[ بعض المحن التي جرت على آل البيت ]
في الرواية عن علي عليه السلام: المحن إلى شيعتنا أسرع من السيل إلى الحدور، وفي الحديث: ((من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلباباً، وللمصائب أبوابا)) رواه المرتضى بن الهادي عليهما السلام فكان مسنده في الرواية مُفسرة؛ فمقالتهم أسست على المحن، ونشأت في أيام الهزاهز والقتل والفتن، تحاملت عليهم الأيام، وتظاهر أرباب الإجرام، فأول عادية عليهم بيعة السقيفة، ثم تبعها ظلم فاطمة الزهراء الشريفة، وسم سبطها الأكبر سرا، وقتل سبطها الأصغر جهرا، وصلب زيد بن علي عليه السلام بالكناسة، ومثل بولده يحيى في المعركة، وأتلف عبد الله بن الحسن وإخوته وبنو إخوته الطاهرين في المجالس المظلمة، والمطامير الضيقة، وقتل ابناه: النفس الزكية والنفس الرضية -محمد وإبراهيم- واحدا بعد واحد على الأمر بالقسط، والنهي عن الفجور، ومات موسى بن جعفر شهيداً بأيدي النصارى في فرش السمور، وسم علي بن موسى الرضا بيد المأمون، وهزم إدريس بن عبد الله إلى بلد الأندلس غريبا، ومات عيسى بن زيد في بلاد الهند طريدا، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والإيمان، وظهور الآيات وواضح البرهان، وتجبّر يعقوب بن الليث على علوية الطبرستان، وقتل محمد بن زيد بن الحسن بن القاسم بأيدي آل سامان، وفعل أبو الساح بعلوية الحجاز ما شاع في البلدان، من القتل والتشريد من هجرة الإيمان، وقتل قتيبة بن مسلم الباهلي عمر بن علي بعد أن ستر شخصه ووارى نفسه، ومثل ذلك ما فعل الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الحسيني، وما فعل مزاحم بن خاقان بعلوية الكوفة؛ وعلى الجملة ليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي بريئة، شرك في قتلهم الأموي والعباسي، قتل منهم فيهما ثلاثمائة ونيف وثلاثين نفسا من أعيانهم وفضلائهم
فليس حي من الأحياء نعرفه .... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم .... كما تشارك أنسار على جزر
[شربوا الحمام في طاعة العزيز العلام، وما تجرعوا كأساً من الموت زعافاً إلا عبَّتها شبيعهم] رحمة الله عليهم دونهم حراقاً.(1/122)


[ جرائم آل حرب وآل مروان ]
فأول من أجرى سنن الكفر والظلم والعدوان، والفسق والشرك والطغيان، آل حرب وآل مروان، قتلوا من حاربهم جهاراً وغدرا، ومن سالمهم سراً ومكرا، وهتكوا حرمة المهاجرين، واستأصلوا شأفة الأنصار، واتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، وهدموا الكعبة، وختموا على أعناق من أدركوا من الصحابة، وقتلوا من قدروا عليه من الذرية، وما فعل القوم الضلالة عن كلالة؛ وكيف ذلك وإمامهم معاوية بن صخر محزب الأحزاب، ومعادي الكتاب، وأمه هند آكلة أكباد الشهداء، وقد قتل حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأخوه الذي ادعاه بالعهر، وخرج بدعواه من الإسلام إلى الكفر، زياد بن سمية قتل الألوف من شيعة علي عليه السلام صبراً وختراً، ثم قفا يزيد أباه فأجهز على جرحاه وبعض أحداثه قتل الحسين بن علي عليه السلام في أفاضل أهل بيت الرسولً، وسادات الأمة من شيعته فيهم الحر بن يزيد الرياحي، وعمر بن قرضة الأنصاري، وحبيب بن مظاهر الأسدي، وعبد الله بن عمير الكلبي، ومسلم بن عوسجة الأسدي، وسعيد بن عبد الله [الحنفي]، ونافع بن هلال الحملي، وحنظلة بن أسعد البسامي، وعايش بن أبي شبيب الشاكري، وزهير بن القين العجلي؛ وهؤلاء صفوة المسلمين مع صفوة أهل البيت المطهرين سلام الله عليهم أجمعين، فلما كان ذلك غضب التوابون من الشيعة، وأهدموا نفوسهم للقتل ندامة على خذلان ذرية رسول الله ً، فكفَّروا ذنوبهم بتعريض نفوسهم وأموالهم للتلف، واللحاق لمن قد سلف، فقتل سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية الفزّاري، وعبد الله بن وائل التيمي، في عصابة وافرة من عيون التابعين رضوان الله عليهم وهم مصابيح الأنام، وفرسان الإسلام أولهم المختار، وكيسان، وأحمر بن شميط، ورفاعة بن شداد، والسائب بن مالك، وعبدالله بن كامل في نظرائهم، وحبسوا محمد بن الحنفية في سجن عارم مع سادات بني هاشم، وجمعوا الحطب لتحريقهم.(1/124)


وكان بعد ذلك من ولاية الحجاج ما أظلمت به الفجاج، وانطمس السراج؛ فلما غلظت أحكام الدين، وطمست سنة خاتم المرسلين، وسبت اليهود محمداًً في مجلس هشام بن عبد الملك خليفة الرسول بزعم الكافرين المشركين، غضب زيد بن علي عليه السلام فيمن أطاعه من شيعته فمنهم: نصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري، وجماعة وافرة من الصالحين، فضاربوا بأسيافهم غضباً لله تعالى حتى قتلوا أجمعين، ورفعوا على الجذوع مصلوبين، وحرق زيد بن علي عليه السلام، وضرب بالعسبان حتى صار رماداً، ونسف في البر والبحر، وهو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمكان المكين.(1/125)


[ جرائم بني العباس ]
[ثم قامت الدولة العباسية فكانت أخبث وأشر، وأدهى وأمر] وقد قدمنا طرفاً من حكاية أمرهم وإن كانت لعجبها لتكاد تنقضي فالله المستعان.
قتلوا من تقدم ذكره، ثم قتلوا بعد ذلك عبد الله بن محمد بن عبد الله عليه السلام بالهند على يدي هاشم بن عمرو التغلبي، ثم كان من موسى الفظ الغليظ، الجبار العنيد ما كان من أمر الفخي عليه السلام وأهل بيته سلام الله عليهم، وما فعل أخوه هارون المتمرد المتكبر في شجرة النبوة من القتل الذريع، والحبس الشنيع، فلما صفت لهم الدنيا إمهالاً، وحصلت استدراجاً، صارت الأموال إلى الديلمي، ويؤثر بها التركي، وتحمل إلى المغربي والفرعاني، ويفوز بها الأشروسي والبربري.
ومن أفاضل أهل البيت عليهم السلام من يتضور جوعاً، ولا يطعم هجوعاً، ويموت الفاضل من أفاضلهم فلاتشيع جنازته، ولا يعمر إلا على وجل مشهده، ويموت المسخرة منهم والمغني فيحضر جنازته العدول بزعمهم، والقضاة، وربما مشوا خلفها حفاة، ويحضر التعزية القواد والولاة، فهذا دين الإسلام يا من حرف الإسلام أم هو غيره؟ فما غيره إلا الكفر والإجرام؛ هذا وكم مداح لأهل البيت عليهم السلام قطعت لسانه كعبد الله بن عمار البرقي، وآخر أخيف كما فعل بالكميت بن زيد[الأسدي] حتى قال:
ألم ترني في حب آل محمد .... أروح وأغدو خائفا أترقب
خفضت لهم مني جناح مودة .... إلى كنف أعطاه أهل ومرحب
وطائفة قد كفروني بحبهم .... وطائفة قالوا مسيء ومذنب
وقصة الفرزدق بن غالب التميمي غير غبية، فلا جرم له إلا مدح خير البرية، ولقد رفعوا قدر من تجرد لسبهم كما فعلوا بابن أبي حفصة اليماني، وبعلي بن الجهم المسمى بالشامي في أمثالهما، وقد قدمنا في صدر كتابنا هذا فعل المتوكل على الشيطان لا على الرحمن من كرب قبر الحسين بن علي، وتولية اليهود على منع الزوار وقتلهم دون زيارته، قتلوا أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم جوعا وسغبا.(1/126)


[ إنفاق الأموال على المجرمين ]
وملؤوا بيوت النصارى واليهود فضة وذهباً، وصيروا خير الأموال ونفيس الجواهر، ومكنونات الذخائر، إلى إبراهيم المغني المدني، وإلى إبراهيم الموصلي، وإلى ابن جامع السهمي، وإلى زلزل الضارب، وبرصوما الزامر، واقطعوا ابن بختيشوع النصراني قوت أهل بلده، [وبغا التركي] والأفشين الأسروسي كفاية أمه، هذا بعد تقرير أرزاق الصفاعنة، والفراعنة، والمضحكين، والمسامرين، والمغمزين، والمجلوزين، والمقردين، وذلك بعد إثبات عطاء مخارق، وعلوية، وزرزر، وعمرو بن مامة المهلبي، وأهل البيت المطهرين من الأدناس، المفضلين على جميع الناس، يتكففون الناس فقراً، ويموتون ضرا.(1/127)

25 / 92
ع
En
A+
A-