مسألة [ هل لأهل الجنة رغبة إلى الشهوات ]
في أهل الجنة هل الدواعي متوفرة لهم إلى الطعام والشراب والنكاح وغيره، قال: فإن كانت الدواعي باقية وجازت عليهم كان هناك شيء من الألم والمضرة، قال: وإن لم يجز عليهم فكيف يلتذون بغير داعٍ؟.
الجواب عن ذلك: إن الدواعي في الآخرة أقوى منها في الدنيا إلى جميع المشتهيات والملاذ، ولولا ذلك لما كملت اللذة، ولا تمت النعمة، ولا يلحقهم ألم ولا مشقة؛ لأن المشقة إنما تلحق من دعاه الداعي ولم يجد مشتهاه أو لم يتمكن من نيله، فأما مع وجدانه والتمكن منه فإن ذلك أتمّ اللذة وأكمل النعمة، وذلك معلوم ظاهر لمن يريده.(1/318)


[ مسائل القرطاسين ]
وأما مسائل القرطاسين فمتشعبة منتشرة، ولعل ما يحتويان عليه يتحصل في أربعة فصول، وإن كان يدخل بعض الفصول في بعض.
الفصل الأول: الكلام في طريق الإمامة.
الفصل الثاني: في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه في ذلك.
الفصل الثالث: في إبطال سائر ما يدعى طريقاً لها سوى ما نذهب إليه.
الفصل الرابع: الكلام في أحكام المخالفين ومنازلهم، وبذلك نرجو تمام الغرض بالجواب إن شاء الله تعالى.(1/319)


[ الكلام في طريق الإمامة ]
أما الفصل الأول: فاعلم أن الخلاف في الصدر الأول وقع في طريق الإمامة فقال قوم: طريقها النصّ من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذه طريقتنا ومن وافقنا من الإمامية وإن خالفوا في كيفية وقوع النص في ذلك على ما تجده مشروحاً إن شاء الله تعالى، وقال آخرون: طريقها العقد والاختيار، وهذه طريقة المعتزلة ومن قال بقولها، ثم حدث بعد ذلك تفاصيل.
وأما بعد الصدر الأول فاعلم أن رأينا أن طريق الإمامة بعد الأئمة الثلاثة الذين هم: أمير المؤمنين، والحسن، والحسين عليهم السلام هي الدعوة والخروج مع كمال الخصال المعتبرة في ذلك، عند جمهور المعتزلة طريقها العقد والاختيار أولاً وآخراً مع أنهم ما خالفونا في إمامة أحد من آبائنا على كافتهم السلام لكن ادعوا ثبوتها بالاختيار، وإن كان قد وقع العقد لكثير منهم عليهم السلام على وجه التأكيد وإن كان ما ذكرنا هو الأصل في ذلك.
وذهبت الخوارج ومن قال بقولها إلى أن طريق الإمامة الصلاح في الدين وأنها جزاء على العمل.
وذهبت الحشوية ومن رأى برأيها أن طريقها القهر والغلبة.
وذهب من [أراد] طلب التفرقة بين أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنها تستحق بالإرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليروم بذلك ثبوتها لولد العباس - رضي الله عنه - فهذا بزعمه ما يتحصل من ذكر الخلاف في المسألة، ولم يتعرض لمذهب الإمامية مع أنهم يقولون: [إن] طريقها النص الجلي في الأئمة الثلاثة، وفيهم من يدعي ذلك النص أيضاً في تمام اثني عشر من أولاد الحسين عليه السلام.
ومنهم من يتوخى [طريقاً أخرى] لكن ما يبطل عليهم به أن النص الجلي لم يرد، يأتي على سائر ما يدعونه في ذلك أولاً [وآخراً]، والله ولي التوفيق.(1/320)


[ الكلام في صحة ما نذهب إليه في الإمامة ]
وأما الفصل الثاني: وهو الكلام في صحة ما نذهب إليه من ذلك فاعلم أنا نذكر هاهنا الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وولديه عليهما السلام ولنا في ذلك طرق، ونقتصر منها على ما لا بد منه، فمن ذلك قوله تعالى: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?[المائدة:55]، وهو عليه السلام المراد بقوله: ?الذين آمنوا? بإجماع العترة على ذلك، وعلى أنه الذي آتى الزكاة راكعاً واستفاض بذلك الخبر، ونحن نرويه بالإسناد الصحيح، فأثبت الله تعالى له الولاء على الكافة كما أثبتها لنفسه ولرسوله عليه السلام وهي ملك التصرف فيهم والرئاسة عليهم، كما يقال: هذا ولي المرأة واليتيم والدار الذي تملك التصرف فيه، وكذلك ولي العبد والأمة وذلك ظاهر في اللغة من معنى هذه اللفظة، وإجماع أهل البيت حجة لقوله تعالى: ?مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ?[الحج:78]، وهو سبحانه لا يختار للشهادة من يعلم إجماعهم على ضلالة، وقد خرج سائر ولد إبراهيم من هذا الظاهر الإجماع وبقي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم [داخلين] تحته، وإلا عري اللفظ عن الفائدة وذلك لا يجوز، فثبت بذلك كله أنه عليه السلام هو الإمام، وكذلك قوله ً: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) بعد قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه)) [ومولى] تستعمل بمعنى أولى وهو أحد حقائقه، قال الله تعالى: ?مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ?[الحديد:15] معناه هي أولى بكم، فيكون عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما كان ذلك للنبيً وقد روي ذلك بالإسناد عن الصادق(1/321)


جعفر بن محمد عليهما السلام وقد سئل عن معنى الخبر؟ فقال عليه السلام: سئل عنها والله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه)) وهذا نص كما ترى فيما ذكرناه وذلك يفيد الإمامة فثبتت إمامته بذلك، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام في مواطن عدة: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) فأثبت له جميع منازل هارون من موسى إلا النبوة، ومن منازل هارون من موسى - عليهما السلام - استحقاق الخلافة لقوله تعالى: ?وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ?[الأعراف:142]، والإجماع على أنه لو بقي بعده لكان أحق الخلق بالتصرف في أمته، ومن منازله منه الشركة في الأمر وشد الأزر لقوله تعالى حكاية عن موسى: ?وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي?[طه:29-31]، فأجاب الله سبحانه سؤاله فقال: ?قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى?[طه:36]، ولا شك أن الخلافة في الحياة وبعد الوفاة وشركه في الأمر وشد الأزر تفيد الإمامة وزائداً عليها فثبت بذلك إمامته عليه السلام.
وهذه جمل متى وقف عليها من له عهد بالاستدلال أمكنه تفصيلها، والله الموفق للصواب.
وأما إمامة الحسن والحسين عليهما السلام فثابتة أيضاً، لقول النبيً: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما)) وفي هذا نصّ صريح بإمامتهما وأنهما أولى بالأمر من كل من قام في وقت صلاحيتهما للقيام بالأمر، وفيه تنبيه على إمامة أبيهما عليه وعليهما السلام لأن غير الإمام ممن ليس بنبي لا يكون خيرا من الإمام، فثبتت إمامتهم عليهم السلام .(1/322)

64 / 92
ع
En
A+
A-