ومنهم من رموا به من رؤوس الجبال، ومنهم من حرقوه بالنار، وكنا ذكرنا قتل الملوك ولم نذكر صورته، فكررنا ذكره للبيان وتحقيق الحال، لأن النظر النبوي يلزمنا إن مكن الله تعالى من أحد من أعيان ضلالتهم ورؤوس جهالتهم أن نقتلهم على هذه الصورة إن شاء الله تعالى، غضباً لدين جدنا، وحمية على شرع أبيناً فإن القوم استرقوه وغروا رجالاً كثيراً، ولبَّسوا عليهم أمرهم وفتنوهم عن دينهم، وصدّوهم عن ذرية نبيهم - صلى الله عليه وسلم وعلى الطيبين من آله - وساروا مع كل إمام قائم من يوم ظهور بدعتهم بأنهم يأتونه في أول ظهوره فيبايعوه ويظهرون اعتقاد إمامته حتى إذا طالت مدته رفضوه وأظهروا للعوام جواز معصيته، والخواص منهم وجوب البراءة منه، ونصب عداوته، وقالوا: قد كنا اعتقدنا وصدقنا إلى أن بدت لنا أشياء أنكرناها فتوقفنا تورعاً وديناً، فيصدقهم مثلهم ثم يعيبون عليه نحواً مما يفعلونه فإنهم - أخزاهم الله - ونحن نعلم من حالهم، ويعلمه من يعرف أحكامهم في عوشات كفرهم يُرَحِّلون من خالفهم في بعض أمرهم، وربما أحرقوا داره، ويعاقبون من لم يستمر في المعونة أو نقص شيئاً من شروطهم، ويغرمون كرهاً في المغارم التي تلزمهم، ويلزم بعضهم بعضاً الضيفة لمن يأتي إليهم والقِرَى على أنواعه، ولا ينكر بعضهم على بعض، ولا ينكرون على أنفسهم، فمتى فعل الإمام الذي له من الله تعالى ولاية عامة على كافة الأمة في النفوس والأموال والذي إليه النظر في المصالح والحمل عليها بالطوع والإكراه شيئاً من هذه الأمور، إما إكراه على ضيافة أو مغرم، أو ترحيل على خطيئة، أو خراب دار وعقوبة بمال، أنكروا عليه أشد الإنكار وقالوا: من أين يجوز له، وهذا كتاب الأحكام؛ وفيما سقت السماء العشر، وفي سقي الدوالي والنوازع نصف العشر، وفي الخمس من الإبل شاة، وعدوا الفرائض.(1/67)


قلنا: يا عدو الله وأعداء ذرية نبيه، فأنتم تجيئون إلى من لا يملك إلا دراعته فتلزموه شاة يذبحها لضيفانكم ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن في الدراعة شاة، ولا في خمس دراريع، ولا تؤمنون سبيلاً، ولا تقبحون ظالماً، ولا تنصفون مظلوماً، ولا تحمون ثغراً، ولا تذكرون ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منبر، وتعدون فعلكم ديناً وطاعةً وفعل الإمام ظلماً ومعصية؛ فأي الفريقين أحق بالأمن. وإنما أردنا أن نبين لمن أراد البيان من المسلمين ما يكون قائداً لهم إلى النجاة، وذائداً عن موارد المهلكين، وناهياً لهم عن مشايعة المعتدين، ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?[هود:88]، والحمد الله رب العالمين، والسلام على كافة من بلغه كتابنا هذا من المسلمين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلامه عليه وعليهم أجمعين، [وشرف وكرم].
تمت الرسالة الهادية بالأدلة البادية في بيان أحكام أهل الردة
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وهو حسبنا ونعم الوكيل(1/68)


كتاب الرسالة الموسومة بالدرة اليتيمة في تبيين أحكام السبا والغنيمة
تصنيف مولانا وما لكنا الإمام الأجل المنصور بالله عز وجل أمير المؤمنين عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي جواب مسائل وردت من ناحية قطابر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه أستعين، الحمد لله الذي نوّر قلوب العارفين [بنور] هدايته، وأسبل عليهم ستر رعايته، وجعل بدايتهم ما ينتهي إليه الجاهل من غايته، حمداً يستمري مزيد إحسانه، ويستدعي عوارف امتنانه، ولا إله إلا الله الشاهد له بالواحدنية أدلة استحقاق الكمال، والاختصاص بصفات الجلال، وصلى الله على محمد المبعوث من جرثومة الشرف العال، المتجلي بمكارم الخلال، وعلى آله خير آل.
أما بعد..(1/69)


[ تقديم ]
فإن المسائل التي أوردها السائل، وسأل أن يكون الجواب عن مسائله ما ورد عن الأئمة في مصنفاتهم دون السير النبوية، والأعمال الصحابية، فحمَّلنا أيده الله ما لا طاقة لنا به، ولم يأت البيت من بابه، لأن السير النبوية، والأعمال الصحابية هي الأصول في الفتاوى الشرعية، والأعمال الدينية، فحال هذا المسترشد في سؤاله كحال من يقول للدليل: أو صلني إلى بلد كذا وكذا، ولا تسلك بي طريقه، وهل صنف الأئمة عليهم السلام إلا ما بنوه على كتاب الله تعالى أو سنة رسول اللهً، وأعمال السلف رضوان الله عليهم مجتمعين؛ فيكون أصلاً لاحقاً بالأصول، أو مفترقين، فيكون مذهباً ودينا يفتقر إلى الترجيح والتعليل.
وأما ما حكاه عن الأئمة فلا بد من الكلام عليه، ولم يقع في كلامهم الذي ذكره أن من أظهر شيئاً من الكفر ودان به وتغلب عليه بحيث لا يقدر أحد من المسلمين على منعه، بل يمنع في أغلب الأحوال من إظهار خلافه، كان حكمه حكم المسلمين، وحكم دارهم حكم دار الإسلام فيكون حجة للسائل. ونحن نذكر ما ذكره شيئاً شيئا، ونتكلم عليه إن شاء الله تعالى بما تهيأ مع ضيق المجال لتراكم الأشغال، فمتى انفصل ذلك بينا وجه الدلالة على ما فصلناه وذكرناه، والذي ذكرناه هو علم إن لم يوجد فيما مضى من علوم الأئمة عليهم السلام ألحق بها، وحمد الله أهل [هذا] المذهب على ما من الله به عليهم واختصهم من كون الهداة الطيبين فيهم، وسعت علومهم، وتواتر ذلك [كذلك] بحيث يتعذر انقطاعه مع بقاء التكليف، وأكثر علوم الأئمة عليهم السلام وتصانيفهم كانت في أعصار وأمصار يعلم من يعلم صورة تلك الحال أنه لا يمكن لهم من إظهار كثير من أحكامهم عليهم السلام في أهل تلك الأمصار وتلك الأعصار، لأن علوم محمد بن عبد الله عليه السلام في أيام بني أمية ألحق الله بهم أمثالهم في الضلالة في الدمار والنكال.(1/70)


وبنو أمية دينها الجبر والقدر، وفي أيامها ظهر وانتشر؛ وباقي الأئمة عليهم السلام في أيام أشد من أيام بني أمية بكثير. هذه بنو عمنا بنو العباس دولتهم من سنة اثنين وثلاثين ومائة إلى يومنا هذا، لا شغل لهم إلا عداوة ذرية الرسولً، وسلالة البتول، ولا بدنا نذكر طرفاً مما نالهم وشيعتهم سلام الله عليهم وصلواته ورضوانه، ثم انتهوا في ذلك إلى غاية لم يسبقهم إليها أحد من أهل العداوة، وذلك أن الملقب بالمتوكل خرب قبر الحسين عليه السلام وحوله ستين جريباً وزرعها، ومنع زيارته أشد المنع، وولى ذلك اليهود، وأطلق لهم قتل من وجدوا زائراً من المسلمين، وهذا نرويه مسنداً ولا عون على ضلالتهم إلا أهل المذاهب الضالة. فهل كان من الرأي والعقل والعلم أن يظهروا في كتبهم وتصانيفهم ما لا قدرة لهم على فعله من الأحكام مما يكون ضرراً عليهم، وزيادة في كلب أهل الضلال على طلبهم بالعداوة؟ أو ليس نشر العلم من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط معلومة، ودون ما ذكرنا أكبر عذر في ترك ذلك؛ فإن قدر أحد منهم عليهم السلام بعض قدره فإنما هو في زاوية من الأرض وبإزائه من الجنود ما يقاومه ويظهر عليه في بعض الأحوال، وهو أحوج الناس إلى تخذيل أهل الضلال، وتشتيت أمرهم على كل حال؛ فلنبدأ بذكر محمد بن عبد الله عليه السلام وما ذكره صاحب السؤال ذكر عنه عليه السلام أن المرتدين إذا غلبوا على مدينة في دار الحرب وهم مرتدون ونساءهم وأولادهم وليس معهم غيرهم، ثم ظفر بهم الإمام، فإن أسلموا خلَّى سبيلهم، وإن أبوا الإسلام قتل من كان مدركاً، وغنمت ذراريهم.
قال المسترشد: فجعل ذلك مشروطاً بدار الحرب، ومثل قول الإمام عليه السلام والمسترشد في هذه المسألة قولنا سواء سواء، ولكن لابد أن نعرف نحن وإياه دار الحرب.(1/71)

14 / 92
ع
En
A+
A-