هذه مسائل متفرقة مما سئل عنه عليه السلام وجوابها
[ معنى وصف الله بالعالم ]
سألت أيدك الله تعالى عن معنى وصفنا الله تعالى بأنه عالم واختلاف الناس في ذلك.
اعلم أن من الناس من قال: إنه تعالى عالم بعلم، ومنهم من نفى ذلك عن الله تعالى وقال: بل هو العالم لذاته، ومن قال: إنه عالم بعلم اختلفوا.
فمنهم من قال: علمه ذاته، ومنهم من قال: هو عالم بعلم قديم كما يقوله الصفاتية من الكلابية والأشعرية، ومنهم من قال: إنه عالم بعلم محدث كما تقوله الكرامية، ولا بد من إبطال ما ذهب إليه المخالفون ثم ينتهي الدليل إلى ما ذهبنا إليه.
المذهب: أنه تعالى لا يجوز أن يكون عالماً بعلم؛ لأنه [كان] لا يخلو ذلك العلم إما أن يكون هو أو غيره، باطل أن يكون هو لاستحالة أن يكون الواحد أشياء كثيرة، لأن ما لزم في العلم لزم في سائر الصفات من الحياة والقدرة والقدم، ولأنك تقول فينبني [عن] ذات وصفة وتقول: علمه ذاته، فلا يكون الذات بأن تكون الموصوفة والعلم الصفة أولى من أن يكون العلم الموصوف، والذات الصفة، ولا تميز الصفة عن الموصوف، وذلك لا يجوز، ولأن دليل العلم غير دليل القدرة، ودليل القدرة غير دليل الحياة، ودليل الحياة غير دليل [القدم]، فلو كانت هذه الصفات هي الموصوف لما اختلف الدليل ولكان ما أوصل العلم به من الدلالة يوصل إلى سائر الصفات ومعلوم خلافه.(1/298)


وما يؤخذ من إطلاق الأئمة عليهم السلام من أن علمه ذاته، فمعناه أنه عالم لذاته ولا شيء سواه لأجله استحق كونه عالماً، ولا يجوز غير ذلك؛ لأن النصارى لم تثلث إلا بإثباتها لذاتٍ وصفتين، الصفتان الذات في قولها والذات الصفتان، فقالت الباري -تعالى عن ذلك- ثلاثة أقانيم: أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، فعبروا بأقنوم الأب عن ذات الباري تعالى، وأقنوم الابن عن العلم، وأقنوم روح القدس عن الحياة، وقالوا: هو واحد على الحقيقة وثلاثة على الحقيقة، فقال تعالى : ?لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ?[المائدة:73]، فمن جعل لله صفات هي هو زاد على مقالة النصارى كما ترى فالخطر عظيم .(1/299)


قلنا: ولا يقال في الباري تعالى: إنه عالم بعلم، لأن ذلك لا يخلو إما أن يكون موجوداً أو معدوماً ولا يجوز أن يكون عالماً بعلم معدوم؛ لأن العدم مقطعة الاختصاص، فلو أوجب له العلم لأوجب لنا، ومعلوم خلافه، ولا يجوز أن يكون عالماً بعلم موجود، لأنه كان لا يخلو إما أن يكون لوجوده أول، أو لا أول لوجوده؛ فإن كان لا أول لوجوده فهو القديم ولا قديم سوى الله تعالى، لأنه كان يكون مثلاً لله تعالى ولا مثل له على ما ذلك مقرر في مسألة واحدة، ولا يجوز أن يكون عالماً بعلم محدث؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون أحدثه، وإحداث العلم لا يصح من غير العالم لأنه من قبل الفعل المحكم، فكان يستغني بالعلم الذي يصح به حدوث العلم عن إحداث علم به يعلم، ولا يصح إحداثه من غير فعل؛ لأن غيره لا يكون إلا من فعله تعالى ويكون محكماً، ولا يصح الفعل المحكم إلا من العالم فكان يستغني بذلك عن إحداث عالم محدث له علماً، ولأن إحداث العلم في الغير مستحيل، لأن من سواه تعالى قادر بقدرة، والقادر بقدرة لا يقدر على إحداث العلم في غيره، لأنه لا يفعل في غيره إلا بالاعتماد، والاعتماد لا يولد العلم، فبطل أن يكون عالماً بعلم محدث، وبطل أن يكون عالماً بعلم قديم.(1/300)


ومذهبنا أنه تعالى عالم لذاته، والدليل على ذلك أنه لا يخلو إما أن يكون عالماً أو غير عالم، باطل أن يكون غير عالم، لأن الأفعال قد صحت منه تعالى محكمة، والأفعال لا توجد محكمة إلا من عالم، وإذا كان عالماً فلا يخلو إما أن يكون عالماً بعلم أو عالماً لذاته، لا يجوز أن يكون عالماً بعلم، كما قدمنا من أنه كان لا يخلو إما أن يكون موجوداً أو معدوماً؛ والموجود لا يخلو إما أن يكون محدثاً أو قديماً، والأقسام كلها باطلة، فلم يبق إلا أنه عالم لذاته تعالى، ومعنى ذلك أن ذاته الموجبة لكونه عالماً ولسائر صفاته تعالى من دون معاني، كما نقول في الواحد مناّ: إنه عالم بعلم وحي بحياة، ولولا ذلك لما كان حياً عالماً .
فهذه الصفات ثابتة فينا لمعاني، وثابتة في الباري تعالى لذاته، ولذلك وجب كونه عالماً بجميع المعلومات، ما كان، وما يكون وما لم يكن كيف كان يكون، وما كان لو لم يكن كيف كان يكون، لأن ذاته مع المعلومات على سواء، فلا يخلو إما أن يعلمها لذاته أولا يعلمها؛ لأنه قد صحَّ كونه عالماً بوجود الفعل المحكم من قبله، والفعل المحكم لا يوجد إلا من عالم، وباطل أن يعلم البعض دون البعض لفقد المخصص، لأناَّ إنما علمنا شيئاً دون شيء لأناَّ عالمون بعلم فلا يتعلق العلم إلا بمعلوم على الوجه الذي يصح به.
فإن سأل وقال: هل لله علم أو ليس له علم ؟
قلنا: إن أردت أن له معلوم فهو عالم بجميع المعلومات وذلك شائع في اللغة، يقال: علم أهل البيت عليهم السلام وعلم أبي حنيفة، وعلم الشافعي معناه معلومهم، وإن أردت علماً به يعلم ولولا هو لما علم، فذلك لا يجوز على الله تعالى لما قدمنا، بل العالم لذاته الغني عن كل ذات .(1/301)


وأما قولهم: هل العلم شيء أو غير شيء فهذا فرع على أنه تعالى عالم بعلم، وقد بينَّا بطلانه؛ لأن الشيء هو ما يصح العلم به والخبر عنه وإن انفرد، والله تعالى أجل الأشياء، والعلم صفة من صفاته لا يصح العلم بها منفردة، وإنما نعلم الباري تعالى على ما هو عليه من الصفات، والعلم بها ينبي على العلم به ولا [يصح] العلم بالصفة دون الموصوف.(1/302)

60 / 92
ع
En
A+
A-