مسألة[ في دعاء الصحيفة ]
فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء الصحيفة في أن من دعا به كان له من الثواب مثل ثواب أربعة من الملائكة، وأربعة من الأنبياء صلوات الله عليهم مع أنه قد ثبت أن ثواب النبي لا يساويه ثواب من ليس بنبي فضلا عن أربعة أملاك وأربعة أنبياء، وكذلك روي في صلاة التسبيح من غفران الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر ورمل عالج إن كان من غير توبة، فكيف يصح ذلك والكبيرة لا يساوي عقابها شيء من الطاعات في كل وقت، وإن كان مع التوبة فالمسقط للعقاب هو التوبة دون الصلاة المذكورة، ولا يصح حمل ذلك على أنه أراد به أن ثواب هذه الصلاة المذكورة تكفر الصغائر، وإن كان عقابها بهذه الصفة؛ لأن الصغائر لا يبلغ عقابها عدد الرمل وزبد البحر، وكذلك ما شاكل ما ذكرناه من الأخبار المروية في قراءة القرآن والعبادات التي لا يتسع إيرادها.
الجواب عن ذلك: إن الكلام في الحديث الأول أنه يكون للداعي بدعاء الصحيفة ثواب أربعة أملاك وأربعة أنبياء، المراد بذلك جنس ثوابهم والجنس يعبر عنه بالجملة، فقال: هذا رأي فلان وإن كان رأي آخر إذا جانسه، وتجانس الثواب لا يوجب المماثلة ويكون هذا مميزاً لمن دعا بذلك لعلم الله سبحانه أنه يستحقه، وإلا فالمتقرر عندنا أن الأنبياء عليهم السلام أفضل من سائر البشر، وأن الملائكة عليهم السلام أفضل من الأنبياء لما خصهم الله به من العصمة من الصغائر فكانت لهم مزية على الأنبياء عليهم السلام.
وأما ما سأل من معنى قوله في ثواب صلاة التسبيح أنه يكفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر ورمل عالج وهذا خبر صحيح، ومعنى مستقيم؛ لأن زبد البحر ورمل عالج معلوم الأجزاء عند الله تعالى، محصور الوزن والعدد في علمه سبحانه، وإن تعذر ذلك عندنا لقصور علمنا وقدرتنا، وثواب هذه الصلاة لا ينحصر عدده، ولا ينقضي أمده، وعندنا أن الطاعة لا تسقط حتى يسقط قدرها.(1/343)


ومعنى الإحباط عندنا أن الكبيرة تستوعب أجزاء الطاعات ويبقى منها فضلة عقاب، وكذلك التوبة لأنا ما نعلم في الطاعات كبيرة سواها وكبائر المعاصي كثيرة لا تنحصر، فلا بد ثواب صلاة التسبيح تُسقِط مثل زبد البحر ورمل عالج من المعاصي وهي أكثر من هذا؛ لأن عقاب المعاصي لا نهاية له، فلا يكون أكثر منه شيء، وكل ما انتهت إليه الإشارة فله نهاية، فتفهم ذلك موفقاً.
وما جانس الحديث الأول في معنى ثواب من دعا بدعاء الصحيفة وما يوجد في كتاب الذكر من القرآن أو التسبيح أو الدعاء حمل على معنى ذلك الذي ذكرناه في تفسيره وأن المراد به الجنس لا القدر؛ لأن ذلك لا يستقيم على الأدلة.
وسأل عن الحديث في أهل أحد فهو صحيح، وما أطعمهم الله وأسقاهم إنما هو من طعام جنة المأوى أو شرابها.
وأما أن نعيم الجنة لا يحول فذلك في دار الآخرة، فأما في الدنيا فقد أكله آدم عليه السلام وشربه ثم فارقه وتحول عنه، وإنما لا آخر لنعيمها في دار الآخرة دون الدنيا، اختلف الحكمان لاختلاف الدارين، فاعلم ذلك.(1/344)


مسألة [ في إجماع العترة ]
في إجماع الأمة والعترة وكيف يمكن معرفته مع كثرتها وتباعدها في البلدان وقلة الثقة عن العلماء وجواز السكوت من بعضهم وترك الإنكار خصوصاً في مسائل الشرع؟.
الجواب عن ذلك: إن (التعبد) علينا بمعرفة حكم الإجماع فإن أمكنت معرفته بالحكم ما ذكر في أمر الإجماعين، وإن تعذر ذلك فالحكم ولا تعبد علينا.(1/345)


مسألة في اختلاف أهل البيت عليهم السلام
هل ذلك من الرواة عنهم، أم لأجل أن علياً عليه السلام روى الناسخ والمنسوخ، أم لأي معنى؟.
الجواب عن ذلك: إن أهل البيت عليهم السلام معدن هذا العلم ومحله وورثته وتراجمته، ومثالهم مثال قوم لهم معدن يستخرجون منه بقدر الآلة والقدرة وتوفيق الله عز وجل، فكل واحد يخرج غير ما أخرجه الأول، وإن كان من جنسه وغير مخالف له في الجنسية دون العين، وقد أخذوا من الثقات المرضيين، فلا يمتنع أن يحصل لواحد غير ما يحصل للآخر وإن كان من جنسه، فأما علي عليه السلام فهو باب المدينة للعلم، وتابوت سكينة الحكمة، ومن علمه الله على لسان نبيهً العلوم والأحكام، من جملة ذلك الناسخ والمنسوخ، ولا شك أن كل إمام من أهل البيت يعلم الناسخ والمنسوخ، ولولا ذلك لما صحت إمامة الأئمة منهم؛ لأن العلم معتبر فيهم، والعلم بالناسخ والمنسوخ من مهماته.(1/346)


[ خلق الجنة والنار ]
وسئل أيضاً في الجنة والنار -جنة الخلد ونار الخلد- هل قد خلقا أم لا؟
فأجاب عن ذلك: إن جنة الخلد ونار الخلد لم يخلقا؛ لأنهما لو قد خلقا لفنيا ولا يجوز عليهما الفناء.(1/347)

69 / 92
ع
En
A+
A-