[ سبي امرأة لا تعتقد اعتقادهم ]
وسألت: عن حكم المرأة التي تكون في المصانع من أهلها أو من سواهم وصادف في كونها هنالك، وهي تعتقد الحق ولا تحب المطرفية، ولا تعرف اعتقادهم هل يجوز سبيها؟
الكلام في ذلك: إن المرأة التي تكون من أهلها حكمها حكمهم؛ لأن الظاهر من حال نساء أهل البلاد أنها لا تخالفهم، وإن خالفت واحدة فإنما يكون نادراً ولا حكم للنادر، فإن علم من حالها أنها مخالفة للمطرفية في اعتقادهم فلا يخلو:
إما أن تكون متمكنة من الهرب أو غير متمكنة، فإن كانت متمكنة من الهرب ولم تهرب فحكمها حكمهم في الكفر ولا ينفعها اعتقادها للحق مع ذلك من جريان ظاهر الحكم عليها، وإن كانت من غير أهلها وجاءتهم مكرهة مغصوبة فحكمها حكم المسلمين، ولا يجوز سبيها عند الظهور، وإن وصلتهم مختارة فحكمها حكمهم وكفرت بذلك.
وأما قوله: وهي لا تحب المطرفية ولا تعرف مذهبهم؛ فهذا كلام متناقض كيف تبغض تدينا أو تحب من لا تعرف اعتقاده، فإن كان ذلك فهو تشبه وهو لا حكم له كالاستثقال والاستحلال.(1/163)


[ حكم والي الإمام غير المجاهد ]
وسألت: عن السلطان إذا كان يأخذ من الرعية ما لا يجوز ورجع إلى طاعة الإمام فأقره على ما في يده، وأجاز له أن يقبض له منهم ما أمره به بنية الجهاد في سبيل الله، وبقي على تصرفه، ولم يجاهد. هل يجوز للإمام أن يقره على ذلك ؟ فما الحجة عليه من كتاب أو سنة أو سير الأئمةٍ؟
الكلام في ذلك : إن الإمام ناظر في صلاح الدين والأمة، فإذا تاب إليه السلطان ورأى من الصلاح إقراره على ما في يده جاز ذلك؛ لأن له أن يتألفه بالمال سواء كان من بيت المال أو مما في أيدي الرعية لا فرق بين ذلك، وشرط الجهاد يلزم الإمام، فإن فرط الناس فيه فالجرم عليهم، فإذاً أخذ السلطان بالجهاد والتألف يكون لوجهين: إما لنصرة المتألف للمسلمين، وإما لدفع شره عنهم، فإذا حصل أحد الوجهين أجزى في جواز التألف.(1/164)


[ اجتهاد الإمام ]
وأما التحكم في الحجة أنها تكون من الكتاب والسنة أو من سير الأئمة عليهم السلام فهذا أمرٌ لا يلزم في باب العلم، وإلزامه سهو من السائل أو جهل بصورة الحال؛ لأن الأصل من الكتاب والسنة أن الله تعالى جعل للإمام ولاية عامة على الكل في المال والنفس، وللولي أن يتحرى المصالح، فهذا أصل الجواز.
وأما فروعه وعيونه فلا يلزم ذلك، وقد فعل أمير المؤمنين عليه السلام أشياء لا يعرف أصلها من كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم منها: أخذه لمال المحتكر وقسمه نصفين حرق نصفه وترك نصفه في بيت المال فقال: لو ترك لي أمير المؤمنين مالي لربحت مثل عطاء أهل الكوفة -وجند الكوفة مائة ألف مقاتل- فانظر هذا المال ما أجسمه، فأين يوجد مثل هذا في الكتاب أو في السنة! وهل مرجعه إلا إلى أن له الولاية العامة وتجري المصالح بجهده، ولما مر عليه السلام بقوم يلعبون بالشطرنج أمر فارساً من فرسانه فرمى بعظامها وحرق رقعتها، وأمر أن يقام كل واحد منهم معقولاً على فرد رجل إلى صلاة الظهر فقالوا: يا أمير المؤمنين لا نعود. قال: وإن عدتم عدنا. فهل هذا في الكتاب أو كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله فيكون سنة؛ هذا ما لا يعلم.(1/165)


ولما ضرب عبد الملك بن مروان الدينار والدرهم وكرهت ذلك الروم، وتهددوا المسلمين بإفساد النقود؛ لأن ذكر الله تعالى في الدينار والدرهم غاظهم، فشاور عبدالملك بن مروان علي بن الحسين عليه السلام فأشار عليه بمنع المسلمين من المبايعة بنقود المشركين في جميع ديار الإسلام، فلم يتم لهم كيدهم، وعز الإسلام بذلك فهل هذا في كتاب أو سنة؛ أوليس السنة جارية بجواز المبايعة بنقود المشركين إلى أيام عبد الملك بن مروان، وعلي بن الحسين عليه السلام قدوة في الإسلام، وإمام في الحلال والحرام، ومن لا يتمارى في فضله. ولما أراد عمر التوسيع في الحرم الشريف اشترى دور قوم فهدمها، وكره آخرون فهدم عليهم، وترك أثمانها في بيت المال، ولم ينكر [ذلك] عليه أحد من الصحابة، فجرى مجرى الإجماع. فهل كان هذا سبق في كتاب أو سنة، أو هو نظر لمن اعتقد أن له النظر في صلاح دين الأمة.(1/166)


وأما عطاء السلطان فقد أقطع رسول اللهً الأبيض بن جمال جبل الملح بمأرب حتى قال بعض الناس: يا رسول الله دريت ما أعطيته قال: ((وما أعطيته؟ قال: أعطيته العد الذي لا ينقطع. فرجع عن ذلك رسول اللهً)) وأقطع رجلاً من ربيعة لسؤاله إياه ذلك الدهناء، وكانت امرأة تميمية قد لقيها في طريقه وقد أبدع بها وكلّ بعيرها فحملها خلفه فلما سمعت رسول اللهً [قالت: يارسول الله، أتدري ما أعطيته؟] مراد الخيل، ومرابع الشاء ومسارح الإبل فقال رسول اللهً: ((المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه)) قال الربيعي: أراني كحامل جيفة، والله لو علمت بقولك لتركتك حيث لقيتك. فضحك النبيً وأطعم عمرو بن فلان طعمةً معلومة من زبيب وحبوب من خيوان والقرى والقرطية بشان من حوف المحورة، فكانت عليه وعلى نسله من بعده يأخذونها إلى قريب من أيام الهادي عليه السلام بمديدة يسيرة؛ فهذه أمور يعلمها أهل العلم، وجهل الجهال بها لا يرفع أحكامها، ويسقط جوازها؛ لأن العلم هو الحاكم على الجهل ليس الجهل الحاكم على العلم؛ والفرقة الضالة الغوية، المرتدة الشقية، المسماة بالمطرفية، أرادت ما لم يرد الله تعالى تكون هي المحللة والمحرمة لا الأئمة، وأن يقف أئمة الهدى على مبلغهم من العلم، ولو كان ذلك كذلك لخرج الأئمة عن الإمامة، وما استحقوا حكم الزعامة، وقد كان الناصر عليه السلام أقر قوماً من أهل اليمن على ما في أيديهم من الممالك، كأسعد بن أبي يعفر، وأحمد بن محمد الضحاك وغيرهما من الرؤساء؛ وقد بينا في أول المسألة أنه لا يجب على الإمام التحكم في أنه لا يفعل الإمام إلا ما قد سبق فعله، وقد بينا أن الأئمة عليهم السلام قد فعلوا أشياء لم يسبق إليها ذكر، ولأنها فعل، ولم ينكر عليهم أحد من أهل المعرفة، ولا ينبغي لأحد أن ينكر فأهل البيت عليهم السلام معدن العلم فما خرج من علم للآخر أضيف زيادة إلى علم الأول، وكان سعة ورحمة، ومثالهم مثال قوم لهم معدن من ياقوت أو جوهر(1/167)

33 / 92
ع
En
A+
A-