واصنعوا، وحذرهم من معرة جيشه وهم رعية، وقال فيه: وأنا أبرأ من معرة الجيش إلا من جوعة إلى شبعة، وفي رواية أخرى: إلا من شبعة المضطر. فهذا كما ترى توسع؛ لأنها لو كانت محظورة لأدخلها في التبري ولم يخرجها بالاستثناء.
وأما ما سألت عنه من سير الأئمة عليهم السلام فأصولهم في أقوالهم ما فعله أو قاله أو أقر عليه النبي والوصي صلوات الله عليهما وعلى الطيبين من آلهما فقد بينا ما جاء عنهما في ذلك فتأمل ما قلنا بعين الفكر تصب رشدك إن شاء الله تعالى.(1/178)


[ حكم الخوارج ]
وسألت: عن الخوارج هل يكونوا كفاراً مع اعتقادهم كفر علي عليه السلام أم لا؟ فإن كفروا فما الحجة؟ أو لا فما المانع؟
الكلام في ذلك: إن علياً عليه السلام المتولي لحرب القوم والفعل والقول فيهم مأخوذ عنه، وهو معصوم، وقد سئل عنهم: أكفارٌ هم؟ فقال: من الكفر هربوا. قيل: أمؤمنون هم؟ قال: لو كانوا مؤمنين ما حاربناهم. قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخواننا بالأمس بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى أمر الله.
فلولا قوله هذا لقضينا بكفرهم فلا يحكم بكفر سلفهم والحال هذه، ومن يعينه عسكرهم على أهاليهم ونسائهم؛ لأنهم كانوا معه في الكوفة، وإنما انفصلوا من عسكره وهو صادر إلى الشام لحرب معاوية.
وأما من اتصلنا به في بلادنا هذه من الخوارج فقد صار رأي القوم رأي المجبرة في الأفعال والإرادة وسائر الصفات، فهم يكفرون بذلك لا غير، فإن تابوا عنه كان حكمهم ما قدمنا.(1/179)


[ خراب دور بني محمد ]
وسألت: ما الحجة على جواز خراب دور بني محمد بروحان وبيعها بمال بني همام وقد أقبل الكل وتاب وامتثل المراسم؟
الكلام في ذلك : إن الدليل على خراب منازلهم كفرهم بالله تعالى وكون دارهم دار حرب يجوز تحريقها وهدمها وتغريقها، وأصحابهم حكمهم كحكمهم ولكن لا يمنع الشرع من صلح بعض الكافرين وحرب الفريق الآخر، وقد فعل ذلك رسول اللهً صالح بني مدلج وسواهم من العرب، وحارب قريش وسالمهم في بعض الحالات.
فأما القوم فلا صحة لتوبتهم، وكيف تصح توبتهم والكفار بين أظهرهم من المطرفية الكفرة الأشرار الذين بدلوا نعمة الله كفراً، وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار، ابن برية وأصحابه ساكنون في الجهة إلى تصدير كتابنا هذا في شهر شوال سنة عشر وستمائة، وعلى أن القوم عليهم من الحقوق الواجبة التي لا يجوز ترك المطالبة بها وتضمينها من أتلفها، وهي تستغرق أموالهم ومنازلهم، وللإمام أن يهدم كما فعل علي عليه السلام في دار جرير بن عبدالله البجلي، فإنه هدمها وسوابقه في الإسلام لا تنكر، ومجال حروب القادسية عليه وعلى قومه، وقال رسول الله ً: ((من خير ذي يمن)) فما عسى أن يكون بنو محمد روحان، وأين سوابقهم في الإيمان، ومن المراسم عليهم طرد المطرفية الأشرار فما نفوهم إلى الآن فأي توبة لهم، وأي صلاح لهم، وإنما هذه مسائل الأشرار الذين يريدون لبس الحق بالباطل، وتكدير سلسال الحق بزردي الباطل.(1/180)


[ حكم أخذ العقائب ]
وسألت وقلت: ما الحجة على أخذ العقايب الكبيرة من الناس في الخطايا، وربما اقتصر في ذلك على العقوبة من دون استيفاء حق الظالم على كماله، قال المعترض: العقايب التي في هجرهم يذكرونها لمن حل معهم، فإن اختار التزامها حل معهم وأكره بعد ذلك، وإن لم يختر لم يحل لهم .
الكلام في ذلك : إن العقوبة بالمال قد قدمنا عن علي عليه السلام أنه عاقب المحتكر بجملة ماله، وكان مالاً عظيماً ولا أكثر من جملة المال فكيف يستعظم ما سوى ذلك من نصف أو ثلث أو ربما اقتصر على العقوبة من دون استيفاء حق المظلوم.
والكلام في ذلك: إن هذا لا يجوز ولا علمنا وقوعه، فإن كان على هذه الصورة فما وجه الاعتراض في السيرة النبوية، فقد يقع في الدولة النبوية من المعاصي ما هو أعظم من هذا ولا يعلمه، وكذلك كان في عصر النبيً وأيام علي عليه السلام تقع المعاصي العظيمة فما ظهر أجري فيه حكمه، وما غبي فأمره إلى الله تعالى.
وأما قوله: يُستوفى على كماله، والصلح جائز، وقد أصلح رسول اللهً على رجل بنصف ماله الذي ادعاه فما المانع من مثله في أيامنا.(1/181)


وأما انفصال المعترض عما يلزم الفرقة المرتدة الشقية، الضالة الغوية، المسماة بالمطرفية، في عقوبتهم للناس بالشرط قبل الحلول؛ فهذا انفصال من لا يعرف العلم ولا حدوده، ولا أدلته، ولا شهوده، وهل المحظور يجيزه الإذن فيه قاتلهم الله أنىَّ يؤفكون، فهل يعلم أهل المعرفة أن قول الإنسان لغيره: عاقبني إن فعلت كذا وكذا، ألا يجيز له أخذ ماله بالتزام هذا العقد، ومن المعلوم أن هذا الشرط لا يعمهم، وإن عمهم فالحكم فيه ما قلنا، ولأنه شرط في إلزام مجهول، ولو كان له نظير في الجواز لم يجز على هذه الصفة؛ لأنهم يطالبون بالضيفة وهي مجهولة، وكذلك المغارم لما ينوبهم في إثبات عشاش كفرهم التي سموها هجرا، وعقايب من يعاقبون أهون نوائبهم، وأصغر مصائبهم، ولو أن وجوههم كانت تندى عند مقابلة الأخيار، ما اعترضوا بهذا المقدار؛ لأن المعلوم من حالهم ضرورة لمن عاشرهم وخبرهم أن عشاش كفرهم فيها العقوبة، وفيها الحكم الشديد بالنفي من المنازل، وفيها هدم الدور، وفيها الإكراه على الضيفة بما لا يمكن إلا بشق الأنفس والدين، ومنها مغارم يجمعونها ويسلمونها للظلمة، وهذا وصايا باعوها واشتروا بها عسلا وموزا لوردسار مستمراً في مدة طويلة جملة مال، ومن المعلوم أنا قمنا غاضبين لله تعالى على حين فترة والحال حويل والمال مويل فقذفنا بنفوسنا في بحار الجنود، واستظللنا بخوافق البنود، في مقامات تشخص فيها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، فما بعنا شيئا من الوصايا، ولا خطر لنا في بال، ولا يخطر إن شاء الله تعالى، وكل وصية باعوها فإنا ننقض بيعها لكونه خلاف شرع الإسلام، وقبضوا الزكوات، والحقوق الواجبات، ودفعوها للظالمين مغارما، فما عاب ذلك منهم عائب، ولا شاب إيمانهم عندهم شائب، فلما فعلنا [بعض] ما فعلوه ولنا ولاية على الأمة عامة في النفوس والأموال، بحكم الكبير المتعال، عابوا وشابوا، وذهبوا في الطعن كل مذهب، هذا وهم يخضمون أموال الله خضم مسنات الإبل(1/182)

36 / 92
ع
En
A+
A-