[ نماذج من جرائم بني العباس ]
فلسنا [ولسنا] نذكر عاهات أئمتهم بأعيانهم تنزيهاً لألسنتنا عن ذلك، وإلا فحالهم غير مجهول.
قتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وقاسم بن المهدي أمه، وقتل المعتضد عمه، ولنكتفي بالقليل عن الكثير، هذا الجالس اليوم على السرير ببغداد إذ قتل أباه في الحمام، وأذاقه كأس الحمام، وقتل الطرنجي بالفيتقية، وابن يحيى الفارس، وهما نديماه وكتيماه، وقتل خاصته في الوداد بغير طاعة رب العباد المسمى نفحه الحسني، وكان سكراناً ندم على قتله وحاول قتل نفسه أسفا على فراقه، وقتل الفقيه الحنبلي بالقرية المعروفة بالحربية لما أنكر عليه شرب الخمر ونقر الدفوف والحنوك والمزامير والعيدان، وقال له: لقد جمعت ما حرم الله على عباده على أعيان الناس في الحرافة، وقال: ما هكذا بايعتك يا ولد العباس، اشهدوا أني قد خلعت بيعته. فأمر به فأحضر إليه، ووسطه بالسيف، وترك في كل ناحية منه جزءاً، وصلب الكرخي العابد على باب العامة ولما أراد الحج حلق شعره، وتركه في محمل، ووقف به المواقف كلها، وعلى الجمار، وعند المشعر، ويطوف به ويسعى فهذا دين الإسلام (أو) غيره؟ فوالله يميناً يعلم الحكيم العليم صدقها، ونرجو عند الله تعالى أجرها وبرها لو لم يكن لهذه الأمة جرم في دين الله إلا موالاة بني أمية وبني العباس واعتقاد إمامتهم وتقليدهم أمورهم، وذلك كفر، لكان كافيا في الكفر بنص القرآن الكريم يعرفه كل ذي قلب سليم، وهو مع ذلك خلاف المعلوم من دين الرسولً؛ لأن الولاء والبراء معلومان من دينه ضرورة، فكيف والحكيم سبحانه يقول: ?لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ?[المجادلة:22] ومن نفى الباري تعالى إيمانه بالله ورسوله وباليوم الآخر، فهل بقي له من الإيمان مسلك، وعن الكفر(1/128)
مترك؛ فالواجب على المؤمنين التسلك عن التشكك فيهم، واعتقاد إمضاء أحكام الله عليهم وقع ذلك أم لم يقع؛ فبذلك فرض المؤمنين معاداة الكافرين باليد واللسان، والسيف والسنان، وإضمار عداوة الجنان، فكيف وقد أضافوا إلى ذلك من الاعتقادات الكفرية، والمقالات الفرية، ما كفرتهم به الذرية الهادية المهدية، ولابد مما قاله الرسولً يكون؛ لأنه لا يقول إلا عن علام الغيوب إن لم يكن في زماننا، ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قائم العترة المنتظر أنه قالً: ((يشبهني في الخلق ولا يشبهني في الخلق))، فسره أهل العلم أنه خلق رسول اللهً العفو، وخلق القائم الانتقام بالقتل والسبي والسفك، وفي الحديث: ((لا يزال في أيامه الهرج الهرج)) معناه القتل عموماً، والقتل حتى يقول القائل: ليس لله في آل محمد حاجة، ولم أعلم أحداً من آبائنا عليهم السلام وسع في المكاتبة والمراسلة إلا وصرح في ذلك أو عرض بكفر مناوئيه وشرك معاديه، ومن تأمل ذلك عرفه يعرف ذلك العارفون.
هذه رسالة محمد بن عبد الله إلى أبي جعفر الدوانيقي صدرها:
بسم الله الرحمن الرحيم ?طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ?[القصص:1-6].(1/129)
فهل بعد هذا رحمكم الله تعالى في التصريح مذهب؟ وهل عن دين محمد بن عبدالله النفس الزكية عليه السلام في الإسلام مرغب؟ وهل يعلم أن أحداً نفى من الأمة عن أبي الدوانيق إمامته إلا الزيدية والمعتزلة والخوارج؟ وباقي الأمة على إمامته مطبقة وبأسبابه متعلقة إلى اليوم؛ فلولم يكن لهذه الأمة جرم إلا موالاة من قدمنا ذكره من بني أمية وبني العباس، واعتقاد إمامتهم لكفروا بذلك، واقتحموا بحار المهالك، وحل قتلهم وسباهم ولعدت في الأنفال ذراريهم ونسائهم؛ لأن المعلوم من دين النبيً ضرورة اعتبار عدالة الشهادة، والخليفة بالإجماع آكد حكما منه في صلاح أحواله، وكماله في جلاله، فمن قال بغير ذلك خالف المعلوم ضرورة، ما حال من اعتقد إمامة الوليد بن يزيد، الجبار العنيد، الواطئ لأمهات أولاد أبيه، والناكح ظاهراً كالمستور لأخته، والآمر لجارية وطئها بالخروج لتصلي ملتثمة وهي جنب حين وطئها استخفافاً بالدين، وانتهاكا لحرمة الإسلام والمسلمين؛ هذا مع إظهار الكفر قولاً وفعلاً فمن قوله:
تلعَّب بالبرية هاشمي .... بلا وحي أتاه ولا كتاب
وقوله:
لو وجدنا لسليمى أثرا .... لسجدنا ألف ألف للأثر
وفي البيت الآخر:
هل خرجنا إن سجدنا للقمر(1/130)
[ عود إلى ذكر القاعد ببغداد ومحن الذرية الزكية ]
ثم لنرجع إلى ذكر هذا القاعد اليوم ببغداد؛ لأن في غرضنا تبليغ بيان الأحكام المراد ألم يأمر بعبدين من خيار عباد الله، وفضلاء عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضحى بهما يوم الحج الأكبر على رؤوس الأشهاد، ثم جنده الخسيسة الملاحدة قد بثهم على فضلاء الذرية فصاحب الحجاز اليوم خائف في السعي والطواف، ونحن في هذه الأرض نخشى مكر الطوافة، والطواف تأمن الطير والحمام، ولا يأمن آل النبي عند المقام.
طبت بيتاً وطاب أهلك أهلا .... أهل بيت النبي والإسلام
لعن الله من يعادي علياً .... وبنيه من سوقةٍ وإمام
وقال آخر:
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت .... وآل أحمد مطرودون قد قهروا
محلئون ..نفوا عن عقر دارهم .... كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
قال منصور بن الزبرقان:
آل النبي ومن يحبهم .... يتطامنون مخافة القتل
أمن النصارى واليهود وهم .... من أمة التوحيد في أزل
وقال دعبل بن علي الخزاعي:
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة .... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما .... وأيديهم من فيئهم صفرات(1/131)
وقال إبراهيم بن العباس [الصولي] لما ذكر المأمون عطاه لأهل البيت عليهم السلام في أيام علي بن موسى الرضى:
يمن عليكم بأموالكم وتعطون من مائة واحدا
فهذا رحمك الله بيان مقالتك، والكافة من الإخوان قبلك، أردنا الكشف والإيضاح لأحوال الأمة الظالمة، للعترة القائمة الذين جعلوا الإمامة في غيرهم، وأخرجوهم عن وراثة النبوة التي فضلهم الله ببقائها، وسكنهم في رفيع فنائها، والجهل رحمك الله بأحكام الإمامة باب الفتنة ومفتاح المحنة؛ لأن الجهل بأحكامها كان السبب لهلاك من هلك، والمعرفة بأربابها كان الذريعة لنجاة من سلك.
فإذا قد تقرر لك ذلك وعلمت أن جميع فرق الجبر على اختلاف أنواعها وتباين أوصافها مطبقة على أن إمامها هو القاعد اليوم على سرير الملك ببغداد، وحاله ما ذكرنا وبعض أحواله لم نذكر، وما من المكلفين المعتقدين إمامته إلا من يعلم بحاله أو يتمكن من علم ذلك.(1/132)