ومنها أنك تعلم ويعلم من عاشرنا أنما به مدة تمرُّ إلا وننفق [منها] مما تحصل من النزل جملة من المال ومن النذور، ولا يخرج منه الدرهم إلا بنية السلف، ونريد بذلك التحرز من سطوة الباري سبحانه مما لا يقطع فيه التفريط، أو لملجئٍ إليه، ومن يوم طلعنا هذه المدة القريبة قد خرج مما يخصنا أكثر مما صار إلى من يختص بنا بشيء كثير فيما نعلمه؛ لأنا لا نختص بالإنفاق من أيدينا إلا ما هو لنا لأمور يعلمها الله سبحانه منها ما قدمنا، وهذا فيما يختص بالوقت؛ فلو أضفنا الجمل بعضها إلى بعض على مرور الأيام استغرقت أجزل بيت المال الذي يقرب منا وننفقه مع الحضور في أكثر الأحوال له، فتأمل هذه الوجوه ويكفيك منها وجه واحد إن شاء الله تعالى، وإنما نكثرها لسكون النفس ورتبناه لنفوسنا فيما بيننا وبين ربنا، فلما احتجت أشركناك فيه لوجه الله سبحانه؛ لأن الواجب على المسلمين أن يحاسبوا نفوسهم قبل أن يحاسبوا .(1/363)
المسألة الثالثة[ إكراه الإمام لأحد على شيء من الأعمال ]
قال أيده الله: هل يجوز للإمام أن يكره أحداً من المسلمين على شيء من الأعمال التي تختص به أم لا؟
الجواب عن ذلك: إن المكره إن كان عليه من الحقوق التي تختص بالإمام ما يساوي ذلك العمل جاز للإمام إكراهه؛ لأن له أن يستوفي الحقوق وسواءً كانت لنفسه أو لغيره، أو كانت لا يقوم للإمام الأمر إلا بذلك؛ لأنه إذا جاز إكراههم لإزاحة علة غيره فهو بإزاحة علته أولى وما عدا ذلك لا يجوز.(1/364)
[ المسألة الرابعة في الخمس ]
قال أيده الله تعالى: هل يجوز له أن يتفرد به لخاصة نفسه أو يجب تفريقه إلى من ذكره الله سبحانه؟.
الجواب عن ذلك: إن الخمس للإمام بدليل قوله تعالى: ?يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ?[الأنفال:1] والخمس جزء الجملة التي ملكها الله رسوله، لأن أمير المؤمنين عليه السلام أعطاه عمر وأمره بتفريقه [بين] المسلمين بغير مشورة بني هاشم ولا رضاهم، بل أشار العباس رضي الله عنه بخلاف ذلك وظهرت الكراهة منهم، والهادي عليه السلام أعطاه المهاذر ولم يشاور أحداً من أهله .
فإذا جاز للإمام أن يملكه غيره جاز أن يتملكه لنفسه، وهذا كله فرع على صحة الإمامة وهي لا تصح إلا بشرائطها وفي شرائطها الزهد، والورع، والسخاء، والفضل؛ فلو قدرنا استيلاءه على هذا السهم لنفسه لقدح عندنا في هذه الوجوه أو بعضها.
وأما لو قدرنا حاجته إلى ذلك لجاز عندنا [فراغ في الأصل] عليه، والقسمة جائزة مشروعة، وقد فاضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها كما هو معلوم في قسمة الخمس في خيبر [فراغ في الأصل] التصرف وله أن يعطي يتيماً أكثر من يتيم، وكذلك المسلمين وابن السبيل، ويعطي واحداً ويدع آخر على قدر ما يرى من المصلحة.(1/365)
وإذا انتهت المسألة إلى أمرنا وما هو يتوجه إلينا فإن الخمس معلوم الجنس والصورة والمستقر، وما يصح إلينا منه إلا اليسير بشرط أن تعرض الحاجة إليه في غرضه، فإن بدت حاجة كانت أولى، وقد بِيع في أوقات وعلم من شاهد إلى أين صارت أثمانه ولعل الأكثر يعدو حججاً للفقراء الشرف، هذه غنيمة لهم جعل الخمس للشريف الذي تلف فرسه، والغنائم التي تصل البطنة يخرج أكثرها حججا لضعفاء الشرفاء ومساكينهم، فالذي تقرر في القسمة أن للإمام الثلث لنفسه وسلاحه وكراعه فما يصل إلينا نصف هذا القدر ولا ثلثه ولا ربعه، وإذا تأملت أخماس الحديد والغنائم بعثت ذلك بما يقرب من الضرورة فتأمله موفقاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعائبين على علي عليه السلام في الجارية: ((إن حق آل علي في الخمس أكثر منها)) فدل على أن لصاحب الخمس أن يأخذ نصيبه ولا حرج عليه في ذلك، فإن أخذ دون ذلك كان قد ترك حقه وله فيه نيته.
وإذا كان ما يختص بالنفس من الملك يخرج في سبيل الله ولا منة به على الله ما الواجب أن يؤخذ ما يكون فيه الإشكال وإنما أمره إلى الإمام يفعل فيه ما أراه الله سبحانه وتعالى.(1/366)
المسألة الخامسة [ إكراه العبد على الصلاة ]
هل يجب إكراه العبيد الذين يملكهم الإنسان على الصلاة وإن خاف من إكراههم الإباق أم لا؟.
الجواب عن ذلك: إن الإكراه في مقابلة الامتناع، فإذا كان إذا قلت لهم: صلوا. قالوا: نفعل، أجزأ ذلك، وإن جاز أن يخونوا أمانتهم فيها لأن الدين أمانة، وأجل من الصلاة أصل الإسلام، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للإنسان: أسلمت، فيقول: نعم، فيحمله على حكم الإسلام فإن أظهر الامتناع أكره، وإن خاف الإباق، ومثل هذا لا يتصور فيمن يكون في جهتنا، فإن شغلت الشواغل عن تفقد الأحوال وتقصص الآثار فلا حرج؛ لأنها تشغل عن أكثر من هذا الشأن ربما ينتهي عن حمله الإنسان مدة من الزمان فضلا عن أعماله.(1/367)