[ إبطال ما يدعى طريقاً للإمامة من غيرنا ]
وأما الفصل الثالث: وهو الكلام في إبطال فيما يدعى طريقاً إليها سوى ما نذهب إليه فاعلم أن له تعلقاً بما قدمنا من إمامة الأئمة عليهم السلام وبما نعتقده من إمامة سائر آبائنا عليهم السلام وأن طريقها الدعوة.
ونحن نذكر أن الدعوة طريق لإمامة آبائنا من بعد الأئمة عليهم السلام وندخل في أبنائه إن شاء الله تعالى.
الكلام في سائر المخالفين في طريقة الإمامة على وجه يليق بهذا الموضع من الإيجاز، فنقول: إن الكلام في ذلك يقع في ثلاثة مواضع:
أولها في المنصب: ومعناه أن الإمامة لا تجوز إلا فيمن كان أبوه من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام.
وثانيها: إن الدعوة طريق الإمامة.
وثالثها: الشروط المعتبرة في الإمام وهي: العلم، والورع، والفضل، والشجاعة، والسخاء، والقوة على تدبير الأمر؛ أما الذي يدل على الأول فإجماع الأمة على جوازها فيهم واختلافها فيمن سواهم بعد بطلان النص على أعيان الأئمة الذي تقول به الإمامية، والإجماع حجة ولا دليل على خلافه.
أما أن الأمة أجمعت على ذلك فلأن المعترض للمنصب افترقوا على ثلاثة أقوال: الخوارج، والمعتزلة، والزيدية.
فقال الخوارج: الإمامة جائزة في [جميع] الناس وهذا باطل؛ لأن الإمامة أمر شرعي لا مجال للعقل فيها، من حيث أنها تقتضي أموراً ضارة ينفر العقل منها، مثل: القتل، وأخذ الأموال طوعا وكرهاً وصرفها في مستحقها [والحدود] وما شاكل ذلك، وليس في الشرع ما يدل على جوازها في الناس كلهم، وبذلك يبطل قول من يدعي طريقها الإرث والقهر والغلبة؛ لأن لا طريق في الشرع يقتضي ذلك، فما لم تدل دلالة شرعية عليها بيقت على حكم الأصل، وهو المنع من التصرف على الناس في أمور تضرهم.
وقالت المعتزلة بجوازها في قريش وحدهم، وسنتكلم عليهم فيما تفردوا به إن شاء الله تعالى.(1/323)


وقالت الزيدية: إنها جائزة في ولد الحسن والحسين - عليهما السلام - دون غيرهم، فمن أجازها في كل الناس فقد أجازها في ولد الحسن والحسين؛ إذ هم من الناس بل من خيرهم، ومن أجازها في قريش فقد أجازها في ولد الحسن والحسين؛إذ هم من قريش بل من خيرهم، ومن أجازها في ولد الحسن والحسين فقد حصل له الإجماع على ذلك.
وقلنا بعد بطلان قول أصحاب النص وهم الإمامية فإنهم لا يعتبرون منصباً مخصوصاً، وإنما يعولون على النص، فمن وجد فيه فهو إمام ولو كان من أي الناس كان ولو أغلق بابه وأرخى ستره.
والدليل على بطلان ما ادعوه من النص الذي هذا حاله أنه لو كان صحيحاً لكان معلوماً للأمة؛ لأن فرض الإمامة عام كعموم الصلاة والصوم والحج، ومعلوم أنه ليس بمعلوم للجميع، فبطلت دعوى ثبوته؛ إذ لو جوّزناه لقدح في سائر أركان الدين من صلاة وصوم وحج وغير ذلك على ما هو مبسوط في مواضعه.
وأما بطلان قول المعتزلة فسيأتي إن شاء الله تعالى، وأما أن إجماع الأمة حجة، فلقوله تعالى: ?وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا?[النساء:115]، فالله تعالى توعد من خالف سبيل المؤمنين كما توعد من شاق الرسول، فكما أنها تجب متابعة الرسول وتحرم مشاقته فكذلك المؤمنين.
قلنا: يعني أن إجماعهم حجة إلا أن متابعتهم واجبة ومشاقتهم قبيحة.
وأما أنه لا دليل على خلاف ما اعتمدنا عليه فما قدمنا من أن الإمامة أمر شرعي وليس في الشرع ما يدل على خلاف ما ذكرنا.
أما الإرث والقهر والغلبة وجزاء العمل فقد قدمنا منه طرفاً.(1/324)


وأما العقد والاختيار كما تقوله المعتزلة فهو بناء على الإجماع من الصحابة على إمامة أبي بكر وهو باطل فإنه ما وقع هناك إجماع، بل الخلاف واقع من أول الأمر إلى آخره؛ ولأن دعواهم الإجماع إما أن يحصل عن طريق أو لا، فإن كان لا عن طريق كانت فاسدة، وإن كان إجماعهم عن طريق فهل هي عقلية أو شرعية؟ وبطل أن تكون عقلية لما قدمنا ولأنهم لا يقولون بذلك؛ وإن كانت شرعية فليست إلا من الكتاب أو السنة، ولا شك أنه ليس فيهما ما يدل على كون العقد طريقاً للإمامة فبطل ما ادعوه على الصحابة [إذا] كان في ذلك إجماعهم بغير دلالة عقلية ولا شرعية وذلك لا يجوز عليهم.
وأما أن الدعوة طريق ثبوت الإمامة، فاعلم أن معنى الدعوة هو التجرد للقيام بالأمر، والعزم عليه، وتوطين النفس على احتمال أثقاله، ومباينة الظالمين، ولا خلاف بين الأمة في أن الإمام يجب كونه على هذه الصفات بعد بطلان قول الإمامية، ولا دليل على كون غيرها طريقاً إلى الإمامة؛ فلو بطلت الدعوة لخرج الحق عن أيدي الأمة وصار كل فريق منهم يقول: هو باطل، وذلك ينقض كون إجماع الأمة حجة وذلك فاسد.
وأما كلام من اعترض هذه الطريق من المعتزلة وغيرهم، فإنه لا يصح أن يدعو إلى نفسه إلا بعد كونه إماماً .
والجواب عنه: [إنه] قد بينا معنى الدعوة، وأنه التجرد للقيام بالأمر والعزم عليه وتوطين النفس على احتمال أثقاله، ومباينة الظالمين، فمتى حصل على هذه الأمور وكان من المنصب الشريف مع كمال الخصال التي تقدمت، ثم دعا الناس إلى نفسه والمعاونة على طاعة الله عزَّ وجلَّ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة قناة الدين لزمتهم إجابته، ووجب عليهم طاعته؛ فمعنى الدعوة خلاف الدعاء إلى نفسه كما قدمنا وهو واضح لمن تأمله بعين الإنصاف والحمد لله.
وأما الكلام على اعتبار الشروط فقد دخل في أثناء كلامنا.(1/325)


[ أحكام المخالفين في الإمامة ]
وأما الفصل الرابع والكلام في أحكام المخالفين في الإمامة
فاعلم أنها متى صحت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بما قدمنا فالمخالف في ذلك إنما يكون كافراً أو فاسقاً أو مخطئاً، وهي الأمور الثلاثة قد كانت ثابتة في أمره عليه السلام.
أما الكفر فقد أجمع أهل البيت عليهم السلام على كفر معاوية ويزيد - لعنهما الله تعالى - وهو مذهب عامة المعتزلة؛ لأن معاوية وضع الجبر في هذه الأمة وقال به، واستخلف زياداً، وقد قال ً: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) والخبر مشهور بمنزلة إنكار الشريعة.
وكذلك قتله لعمار بن ياسر، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك صاع من لبن)) والخبر لا إشكال فيه، وتعليل معاوية بأن علياً عليه السلام قتل عماراً لأنه الذي حمله على أسياف أهل الشام، يلزمه أن يكون النبيً قتل عمه حمزة حين حمله إلى أحد، وذلك من العظام.
وكذلك فوضعه اللعن لأمير المؤمنين عليه السلام على المنابر حين سأله ابن عباس أن يمسك عنه، فقال معاوية لعنه الله : والله لا أمسك عن سبه وثلبه حتى ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، فإذا ترك قيل: ترك السنة، ولم يزل ذلك إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز.
ومن ذلك قتله لحجر بن عدي في عشرة من الصحابة لامتناعهم عن لعن علي عليه السلام.
وكذلك أخذ البيعة ليزيد لعنهما الله وهو مشهور بشرب الخمور وارتكاب الشرور إلى غير ذلك.
وأما الفسق: فاعلم أن الخارج على أمير المؤمنين بعد صحة إمامته فاسق، فكيف بمن حاربه وبغى عليه، وهذه حالة الخوارج وطلحة والزبير وعائشة ومن جرى مجراهم، فمن صحت توبته فقبولها إلى الله تعالى، ومن مات على حاله كان من الهالكين.(1/326)


وأما التخطئة فهي لازمة لكل من قصّر في النظر في الأدلة الدالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لأن الواجب كل الإمعان في ذلك، وهذا بناءً على أن النصوص على إمامته عليه السلام نصوص طريق معرفتها الاستدلال، وليست بصريحة بحيث لا يخفى المراد على السامعين لها؛ لأن الأمر لو كان كذلك لكان المنكر لإمامته والساكت عن النكير والعاقد والمعقود له كفاراً، لخلافهم للنص الظاهر المعلوم كما في المنكر لسائر النصوص المعلوم.
ومعلوم أن الأمر كان بخلاف ذلك كماقدمنا عند الكلام على الإمامية، وقلنا: لا نحكم على من أخطأ بالتقصير في الأدلة التي هذه حالها بكفر ولا فسق؛ لأن الكفر والفسق لا يثبتان إلا بدلالة قاطعة من عقل أو نقل، وذلك مفقود هاهنا؛ إذ المرجع بحكم الكافر والفاسق إلى أن عقاب معصيتهما أحبط ثواب ما فعلاه من الطاعات، وذلك مما لا نعلم إلا توقيفاً، ولو علمنا ذلك بكتاب أو سنة لكناَّ أول من يجري عليهم ما يستحقونه من الأحكام، فعلي عليه السلام والدنا، والحق حقنا لكنا عملنا بمقتضى الأدلة، ووقفنا حيث أوقفنا الدليل فلا مغمز علينا في ذلك، وقد بطل الطرفان وهما: القول بتكفير من أنكر إمامته عليه السلام بالنص، والقول بإصابة من تولى الأمر عليه واستأثر بما كان أولى به منه لنص الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ولزمنا ما يقتضيه الدين القويم، فكلا طرفي الأمور ذميم.
وقد أثبتنا بجمل متى تدبرها من له بصيرة وإنصاف، بلغته إلى اعتقاد الحق وهجر الخلاف، وكان ذلك مع ما يعرض من الأشغال، ومن الله نستمد التوفيق في كافة الأحوال، والسلام عليكم وكافة الإخوان بواحتكم.(1/327)

65 / 92
ع
En
A+
A-