قال: والأصل في ذلك ما اتفقت الصحابة عليه من قتال أهل الردة بعد النبيً لما صار لهم تحزب واجتماع، ودار وامتناع على المسلمين، وانتصاب لقتالهم؛ لأنهم إذا صاروا كذلك كان حكمهم حكم الكفار في دار الحرب فيجري عليهم ما يجري في دار الحرب؛ فهذا كلامه عليه السلام، وهذا دليله، فما رأيتنا أيها المسترشد زدنا أو نقصنا إلا أن يكون بيانا يشفي صدور الطالبين، ويثلج قلوب الراغبين، لأنا ميزنا القضايا وبيناها، وعللناها، وسهلناها، وفصلناها، وبينا المعنى في قوله عليه السلام في المرأة المرتدة وزوجها المرتد: إذا لحقا بدار الحرب -ما معنى فتواه عليه السلام فيها موافقاً للمسألة الأولى- لأن قول العالم يلزم تأويله على الصحة، وقول الإمام أولى ولا سيما مثل النفس الزكية محمد بن عبد الله عليه السلام.(1/102)


والمعلوم أيدك الله تعالى أن الأشعة التي استضأنا بأنوارها إنما استخرجناها من المشكاة التي تنوَّر منها أئمة الهدى عليهم السلام ؛ فأي [لأئمة] علينا إذا احتججنا بها؟ ولو قيل للإمام الأول: لا بد أن تحتج على قولك من قول الإمام الذي تقدمك لما التزم ذلك، ولا العلم يقضي بإلزامه ذلك، بل يقول: ارجعوا إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، واجتماع العترة والصحابة والأمة، فإن ذكر شيئاً من أقوال الأئمة عليهم السلام والعلماء رضي الله عنهم فإنما نذكره تقوية وتأنيساً، وقد رأيت رد كلام محمد بن عبد الله عليه السلام إلى ما أراد المسترشد أن يمنعنا منه؛ لأنه احتج بما فعله الصحابة رضي الله عنهم في أهل الردة. وقلنا: أن تكون لهم شوكة ودار؛ فهل هذا يلزمنا لأنه ذكر عليه السلام جواز سبيهم بأنه صار لهم تحزب واجتماع، ودار وامتناع، وذكر أن الأمر متى صار كذلك كان حكمه حكم الكفار في دار الحرب، وأجري عليهم ما يجري على أهل الحرب. فهل رأيت أيدك الله كلامنا زاد على كلام محمد بن عبد الله عليه السلام أو نقص منه، واحتجاجنا عدل عن منهاج احتجاجه قيد الشعرة، إنما عمدته عليه السلام فعل الصحابة رضي الله عنهم ولا شك أنها حجة قاطعة عن جميع أقوال أهل العلم؛ لأنه لم يشذ من الأئمة من الاحتجاج بالإجماع إلا الإمامية، فعندهم أن الحجة بالإمام المعصوم.(1/103)


وقوله: فهذا الإمام المعصوم بل الأئمة المعصومون عليهم السلام علي وولداه عليهم السلام فعلوا ذلك كما ذكرنا من أخذ علي لخولة وأم حبيب من السبي، ولا خلاف بين سائر الأمة في وجوب حرب المرتدين وإجراء حكم الكفار عليهم، وكون أرضهم التي غلبوا عليها دار حرب، وقتل المقاتلة، وسبي الذرية، والغزو ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، ولا نجدد إليهم دعوة وذلك متى تحزبوا وكانت لهم شوكة كما قلنا، ولا عمدة للكل إلا إجماع المسلمين على حرب أهل الردة وقتلهم وسبي ذراريهم، وما خالف في ذلك إلا الإمامية كما قدمنا ولا سلف لهم ولا ثقة بشيء من رواياتهم؛ لأنهم لا يتوثقون في الرواية ولا يلزمون أحكام الدين في بابها، فقد قالوا: إن العرب إنما حاربت أبا بكر لتقدمه على علي فلذلك قتلهم وسباهم لا لدين، ولا إقامة شرع؛ وما هذا بأعظم من كذبهم على علي عليه السلام وعلى ولديه ولا من دعاويهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النص؛ فلا يلتفت إلى قولهم، وقد أكذبهم فعل علي عليه السلام أخذه لخولة وأم حبيب من سبي أبي بكر ومحمداً محمداً وعمر، وكون ذلك عند من يعرف الأثر، في ظهور الشمس والقمر، وقد طلبت المعتزلة وغيرها من أهل التدقيق أن يجعل ذلك ذريعة إلى إمامة أبي بكر؛ لأن علياً عليه السلام أخذ من سبيه فلولا اعتقاد [صحة إمامته لما] استجاز أن [يأخذ من سبيه] سبيه صحيح.(1/104)


قلنا لهم: إن أهل دار الحرب يجوز قتلهم وسبيهم مع غير إمام، ولأن إمامة علي عليه السلام ثابتة بالنص فلا يفتقر فيها إلى التصرف وإجراء الأحكام فهو إمام، وأخذ ما أخذ بنفسه؛ لأنه حقه وإمامته ثابتة في الأيام كلها بعد رسول اللهً إلى أن توفي، وقد كان بقي على رأيه في اعتقاد إمامته جماعة فله أن يأمرهم وينفذ أعمالهم بأمره، ولم يتمكن أحد من إنكار كون دار أهل الردة دار حرب، وقد كفت الإشارة من محمد بن عبد الله عليه السلام، ولا جرم لنا إلا أنا فصلنا ما أجمل، وشرحنا ما علل، وقد بينا عذر الأئمة عليهم السلام في تبيين أحكام أهل الجبر والتشبيه ومن نحا نحوهم من الفرق الكافرة، وذلك لغلبة فرق الضلالة وتحزبها على الذرية الطاهرة، بالمقال والفعال حتى أن فرق الجبر بخراسان وطبرستان كانت علماؤها تفتي بوجوب غزو الناصر عليه السلام كما تغزى الكفار. وقال في قصيدة له:
تداعى لحرب بني المصطفى ذوو الحشو منها ومراقها
فهذه أمور لا تخفى على متأمل.
وقد روينا عن أصحاب القاضي شمس الدين رحمه الله تعالى قبل أن يخطر ببالنا أنه يكون من نصر الله ما كان أنه كان يقول لأصحابه: بينوا كفر المطرفية، ولا تبينوا أحكام الكفر. وإنما الردة لا تكون إلا بيقين فذلك حق؛ لأنه لا يخرج من اليقين إلا بيقين، والإسلام هو الأصل في دار الإسلام فلا يجعلها دار حرب إلا بيقين لا لبس فيه؛ لأن أصول الحكام لا تبنى على الظنون، ونحن ندعي لأنفسنا أنا ما أجرينا الأحكام إلا على من علمنا ردته بالضرورة إما بالتطريف وإما بالجبر والقدر ومعنا على هذا الخلق الأكثر.
فإن قيل: يجوز أن يكون فيهم من لا يقول بذلك.(1/105)


قلنا: لا حكم في الشرع، لذلك فقد كان في مكة يوم الفتح بنص القرآن الكريم من يدين بدين الإسلام قال الله تعالى : ?وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا?[الفتح، 24، 25] فلم يمنع كون المؤمنين والمؤمنات (مع) كون دارهم دار حرب، فهذا على أبلغ التسليم وآكد الاحتجاج لمن نظر فيه، ولا نعلم في جهات الجبر والتشبيه ما هذه صفته يكون من المؤمنين فيه إلا ندراً، فأي حجة أبلغ مما هذا سبيله؟ وأي قول ساوى هذا الدليل دليله؟ فأطلقهم رسول اللهً وسماهم الطلقاء، واستثنى جماعة: نساء ورجالاً أمر بقتلهم ولو تحت ستر الكعبة، وأمر بقتل طائفة من بني بكر بن عبد مناة بقتلى بني كعب. وقد ورد في الحديث عن النبيً أنه قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى))، فرأينا الصحابة اجتمعت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم الأمة في عصرهم، بل خير الأمة على حرب المانع للصدقة والقضاء بردهم، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللهً حتى قال أبو بكر على المنبر: لا أفرق بينما جمع الله بينه -يريد الصلاة والزكاة- والله لو منعوني عناقاً أو قال: عقالاً مما أعطوا رسول اللهً لحاربتهم عليه. لأنهم قالوا نقيم الصلاة ولا نؤتي الزكاة، بل(1/106)

21 / 92
ع
En
A+
A-