[ حكم مقلد المطرفية ]
سأل أيده الله تعالى قال: إذا كان [دار] الكفر لا يعرف إلا بدليل شرعي قاطع من كتاب الله أو سنة متواترة، وقد علمنا كفر من ناظرناه من المطرفية، فما الحجة في جميع ذلك على كفر مقلده أو محبه أو محسن الظن به والشاك في كفره؟.
الكلام في ذلك: إن الكفر لا يعلم إلا بدليل كما ذكر السائل، والدليل قد يكون عقلياً، وقد يكون شرعياً، وقد رفع السائل الأشكال في كفر المطرفية؛ وأما شكه في كفر المقلد لهم والمعلوم أن الله تعالى قد نص على كفر المقلدين، فكيف تصور السائل هذا السؤال والله تعالى يقول حاكياً عن المشركين: ?إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ?[الزخرف:23]، ولم يقبل عذرهم.
وأما كفر محبه فقد روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((المرء مع من أحب وله ما اكتسب)) وهذا خبر تلقته الأمة بالقبول، فيجري مجرى الأصول، ولا يكون معه إلا في الحكم؛ فأما المكان فيختلف بالمشاهدة، فلولا الحمل على ما قلنا أخرج الكلام النبوي عن المعنى.
وروينا عنهً أنه قال: ((من أحب عمل قوم شرك معهم في عملهم)).
وأما محسن الظن به فإجماع الأئمة والأمة منعقد على أن من أحسن الظن في اليهود والنصارى فإنه ينسلخ من الإسلام، ويخرج من الدين، والمطرفية باعتقادها الخبيث أقبح حالا من اليهود والنصارى، وكذلك الكلام في الشاك في كفره؛ لأن من شك في كفر اليهود والنصارى فهو شاك في نبوة النبيً ومن شك في نبوته فهو كافر بلا خلاف بين المسلمين في ذلك فهل بقي وجه للسؤال، وما بعد الحق إلا الضلال.(1/153)


[ حكم معاوية وأتباعه ]
وسألت: هل معاوية لعنه الله كافر؟ فما الحجة على كفره، وإن ثبت كفره فهل حكم أصحابه كحكمه أم لا؟ فلم لم يسر فيهم علي عليه السلام سيرة الكفار من سبي وغيره، وهل يكون حكم من مال إليه أو حارب معه وإن لم يصوبه في حرب علي عليه السلام ولا لحبه ولا لطلب دنيا أو أنس متقدم أو لكون الجهة جهته فلم ينتقل؟
الكلام في ذلك: إن معاوية عندنا أهل البيت كافر ولم يعلم في ذلك خلافاً من سلفنا الصالح سلام الله عليهم والحجة على كفره أنه رد ما علم من دين النبيً ضرورة، والراد لما علم من دينه ضرورة كافر بالإجماع من الأئمة والأمة، وإنما قلنا: إنه رد ما علم ضرورة؛ لأن المعلوم من فعله ضرورة ادعاء أخوة زياد بن أبيه، وقد ورد عن رسول اللهً أنه قال: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) فقال: الولد للعاهر ولا يضره عهره، فكفر بذلك وبأشياء أخر، ولكن هذا كاف في هذا الباب وأوضح لأولي الألباب، وحكم أصحابه كحكمه بلا خلاف؛ لأن الله تعالى يقول: ?يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ?[الإسراء:71]، وأما أن علياً عليه السلام لم يسبيهم فإنما وقع الحرب بينه وبينهم بصفين بين الشام والعراق، وإن كانت داخلة في تخوم الشام، ولم يلتق فيها إلا الرجال مصلتين بالسيوف والرماح، ولو أن علياً عليه السلام تمكن منهم ولم يسبِ؛ فللإمام أن يسبي وأن يدع، ولم نتشدد إلا لغموض الأحكام في المنتسبين إلى الإسلام، من كفرة الأنام، لالتباس ذلك على العوام، فليس في تركه السبي حجة لاحتمال الحال، ولأن كفر معاوية لم نقطع به إلا بعد موت علي عليه السلام؛ لأنه لم يدع زياداً إلا بعد موت علي وولده الحسن عليهما السلام، وقد انقطعت الحرب يوم ذلك بظهوره على الأمر وعدم المحارب له، وليس كون سبب الكفر حمية أو طلب دنيا أو محبة دار تسقط حكم الكفر. فاعلم ذلك موفقاً وأهل العلم لا يجهلون هذا المقدار.(1/154)


[ حكم العارف ببطلان المطرفية المساير لهم ]
وسألت عن رجل من المصانع صحيح الاعتقاد، عارف ببطلان قول المطرفية، وهو شاك في إمامة الإمام لشبهة عرضت له من تصرفات العمال أو إكراه الإمام لأخذ أكثر من العشر، ولم يعلم جواز ذلك من كتاب وسنة، ولا من سيرة الأئمة عليهم السلام ولا هو محب أيضاً لمن ظهر منه اعتقاد التطريف، وهو محب للمشرقي، ومحسن الظن فيه؛ لما ظهر من صحة اعتقاده، ولم يعلم منه خلاف ما أظهر، وحارب معه، قال: للدفع عن نفسه وماله، وما حكمه في جميع هذه الأمور، وسواء كان مصوباً للمشرقي وأصحابه وما فعلوه أم لا؟
الكلام في هذه المسائل: إنها ملفقة، وأرجاؤها مشققة، لأنه سأل عن رجل من المصانع صحيح الاعتقاد؛ وكيف يصح اعتقاد من عاشر الكفار، وجعل دارهم له دار قرار، هذا سؤال من لا يعرف الأحكام، ولا يتحقق بعرفان أصول الإسلام .(1/155)


[ الشك في الإمام لبعض التصرفات ]
فأما ما شكه في إمامة الإمام لأجل تصرف العمال فمن أعجب العجاب، ومن لا يمتري لأجله في خطأ مورد الشبهة أولوا الألباب، أفليس عمال النبي والوصي صلوات الله عليهما وعلى الطيبين من آلهما حدثت منهم الحوادث الكبار، المنتهية إلى سفك الدماء، وركوب الدهماء، فلم يقدح ذلك في النبوة والإمامة؛ فكيف يكون ذلك شبهة في حق إمام زمانه، لو لا متابعته لشيطانه، وما إكراه [الإمام للناس] على [تسليم] أكثر من الزكاة، فهلا شك في متابعته للشقي المشرقي لهذه الغلة، والمعلوم منه ومن سلفه المطرفية الإكراه لمن قدروا عليه على المغارم، والضيف وسائر أنواع الكلف؛ وما إمارة الشك إذا أخذ أكثر من العشر من جعل الله له الولاية العامة في الأهل والمال والتصرف، في جميع الأحوال، قال أصدق القائلين: ?النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ?[الأحزاب:6]، وإذا كان أولى بنفس المؤمن من نفسه فولايته على ماله بطريقة الأولى أولى، ولا خلاف أن للإمام ما كان للنبيً إلا ما خصه الله به من فضل النبوة، ولأنا نعلم ويعلم أهل العلم [أن ولي اليتيم متى علم أو غلب في ظنه أن دفع قسط من مال اليتيم يؤدي إلى دفع الظالم عن ماله واجتنابه وجب عليه عند أهل العلم] [والعقل] أن يدفع ذلك القسط، ويسلم جملة المال، ويكون مسيئاً إن لم يفعل. وللشيخ عند الإمام بمنزلة اليتيم عند الولي وإن كان الخوف من فساد الدين كان دفع المال بالجواز أولى؛ لأن المال يترك للدين في شرع الإسلام، والدين لا يترك للمال بحال من الأحوال، وإذا كان أشك لأنه لم يعلم فالجهل لا يكون عذراً، وكذلك ما جحد الكفار الصانع إلا لفقد علمهم به.
وأما أنه لم يجد ذلك في سير أحد من الأئمة عليهم السلام فعنه جوابان:(1/156)


أحدهما: أنه لم يعرف سير الأئمة عليهم السلام ولا طلبها فكيف يجد ما لم يطلب ولا يقف عليه، وهذا كما قال الله تعالى: ?بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ?[يونس:39]، فلم يخلص ذلك من عهده ما لزمهم؛ وإنما قلنا ذلك لأنه موجود في كتب سائر الأئمة عليهم السلام فإن الهادي عليه السلام أخذ المعونة من أهل صنعاء، ولم يفرضها إلا كبار منهم وشيوخهم وعمهم بذلك، ولأن بني عبد المدان ذكروا في كتابهم أن الهادي عليه السلام عقد لنا بأنه لا معونة علينا ولا سلف، والهادي لا يعقد لهم بترك الزكاة، فهذا دليل على أن المتروك غير الزكاة، والسلف هو استقراض الزكاة من أربابها قبل حلول وقتها، كما فعل النبيً في عمه العباس؛ ولأن المؤيد عليه السلام قال: وأقول: إن من له فضل مال يجب عليه إخراجه في سبيل الله تعالى، ويكون آثماً إن لم يفعل، والقاسم بن علي عليه السلام أخذ المعونة من البلاد التي استقرت عليها ولايته غير مرة، فإن كان لا يرون[إمامته] فذلك من أحداثهم المقوية لكفرهم ونفاقهم، الجالبة لعنادهم الذرية الزكية، وشقاقهم للأئمة ظاهر مع الأول والآخر.(1/157)

31 / 92
ع
En
A+
A-