كلمة شكر
أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل الأخوة الذين أسهموا معي في تصحيح ومراجعة هذا العمل، وعلى رأسهم الأخوة في مؤسسة الإمام زيد بن علي -عليه السلام- التي تقوم بتمويل وطباعة هذا الكتاب وغيره.
وأخص بالشكر عبد الله ومحمد عبد السلام عباس الوجيه والأخ خالد قاسم المتوكل والأستاذ الفاضل أحمد بن محمد عباس إسحاق لما بذلوه من جهود في المقابلة والتصحيح والإشراف على طباعة هذا الكتاب.
عبد السلام عباس الوجيه(1/21)
الرسالة الهادية بالأدلة البادية في تبيين أحكام أهل الردة
تأليف الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين
عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين.
الحمد لله الذي جعل الحمد إلى مزيد إحسانه سُلَّماً، ونصب على كل نوع من أنواعه علَماً، [استودع معالم دينه الذرية العلماء] وسخر بحار شرعه بعلوم السلالة الحكماء، وجعلهم في الأرض بمنزلة الكواكب في السماء، يستضاء بأنوار علومهم في ظلمات الخطوب الحوادث، ويدفع بسورات حلومهم سطوات النوب الكوارث، وصلى الله على محمد المستخرًج من صفو خلاصة زيت الشجرة الإبراهيمية، المصطفى من أغصان سامي فروع الدوحة الإسماعيلية، المفضل على جميع البرية، المؤيد بالبراهين الجلية، وعلى ذريته الطاهرة الزكية، والسلالة المرضية - الذين جعلهم الحكيم سبحانه بين الحق والباطل فرقاناً، وأنزل بوجوب مودتهم على جميع العباد قرآنا؛ فقال تبارك وتعالى: ?قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[الشورى: 23]؛ فروينا من طرق كثيرة بالأسانيد الصحيحة، منها ما يتصل إلى عبد الله بن العباس رحمه الله وإلى غيره، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل: من قرابتك الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: ((فاطمة وولداها))، وروينا عن النبيً أنه قال: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ر كبها نجا ومن تخلف عنها هلك)) فكما أن أمة نوح كلها هلكت إلا من ركب السفينة -كذلك هذه الأمة- إلا من تمسك بالعترة وإلا بطل التمثيل النبوي، المأخوذ عن الملك العلي، وميز (حديث الكساء) من المقصود بذلك من قرابته، من الرجال والنساء، رويناه بأسانيد كثيرة إلى رجال ونساء من الصحابة عدة، يختلف بعض الألفاظ ويتفق الكل على المعنى أن النبيً دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام ولفهم تحت الكساء وقال: ((اللهم هؤلاء عترتي أهل بيتي فأذهب عنهم(1/22)
الرجس وطهرهم تطهيرا)).
وروينا بالإسناد الموثوق به إلى أبينا علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: أيها الناس، اعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم فأين يتاه بكم عن أمرٍ تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم النبيين حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) ؛ فقرنهم بالكتاب، وجعلهم حجة مثله على جميع المكلفين، وحكمه يدور في النفي والإثبات على ثلاثة أنواع، وإن كانت فصوله كثيرة شرفه الله تعالى وعظمه: محكم، ومتشابه، ومنسوخ، لأن الناسخ من نوع المحكم؛ فالواجب الرجوع إلى المحكم، واطراح معنى المنسوخ، وكذلك الذرية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أئمة سابقون يجب الرجوع إليهم، وتابعهم منهم، يقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام: ?فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي?[إبراهيم:36]، ومجاهرون بالمعاصي بمنزلة المنسوخ من كتاب الله تعالى يجب اطراح معناه، ومتمسكون بأديان أهل الضلالة مع ثبوت انتسابهم إلى الذرية الزكية فهم بمنزلة المتشابه من كتاب الله تعالى لا يتبعه إلا الذين في قلوبهم زيغ [كما قال تعالى: ?فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ] فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ?[آل عمران:7] [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ] هم المستحفظون من ذرية محمدً.(1/23)
[ بدء الكلام على المطرفية ]
ولما نجم ناجم الفرقة الملعونة، المرتدة المفتونة، الضالة الغوية، المسماة بالمطرفية، وجعلت شعارها إنكار دينها لترحض درن الكفر برجس ماء الكذب، وحاكمناهم إلى الله تعالى فحكم لنا عليهم، أنفذنا فيهم أحكام الله تعالى في أمثالهم من الكفرة، ?سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً?[الأحزاب:62] ?وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً?[فاطر:43]، من قتل المقاتلة، وسبي الذرية، قال تعالى: ?أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ?[القمر:43] فلما كان ذلك كذلك انتشروا في الآفاق مكذبين، وبخيل محالهم ورجل ضلالهم مجلبين، فساروا بين ذلك مذبذبين، وحكوا حكايات مستحيلة، جرت بها عادتهم على مرور الدهور الطويلة، فإنهم قد ناظرونا مراراً كثيرة على وجوب الكذب لدفع الضرر، وقالوا لنا: ما ترون في رجل يمر به رجل مسلم ثم يتبعه عدوه فيسأله عنه أليس يجب الكذب لإنكاره ليسلم من سطوة عدوه؟ قلنا: بل يَتَأوَّلُ ويَصْدقُ ويسلَمَ الرجل فيقول: ما رأيته وينوي مذ رأيتكم، ويقسم على ذلك وهو صادق، ولولا ذلك لما قال النبي عليه السلام: ((إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب)).
ولما وضع أهل العلم في ذلك أوضاعاً كثيرة سموها (الملاحن) كابن دريد وغيره قال: يقول: والله ما شكوت فلاناً. معناه: حملته شكوة ويقول: والله ما رأيته -معناه ما ضربت ريته- والله ما كلَمته -معناه ما جرحته لأن المُكْلَم المجروح، والكُلْمُ هو الجرح- والله ما رأيت علياًّ وأنت تريد الفرس، والله ما رأيت جعفراً وأنت تريد النهر، إلى غير ذلك.(1/24)
فلو اعتمدوا ما ذهبت إليه الفرقة الملعونة لم يفتقروا إلى هذا التطويل. والرواية عن جعفر بن محمد عليهما السلام: أن رجلاً طلبه في داره وكان عليه السلام يكره لقاءه فقال لجاريته: انزلي حتى تقفي إزاء الباب، ثم خطي خطاً مستديرا ثم ضعي أصبعك فيه ثم قولي: ليس سيدي هاهنا.(1/25)