[ شرائط الإمامة ]
فإن أردت زيادة يقين في ذلك تعرفه بالبرهان، فقد علمت أن التكليف لا يتعلق بما لا يدخل تحت الإمكان، وقد علمت أن فرض الإمامة عام وذلك مدع للإمامة، وهذا موضع شبهة، فلا بد أن يجعل الله تعالى إلى العلم بحاله طريقاً ليكون هلاك من يهلك في أمره بعد إزاحة العلة بحالة تحصل على سبيل الجملة أو التفصيل، وكل واحد من الأمرين كاف في زوال حكم التكليف عن المكلف، هذا وقد أجمعت الزيدية والإمامية والمعتزلة وأكثر الأمة على وجوب الإمامة في كل عصر، وأن لا بد من الإمام يجمع أمر المسلمين، ويمنع بعضهم من بعض، وينفذ الأحكام، ويقيم الحدود، ويغزو ديار الكفر، ويقسم الفيء والغنائم والصدقات، فهذا إجماع هذه الفرق وإن اختلفوا في بعض أحوال الإمام وفيما لأجله يحتاج إلى الإمام على إجماع هذه الفرق كلها أن لا بد من جمعه لخصال الفضل والصلاح، وإن تعدى بعضهم إلى أن أوجب في حقه أكثر مما يشرط في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من علم الغيب و ما جرى مجراه، وخالف في هذه الجملة أهل الحشو وقالوا: الإمامة ليست بفرض إن أصلح الناس نفوسهم، وسد كل إنسان جذبته، وقوم من تحت يده، وإن تعذر ذلك حسن أن ينصب الناس إماماً عادلاً صالحاً؛ فالأمة عموماً ضُلاَّلها وصُلاَّحها مجمعة أن لابد من صلاح الإمام، وما خالف في ذلك إلا متأخري المتفقهة المتحيلون الذين أكلوا الدنيا بالدين، ولبسوا للناس جلود الضأن من اللين، فإنهم أجمعوا في الأصل خوفاً من المكاشفة بالمقت على أن شرائط الإمام الإسلام، والذكورة، والورع، والعلم، والكفاية، ونسب قريش، ثم قالوا بعد ذلك: لو تعذر وجود العلم والورع فيمن ادعى الإمامة وبايعه الأكثر، وكان في صرفه إثارة لفتنة لا تطاق فإن إمامته تصح. قالوا: لأن ما يلقى المسلمون من الضرر يزيد على ما يفوتهم بضرر نقاضته عن هذه الخصال، فهذا كما ترى من علماء السوء يريدون استدرار عطيات هؤلاء المسميين بالإمامة من بني(1/133)


العباس، وإنما أطبق الناس على هذا لأن أدلته ظاهرة من الله تعالى؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق فقال تعالى : ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا?[المائدة:38]، وأمر بإقامة الحد على الزناة فقال تعالى : ?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ?[النور:2]، وغير ذلك من الأمر بالجهاد، وحرب المشركين، وقتل المحاربين إلى غير ذلك من أحكام الدين، وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب، والإجماع منعقد أن ذلك لا يكون إلا للأئمة، فلا بد من إمام بأدلة نصوص الكتاب وبالإجماع، وبعض ذلك كاف في صحة الاستدلال.(1/134)


[ مدعو الإمامة في عصر الإمام ]
فإذا قد تقررت هذه الجملة والمدعي للإمامة اليوم في ديار الإسلام ثلاثة: صاحب المغرب، وصاحب بغداد، ونحن في هذه الديار، فإذا بطلت إمامة اثنين صحت الإمامة لواحد، إذ لا يجوز بقاء الأمة بغير إمام، ولا تخل الأرض من الحجة طرفة عين.
وقد روينا عن النبيً: ((من مات ليس بإمام جماعة ولا لإمام جماعة في عنقه طاعة مات ميتة جاهلية)) وفي ذلك آثار كثيرة رواها آباؤنا عليهم السلام ، ورواها علماء الأمة، ولم يختلف في ذلك أحد من علماء الأمة، وفسر المرتضى الحديث المروي عن النبي ً: ((لا تخل الأرض من حجة إما ظاهراً مشهوراً، وإما باطناً مغموراً))، فذكر أن الظاهر المشهور الإمام الشاهر سيفه، الناصب لرايته. والباطن المغمور: هو الصالح لذلك من العترة، وإن منعه من الانتصاب خلاف الأمة.(1/135)


[ لا بد من إمام ]
قال عليه السلام: فإنما أوتيت الأمة في ذلك من قبل نفسها لا من قبل [أهل] بيت نبيها، وقال عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد: اللهم، لا تخل الأرض من حجة لئلا تنقطع حجج الله وبيناته.
وروينا في آثار كثيرة متظاهرة ورواها الأئمة عليهم السلام وعلماء المعتزلة أن على رأس كل مائة سنة حجة لا تتم إلا على حجة لله تعالى قائمة على خلقه.(1/136)


[ تنكر الأمة وكفرها ]
روينا عن أبي هريرة عنه ً: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها دينها)) وقد ثبت بإجماع علماء الأمة أن صدقة الحبوب والتمر والزبيب يجب صرفها إلى الإمام، وكذلك واجبات المواشي، وعلم ذلك من دين النبيً ضرورة أن الواجب صرفه إليه ً، وأن ما كان له في أيامه كان للإمام القائم مقامه من بعده؛ لأن الله تعالى جمع لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم الإمامة مع النبوة، ولم يكن ذلك لأكثر الأنبياء، وإنما كان لهم النبوة دون الإمامة، وقد ثبت أن أكثر هؤلاء المعتقدين لإمامة صاحب بغداد لا يحملون إليه الحقوق، وبعض الناس لا يراه أهلاً لذلك، فإذا لم يسلمها إلينا استحلالاً لتأخيرها كان كافراً بذلك، وإنما أردنا نبين لك تأكيد الأدلة وتظاهرها على كفر الأكثر من الأمة بالبرهان الجلي، فتأمل ذلك بعين الفكرة لتنجو من الحيرة والحسرة، فأكثر الخلق إنما أتي من إهمال النظر، وجهل الأثر، والاعتراض على الأئمة والعلماء، ودعواهم لأنفسهم مع رفض أصول العلم.
وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في أهل بيتهٍ: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)) والمعلوم أن من لا يعتقد إمامة قائم العترة يشتمه؛ لأن عنده أنه ادعى ما لا صحة له ولا حقيقة، فأما أئمة الضلال من الأموية والعباسية، فأطلقوا العطايا السنية، والأقطاع الواسعة، والمواهب الجزلة لمن سب الذرية، وأمروا المتشدقين بخطب العدوان بغشيان المواسم للطعن على الذرية الهادية المهدية.(1/137)

27 / 92
ع
En
A+
A-