فصل [ في فضائل أهل البيت ]
اعلم أيدك الله وأرشدك أن الطالب لرشده، المتحري للنجاة بجهده، ينظر في لحن قول المتكلمين كما قال تعالى: ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ?[الحجر:75]، وأعدل الشهادات شهادة الخصم لخصمه؛ إذ هي لاحقة بالإقرار الذي لا يفسخه تعقب الأفكار، وقد أكثرت السبعة في روايتها بالأسانيد الصحيحة إلى حد لم يدخل تحت إمكاننا حصره في وقتنا هذا إلا أنه الجم الغفير في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين وذريتهما الطيبة، وما يوجب لهم الإمامة، ويخصهم بالزعامة إلى يوم القيامة، فهو على ذلك كتب وألوف أحاديث كثيرة، فرأينا أن لا نعيد شيئاً من رواياتها في هذا الباب لكون أهل تلك الجهة مائلين إلى الفقهاء ومعتمدين على أئمة العامة الأربعة في الفقه وغيره، فلن يختلفوا في صحة نقل الصحاح من صحيح مسلم والبخاري، ومن كتاب الجمع بينهما لأبي عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي، ومن كتاب (الجمع بين الصحاح الستة) لأبي داود السجستاني وصحيح الترمذيوالفسحة الكبرى من صحيح النسائي، ومن صحيح أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري إمام الحرمين السرقسطي الأندلسي، ومسند أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، وتفسير القرآن للأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ويتبع ذلك كالشافعي له مما لعله شذ ذكره ما رواه الفقيه الشافعي أبو الحسن علي بن محمد الطبيب الجلالي المعروف بالمغازلي الواسطي فما تعلق بالقرآن الكريم، فهو شفاء كل سقيم، والدواء من الداء العقيم، والصراط المستقيم.(1/378)


أما ما يتعلق بالصحاح فهي القدوة للمذاهب الأربعة إذ الشك لو اعترى فيما شاهد بالعيان لما اعترى أهل المذاهب الأربعة الشك فيما أخبر به الصحيحان، ثم قد عدلت بأربعة صحاح ناطقة فصاح اعتمدها علماء الإسلام، الخاص منهم والعام، ثم يشفع ذلك بما يرويه العدول في مذهب الشافعي فهو كالمعدل للمعدل للشهادة وتركنا ما يرويه السبعة بطرقها الصحيحة التي لا يمكن عالم نقضها إلا بما يقدح به في أصول الإسلام الشريف.
وكذلك ما اختص به آباؤنا عليهم السلام إذ روايتهم كالشهادة لأنفسهم فكان للخصم أن يشغب فيها، وإلا فهم كما قال الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله تعالى:
فهم الأقربون من كل خير .... وهم الأبعدون من كل ذام
وهم الأرأفون بالناس في ال .... رأفة والأحلمون في الأحلام
أسرة الصادق الحديث أبي القاسم .... فرع القداميس القدام
لا أبالي إذا حفظت أبا القاسم .... فيهم ملامة اللوام
فهم شيعتي وقسمي من الأمة .... حسبي من سائر الأقسام
أنا إن مت لا أمت ونفسي نفسان .... من الشك في عمى وتعامي
عادلاً غيرهم من الناس طراً .... بهم لا همام لي لا همام
ومثل ذلك قول الفرزدق:
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم .... في كل شيء ومختوم به الكلم
إن عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم .... أو قيل من خير خلق الله قيل: همُ
من معشر حبهم دين وبغضهم .... كفر وقربهم ملجأ ومعتصم(1/379)


وأصدق من ذلك كله قوله تعالى: ?أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?[يونس: 35]، وقد علم الكافة أن علياً عليه السلام كان المفزع، وعليه معول الصحابة رضي الله عنهم عمر فمن دونه في الحوادث حتى قال: لا أبقاني الله لمعضلات لا أرى فيها علي بن أبي طالب، وإنما أراد أن يقطع شغب العامة، ونورد مالا يخالف فيه الكافة ولو استقصينا ذلك لطال شرحه، وإنما نذكر من الجملة زبدة ذلك جملة ليطلبه الراغب فيه، ونذكر من الجملة زبدة ?لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ?[ق:37]، وفصول ما تناوله هذه الكتب مما يختص بالعترة الطاهرة خمسة وأربعون فصلاً يشتمل على تسعمائة وعشرين حديثاً، منها من (مسند ابن حنبل) مائة وأربعة وتسعون حديثاً، ومن (صحيح البخاري) تسعة وسبعون حديثاً، ومن (صحيح مسلم) خمسة وسبعون حديثاً، ومن (تفسير الثعلبي) مائة وثمانية وعشرون حديثاً، ومن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي ستة وخمسون حديثاً، ومن (كتاب ابن المغازلي الشافعي) مائتان وتسعة وخمسون حديثاً، ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين بن معاوية العبدري تسعة وتسعون حديثاً، ومن (الجزء الأول من غريب الحديث) لابن قتيبة الدينوري على انحرافه من العترة الطاهرة ستة أحاديث، ومن كتاب (المغازي) لمحمد بن إسحاق حديثان، ومن رواية أبي نعيم المحدث بما خرجه بكتاب (الاستيعاب) حديث واحد، ومن كتاب (الشريعة) للآجري حديث واحد، ومن كتاب الحافظ أبي زكريا [ابن مندة] حديث واحد، ومن كتاب (الملاحم) لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادى حديث واحد، ومن (كتاب الطبري) حديثان.(1/380)


وفيما يختص بعلي عليه السلام ستمائة وخمسة وثمانون حديثاً، من (مسند ابن حنبل) مائة وثمانية وسبعون حديثاً، ومن (صحيح البخاري) تسعة وثمانون حديثاً، ومن (صحيح مسلم) أربعة وثلاثون حديثاً، ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي) مائتان وخمسة وخمسون حديثاً، ومن (تفسير الثعلبي) مائة وخمسة أحاديث، ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين بن معاوية العبدري أحد وأربعون حديثاً، ومن كتاب (الفردوس) حديث واحد، ومن رواية أبي نعيم المحدث مما خرَّجه من كتاب (الاستيعاب) حديث واحد، ومن كتاب ابن مندة حديث واحد، ومن كتاب (الملاحم) لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي حديث واحد.
فقد عيّنا لك مواضع هذه الأحاديث وكتبها لتطلبها فيها فتعلم صدق الرواية عنها؛ إذ هذه الكتب هي التي توجد في أيدي الأمة سبيلاً إلى ربها، ولسنا نأتي على جميع الأحاديث لأن ذلك لا يدخل تحت الإمكان في هذا المكان.
وإنما نذكر في المذهب دليلاً واحداً محققاً على وجه الاختصار، ونشفعه بما يؤيده من الآيات، فإذا أنصف العاقل نفسه لن يعدل عن سبيل نجاته، وطلب الرشد من مظانه، وورد الهدى من شرائعه، وتنوَّر الحق من مشكاته، ورجع إلى هداته، وانساق لدعاته ورعاته، حماة شرع الإسلام، وصفوة الصفوة من الخاص والعام.(1/381)


فأما روايات السبعة على صحة نقلها وفن أصلها فقد أضربنا عنها في رسالتنا هذه ليعمل العاقل بمقتضى عقله، ويسلم الأمر لأهله، ويرد الفرع إلى أصله، لأن الأمة إذا كانت سنية وشيعة واتفق الثقلان على تقديم النصاب المخصوص ما العذر عند الله سبحانه في الاطراح له ورفضه والعدول عنه، إلى غيره؟ في الابتداء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى انقطاع التكليف؟ إذ التعبد لا بد له من ساق تقوم عليه، وفئة يرجع إليها، وإذ قد قررنا هذه القاعدة فلنبدأ بالدليل على أن الإمام بعد رسول اللهً علي بن أبي طالب عليه السلام التي تدل على ذلك أدلة كثيرة وكل واحد منها يوصل إلى العلم؛ لأنها وإن كانت أدلة شرعية فقد لحقت بالعقليات في القوة، ولا يمكن ذكر الجميع فلنقصر الكلام على الآية والخبر.
أما الآية فقوله سبحانه: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?[المائدة:55].
الكلام في هذه الآية يقع في موضعين: أحدهما: إن أمير المؤمنين عليه السلام المراد بها دون غيره، والثاني: إن ذلك يفيد معنى الإمامة .
أما أنه عليه السلام المراد بها دون غيره فلوجهين:
أحدهما: إجماع أهل النقل على تباين أغراضهم إلا من لا يعتد به أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأنه المتصدق بخاتمه في ركوعه دون غيره، والثاني: أنه لا يجوز أن يكون المراد بها غير أمير المؤمنين، لوجوه :
أحدها: أنه سبحانه وصف الولي في هذه الآية بصفة لم توجد في غيره عليه السلام وهي الصدقة بخاتمه في حال الركوع، فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بذلك جماعة المسلمين وأن الركوع من شأنهم وإن لم يتصدقوا في حاله؟(1/382)

76 / 92
ع
En
A+
A-