق القرآن بلفظ المحبة، فقال تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ?[الصف:4]، وكان أثبت البنيان قياماً، وأصدق الفرسان صداماً، ثم ذكر تعالى بصفة أخرى في قوم نكلوا عن الجهاد، أو خيف منهم ذلك: ?فَسَوْفَ يَأْتِ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ?[المائدة:54]، ثم كشف ذلك في تمام الآية بقوله تعالى: ?يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ?[المائدة:54]، فإذا تقرر ذلك وقد علمنا أن أحداً لا يبلغ إلى منزلته في الجهاد ولا كاد، ولو لم يكن قد ورد نص في تفضيله والثناء عليه من الله ورسوله مصرحاً لاستدللنا على فضله وتقديمه على الجميع بتقدمه في الجهاد وعنايته في الدين، وكيف وقد صرح رسول اللهً بمحبته لله وبمحبة الله له.
ومما يزدك بيانا وهداية إن شاء الله أن خصال الفضل والكمال إنما تكون بالقرابة من الرسول ً، فخرت العرب على العجم برسول الله ً، وفخرت قريش على العرب بقربها منهً، وكان أهله أولى بذلك.
وعلي عليه السلام بإجماع الأهل وإطباق العلماء معهم على ذلك أفضل الكل،ومن ذلك التقدم في الإسلام، وقد سبق طرف من الحديث فيه.(1/415)


ومن ذلك الجهاد فقد قدمنا ما يدل عليه وهو ظاهر، ومن ذلك العلم فهو باب مدينته وزلفى القيام بالحوض فهو من السقاة عليه وولديه، ومن ذلك الشفاعة فله صفوها.
روينا عن رسول اللهً قال لأهل بيته: ((لن يبلغوا الخير حتى يحبوكم لله ولقرابتي أيرجو سلهب شفاعتي ويُحرَمها بنو عبد المطلب)) سلهب حي من أحياء مراد؛ فكيف ينبغي تأخير من هذه صفته لولم يرد النص بإمامته، ولا نطق القرآن بولايته، فنسأل الله الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، فكيف أثار الأخوة والخلافة والوزارة والشركة في الأمر والإرث وقضاء الدين وإنفاذ المواعيد ورد الودائع.
ومن (مسند ابن حنبل) بإسناده إلى عبد المؤمن عن أبي المغيرة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: طلبني رسول اللهً فوجدني في حائط نائما فضربني برجله وقال: ((قم والله لأرضينك أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كبر الله ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات بحبك بعد موتك يختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت)) وبطريق ذكر فيها سليمان بن الربيع وزاد في آخره: ((علي أخي وصاحب لوائي)) والأخ عند المنصف أولى من الصاحب، وصاحب اللواء الناس تبعه ونفسه نفسه بدليل خبر المباهلة الذي أطبق أهل النقل عليه وولده ولده،وخرجت الزوجات من إطلاق لفظ النساء بإخراجه فاطمة عليها السلام وحدها دون زوجاته رضي الله عنهن، وكم من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون، وما يعقلها إلا العالمون.
وحديث سورة براءة وما كان منها، والكلمات الخمس بعدها وإذا كانت نفس علي نفسه فكيف يجوز لنفس أن تقدم على نفس رسول اللهً.(1/416)


ومن (مسند ابن حنبل) حديث الأبواب الذي كانت إلى المسجد وسدها قال يوماً: ((سدوا هذه الأبواب إلا باب علي))، فتكلم في ذلك ناس قال: فقام رسول اللهً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي عليه السلام، فقال فيه قائلكم: والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته))، ثم كرره بأسانيده ثلاثاُ أو أربعاً، في بعضه زيادات من قول أبي بكر وعمر والعباس ، وكل ذلك دليل على مزية الاختصاص توجب الإقرار بالتقديم؛ لأنه لا ينبغي للأمة أن تخرج من أدخله الله ورسوله وميزه على الكافة من خلاصة أصحابه رضي الله عنهم.
ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي) رواه بإسناده إلى عدي بن ثابت قال: خرج رسول اللهً المسجد فقال: ((إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا موسى وهارون وأبناء هارون، وإن الله أوحى إلي أن ابن مسجدا طاهراً لا يسكنه إلا أنا وعلي وأبناء علي)) وقد رأيت المشابهة بين علي وهارون في هذا الخبر وفضله السكنى له دون البشر، وقد رواه بطرقه، وميلنا إلى الاختصار إلا أنه قال في بعض أحاديثه: ((فمن ساءه فهاهنا)) وأومأ بيده نحو الشام، يريد أن من كره ذلك فليبصر إلى إشارة إلى عظيم الإنكار تفضيل الله له، وقد أدخله حيث دخل وأدخله حيث دخل، وباهل به إذ باهل، وقرنه بنفسه في المؤاخاة، وهذا دليل على القطع على الباطل وصلاح المغيب، فمن أولى منه بالأمر لولا العصبية والحمية ودفع الآية الجليلة .(1/417)

83 / 92
ع
En
A+
A-