ومن ذلك ما ذكره في مسند ابن حنبل رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) ثم رفعه بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص وزاد فيه ((أو ما ترضى)) فكانت هذه الإشارة تفيد الولاية والشركة في الأمر، ولأنه استثنى النبوة، ورفعه من طريق أخرى إلى سعيد بن المسيب، عن سعد، ورفعه بإسناده إلى مصعب بن سعد إلا أنه أبدل مكان ((أو ما ترضى)) بغير واو، ورفعه إلى سعيد بن إبراهيم، عن سعد ولم يرو الواو، ورفعه إلى عائشة بنت سعد، عن سعد، ورفعه بإسناده إلى أسماء بنت عميس مثله واستثنى النبوة، ورفعه بإسناده إلى سعد بن مالك مثله إلا أنه زاد فيه أن المسرة لما خامرت قلبه بما ساق الله من فضله خلافة النبوة، وأشركه في تصرف أعمال النبوة، ورجع يسعى فرأيت غبار قدميه تصدع، ورفعه بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه سعد إلا أنه -الراوي- قال: أحببت أن أشافه بذلك، فلقيته فذكرت له ما ذكر لي عامر قال: فوضع أصبعيه في أذنيه فقال: سكَّتا إن لم أكن سمعته من النبيً، ورفعه بإسناده بطريق أخرى إلى أسماء بنت عميس، ورفعه بإسناده إلى سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه لم يذكر فيه سوى النبوة.
ومن (صحيح البخاري) من الجزء الخامس بإسناده إلى مصعب بن سعد عن أبيه سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى تبوك فاستخلف عليا عليه السلام فقال: أتخلفوني في الصبيان والنساء؟ فقال: ((ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي)).
وبإسناده بطريق أخرى إلى مصعب مثله في الجزء الرابع من صحيح البخاري أيضاً على حدة رفعه بإسناده إلى إبراهيم بن سعد مثله ولم يذكر سوى النبوة.(1/403)
ومن (صحيح مسلم) من الجزء الرابع رفعه بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه مثله، وذكر سوى النبوة وذكر أنه شافه سعد بن أبي وقاص برواية عامر فقال: سمعته بهاتين وإلا فسكتا، ورفعه بإسناده إلى مصعب بن سعد مثله سواءً سواء بغير زيادة ولا نقصان فيه سوى النبوة، وذكر من رواية أخرى رفعها إلى إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد مثله ولم يذكر سوى النبوة.
ومن (صحيح مسلم) من الجزء الرابع من أوله في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه، وذكر الخبر واستثنى النبوة، وذكر مشافهة سعد، وذكر أن سعداً ترك أصبعيه في أذنيه وقال: نعم وإلا فسكتا، وبإسناده عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد واستثنى النبوة، ورواه بإسناده إلى عامر بن سعد عن أبيه عن سعد أن معاوية أمر إليه ما منعك من سب أبي تراب؟ فقال: أما ما ذكرت، له ثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه. قال علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان. فقال له رسول اللهً: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) وسمعته يقول له يوم خيبر: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله))، فتطاولنا لها فقال: ((ادعوا لي علياً)) فأتي به أرمد العين فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه.
ولما نزلت هذه الآية: ?نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ?[آل عمران:61] دعا رسول اللهً علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: ((للهم هؤلاء أهل بيتي)) وقد تكرر حديث خيبر في الصحاح.(1/404)
وما ذكرنا في الكتب الظاهرة في أيدي الأمة دونما يرويه آباؤنا سلام الله عليهم وأشياعهم رضي الله عنهم فقلت فيه أبياتاً أحببت إيداعها هذا المكان لأن راية رسول اللهً ردت مهزومة حتى كاد من لا بصيرة له ييأس من الفتح، فقال رسول اللهً ما قال من الخير، فقلت في ذلك:
قد عرفوا طرق التقديم لو عرفوا .... لكنهم جهلوا والجهل ضرار
ساروا برايته فاسترجعوا هربا .... والخيل تعبر والأبطال فرار
حتى إذا سد وجه الفتح أو فلجت .... خواطر من بني الدنيا وأفكار
نادى أبا حسنٍ موفي مواعده .... صبحاً وقدشخصت في ذاك أبصار
فجاء كالليث يمشي خلف قائده .... إذ كان في عينه ضر وإعوار
فقال خذها وصمم يا أبا حسنٍ .... فكان فتح وباقي القوم صدار
فمج فيها بريق عمه عسل .... وريحه المسك لم يقصصه عطار
ومن (مسند ابن حنبل) بإسناده رفعه إلى الحارث بن حصين عن القاسم عن رجل من جعشم عن أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول اللهً يقول: ((اللهم أقول كما قال أخي موسى: اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا)).
فهذا كما ترى تصريح بما ذكرنا أولاً من أن المراد بنزوله عليه السلام منهً بمنزلة هارون من موسى الخلافة في القوم، والشركة في الأمر بالنصح الصريح، فاستغنيت عن التعليل فأي كشف أجلى من هذا.(1/405)
ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي) بإسناده رفعه ابن عباس رضي الله عنه عن رسول اللهً قال: ((يا أيها الناس من آذى عليا فقد آذاني إن علياً أولكم إيماناً، وأوفاكم بعهد الله، أيها الناس من آذى علياً بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً، فقال جابر بن عبدالله الأنصاري: يا رسول الله وإن شهد أن لا إله إلا الله وأنك محمداً رسول الله. فقال: يا جابر كلمة يحتجزون بها ألا تسفك دماؤهم وأموالهم فإن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) وقد تضمن هذا الخبر أنه عليه السلام أول الناس إيماناً، وقد تواترت به الآثار والنقل الصحيح من غير طريق لو فصلناه لطال به الشرح، وصرح أنه أوفى الجميع بعهد الله تعالى وكانت هذه إشارة إلى أنه أولى بالأمة؛ لأن الله سبحانه قد ذكرها بلفظ العهد في قوله تعالى لإبراهيم : ?إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?[البقرة:124]، فجعل الإمامة عهدا فهو أوفى بأمانة الله سبحانه، وتضمن الخبر أن من آذى عليا فقد آذاه، وقد ثبت أن أذاه كفر بالإجماع، وقد صرح في آخر الخبر بأنه يحشر يوم القيامة يهوديا أو نصرانياً ولا يحشر بهذه الصفة إلا المشركين، فما ضنك بمن حاربه وأجرى سبه على فروق المنابر وفي محاريب المساجد فما يكون إثمه عند الله غدا بعد خبر الصادق المصدوق.(1/406)
وبإسناده رفعه إلى جابر بن عبدالله الأنصاري قال: سمعت رسول اللهً يقول يوم الحديبية وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وقال: ((هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله -ثم مد صوته- أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب)) فتضمن هذا الخبر معنى الإمامة، ثم أفاد معنى الأمانة بذكر العلم، وأنه لا دخول لأحد إليه إلا من طريق علي عليه السلام قد نهى الله سبحانه عن إتيان البيوت من ظهورها وأمر بإتيانها من أبوابها، فإذا المتصل بالرسول غير علي عليه السلام قد أتى البيوت من حيث نهي عن إتيانها، وكان هذا إشارة تؤيد ما قدمنا من الدلالة على أنه الإمام بعد رسول اللهً بلا فصل.
ومنه رفعه بإسناده عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ً: ((إنما مثل علي في هذه الأمة مثل قل هو الله أحد في القرآن)).
فتأمل هذا الخبر فهو مفيد جداً؛ لأن قل هو الله أحد سورة الإخلاص فإذا الإخلاص بوده، وفيه معنى التوحيد ولفظه وكانت الإمامة له وحده دون غيره، وفيه معنى الإمامة من لغة العرب وهو ما ذكر في تفسير الصمد أنه السيد المصمود إليه، وهو أولى من قول من قال: هو ما لا جوف له لو كان جسماً لكان محدثاً وهو تعالى قديم، وقد قال الشاعر:
ألا بكر الناعي بخبر بني أسد .... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد(1/407)