مسألة [ إسقاط التوبة للعقاب ]
قال أيده الله: جرت المراجعة في مسألة إسقاط التوبة للعقاب هل تسقط بنفسها أو بثوابها؟.
قلنا: بل بنفسها إذ لو كانت بثوابها أدى إلى [أن] يكون ثواب توبة المشرك أعظم من ثواب الأنبياء من حيث أن ثواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسقط بعقاب شركه؛ وعقاب شركه يسقط بثواب التوبة فيجب أن يكون أكثر منه أو يتساويا، قال المعترض: إنما يلزم لو كان عقاب شرك النبي مثل عقاب شرك غيره، فأما وقد علمنا أن النبي لو وقع منه الشرك كان عقابه يزيد على عقاب شرك غيره ممن ليس بنبي أضعافاً مضاعفة لعظم موقع معصيته وكذلك طاعاته.
الجواب عن ذلك: إن التوبة تسقط الذنوب بنفسها ويبقى ثواب فعلها فضلة عليها فلا يتوجه السؤال.
وأما قول المعترض: إن عقاب معصية النبي تضاعف أضعافاً كثيرة [فلو] وقفنا ذلك على دليل العقل لقضينا بأن عقاب شركه ومعصيته تكون أخف حكماً من معصية غيره؛ لأن من عصى عقيب طاعات كثيرة أهون في العقل موقعاً ممن أساء بلا سابقة إحسان له، وإنما ورد أن مضاعفة الثواب والعقاب لأهل الفضل والشرف كما ورد في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ولا نعلم من الحسنات كبيرة إلا التوبة؛ والكبيرة يشترك في حكمها الأنبياء عليهم السلام وغيرهم من الطاعة والمعصية، فاعلم ذلك، على قدر الاشتغال في الخاطر.(1/313)
مسألة [ في تائب لا يقف عن الفكر في المعصية ]
عن التائب الذي لا ينتزع من قلبه تصور المعصية والفكر فيها إلا أنه قد أضرب عنها وألزم نفسه ألا يعاود إليها؟.
الجواب عن ذلك: أمر لا يتمكن المكلف من دفعه عن النفس لا يتعلق به التكليف بل يسقط حكمه عن العبد؛ لأن الله سبحانه إنما كلَّف العبد ما يمكنه دون ما لا يمكنه، ولولا تلك الخواطر لما صحَّ التكليف، لأنها الأصل في مشقة الترك، ولولا تردد الداعي إلى الفعل لم يكن في الترك ثواب، ولكن هجر المعاصي طاعة كما أنه لا ثواب لنا في هجر ما تكرهه نفوسنا، وإنما تصح توبته بالاستمرار على الامتناع من القبيح ومنع النفس عن ذلك، ولا يكون لما يتردد في القلب حكم إن لم يمكنه دفعه.(1/314)
مسألة [ فيمن تاب وعليه حقوق ]
فيمن تاب وعليه دين للخالق والمخلوقين من دماء وأموال، وكان قبل وفاته أو في خلالها قد تاب وأصلح وعلم منه المولى تبارك وتعالى أن لا مرجع إلى ما تاب عنه، ولا مال له فيقضي، ولا يوصي بالقضاء فيه، غير أن الأرض داثرة لا تحرث كيف الحديث فيه وفي خلاصة؟.
الجواب عن ذلك: إنه إذا تاب وعلم الله تعالى صدق توبته غفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته، فإن كان لا مال له ولم يجد ما يقضي قضى الله سبحانه عنه يوم القيامة من أعواضه المستحق على الله تعالى، يزيد المؤمن في نعمته ويسقط عن العاصي من عقابه ويقدر ما استحق على صاحبه، والله تعالى يعلم قدر ذلك.(1/315)
مسألة [ فيمن يستحق الشفاعة ]
في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن هي من الخلق، هل لأهل النار المستحقين، [أم لأهل التقصير] أم لأهل الجنة يزدادوا نعماً إلى نعمهم وشرفاً إلى شرفهم؟.
الجواب: إن الشفاعة لا تكون لمن يستحق النار من الفسَّاق والكفَّار، لقوله تعالى: ?مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ?[غافر:18]، وهم ظالمون بالإجماع، وقد نفى الله سبحانه طاعة شفيعهم، فلا يجوز أن يشفع لهم النبي ً، إن أطيع أثبتنا ما أخبر الصادق سبحانه بنفيه وذلك لا يجوز، وإن لم يطع كان تصغيراً لمنزلته وذلك لا يجوز، ولا مخلص من ذلك إلا [القضاء] بأنه لا شفاعة لهم، وإنما تكون للمؤمنين ليزدادوا نعيماً إلى نعيمهم، كما يشفع إلى السلطان في الزيادة في رواتب الأمراء ورفعهم من منزلة إلى ما هو أعلى منها.(1/316)
مسألة [ فيمن عمل صالحاً ثم ختم عمره بكبيرة ]
فيمن نصف عمره أو ثلثه أو شيء منه بما يرضي الله تعالى، ثم عصى ومات على معصيته تلك، هل تدخله تلك المعصية نار جهنم ويحبط عمله في قادم عمره، [أو] هو مثاب على الحسن معاقب على القبيح؟.
الجواب عن ذلك: إن الأعمال بخواتمها، فإن ختم عمله بالتوبة هدمت ما تقدم وإن كافراً، وإن ختمه بكبائر المعاصي أسقطت ما قبلها، على أنه لا بد من الحساب بالحسن والقبيح، ولكن الكبيرة من الحسنات -ولا نعلمها إلا التوبة- تستغرق أجزاؤها أجزاء المعصية ويبقى منها فضلة، وكذلك الكبيرة من المعاصي تستغرق أجزاؤها الطاعة وتبقى فضلة.(1/317)