وأما قول من يقول بمساواة الأرض للجبال فلا يستقيم؛ لأن هناك حكيم مدبر لبريته ولم يخلق السهول سهولاً والجبال جبالاً إلا لحكمة لا يسد غيرها مسدها في بابها، فهو الداعي بحاله فهو يمنع السهول من الزيادة بلطف تدبيره، والجبال من الزوال لحكمته، والمشاهدة تصف لك لا مصوراً وبين جبلين من رمل، والنيل يطرح فيه كل سنة من الذراع إلى الذراعين وأكثر طيناً جيداً، ولا يخرج منه شيء إلى جهة أخرى بالمشاهدة، ولولا لطفه لكان اليوم قد بلغ السماء علواً.
فكل هذه الأشياء التي تعلقت بها (الطبعية) و(المطرفية) أخزاهم الله سبحانه صدوداً عن الصانع تعالى، والأدلة تردهم إلى ما كرهوا، ويخزيهم الله سبحانه بها إن تمردوا، ولا تكليف علينا إلا في إثبات أن الله صنعه، فأما أنه خلق شيئاً من شيء فلا يلزمنا، فإن تعلقت بذلك مصلحة فعله تعالى لأجلها، فإما أن هناك حاجة وملجئ إلى خلق شيء من شيء وهو يتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وأما محاولة من حاول المنعم من الأمة أو علل بكثرة الأجزاء فلا يستقيم له ذلك، فهذا ما يصح عندنا في هذه المسألة والله الهادي.(1/358)
المسألة الخامسة [ في زكاة الإرث الذي لم يقسم وفي زكاة الأيتام ]
قال أيده الله تعالى: إذا كان مال [بين] ورثة كبار وصغار وزرعوه قبل القسمة فحصل [لنا] ما يجب في ملكه الزكاة، هل تجب فيه الزكاة أم لا؟ وهل يجب على ولي الأيتام إخراج الزكاة عند المطالبة بها أم لا؟
الجواب عن ذلك: إن المال الذي لم يقسم إذا اجتمع منه ما يجب فيه الزكاة، أو كان عيناً يجب في مثله الزكاة، وجب إخراج الزكاة منه في تلك؛ لأنه في حكم الباقي قبل القسمة على ملك الأول، والواجب على ولي الأيتام إخراج الزكاة من مالهم عند وجوبها، ومثل ذلك فعل علي عليه السلام في أموال آل أبي رافع، فإنهم لما بلغوا رشدهم وطلبوا أموالهم فأخرجها لهم فوزنوها فوجدوها ناقصة فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذه أموالنا ناقصة. فقال: احسبوا زكاتها. فحسبوا زكاتها لما مضى من السنين فوجدوا الناقص الزكاة بغير زيادة ولا نقصان، فقال عليه السلام: أترون أن عند علي بن أبي طالب أموال يتامى فيها الزكاة ولا يزكيها. فهذا كما ترى تصريح بحكم هذه المسألة التي ورد عنها السؤال[…بياض في المخطوطة] من الأشغال ما يحققه الفقيه المعتمد أبو المحاسن أيده الله تعالى فأجبنا على قدر […بياض في الأصل] الوقت على وجه العجلة مع تراكم الشغل، ومن الله نستمد الهداية. والسلام عليكم ورحمة الله، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وسلم.
خُطَّ نهاية شهر شعبان سنة 1047ه(1/359)
هذه المسائل سأل عنها السلطان الأجل الحسن بن إسماعيل الذعفاني
سأل عنها الإمام عليه السلام ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله(1/360)
المسألة الأولى [ الجائز للإمام من بيت المال ]
سألت أيدك الله تعالى عن الجائز للإمام لخاصة نفسه من بيت المال؟ الذي لخاصة نفسه هو ما يحتاج إليه لنفسه وأزواجه ومماليكه وكراعه من متاع وكسوة وآلة وقِرى ضيفة، ولا نعلم خلافاً في ذلك بين أهل العلم فهو ثابت بطريقة الإجماع.(1/361)
المسألة الثانية [ أموال بيت المال المختلطة ]
سألت أيدك الله عن الحقوق التي تجمع وتصير في بيت المال من غير تمييز لبعض منها عن بعض ثم يؤخذ النفاق منها إلى دور الإمام .
الجواب عن ذلك: إن الحقوق المجموعة فيها ما يجوز لأهل البيت عليهم السلام كالمعونة وما أخذ مما دون النصاب، وخلط الجنس بجنسه عندنا لا يكون استهلاكاً كما علم من رأينا قبل هذا، والقسمة تميزه، والنية تمحضه، وأنت تعلم أن الذي يختص بنا وبمن يلزمنا نفقته هو النزر الحقير في جنب هذه الجملة من المال الذي هذا سبيله، والمحمول إلى الدور إنما يكون لهم في خاصة نفوسهم والضيفان، وأكثر أهل النَّفاق هم أهل بيت المال، فهم آخذون أكثر من نصيبهم مما يصير إلى الدور، ونحن نرى جواز المخالطة إذا لم تلحقه مضرة وكان لبيت المال فيه العطية، كما علمت تحريم مال اليتامى والوعيد لمن أكله، ثم قال تعالى: ?وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ?[البقرة:220] في الدين، فأباح سبحانه المخالطة إذا لم تلحقه مضرة، ومعلوم لمن تأمل أن المصلحة لبيت المال في مخالطته.
ومنها أنك تعلم أنما به سنة تمر إلا ويحصل من الزرائع ما لو قصر على من تلزم نفقته لقام بهم وفاض عليه بأضعاف كثيرة، فإذا تأملت ذلك صار علماً ضرورياً، ثم انظر مصرفه وهل جعل لخاصة النفس أم أجري مجرى المال العام، وللإمام أن يقرض بيت المال ويستقرضه بالنية، وقد جعل عثمان بمشهد من الصحابة وصاحباه من قبله فلم ينكر عليهم فكان إجماعاً؛ وإنما كان من عيبهم على عثمان أنه لم يقض، وما يخرج بحمد الله إلا بنية سلف بيت المال، فإن صار إلينا شيء بمنزلة القضاء.(1/362)