والجواب: إن هذه دعوى غير صحيحة بل كذبة صريحة. لأن مذهبهم معروف، وهو أن الفرقة الناجية هم آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن معهم في دينهم، فكيف يقولون: إن الفرقة الناجية أهل صعدة ومن تبعهم، ومثل هذه الكذبة كذبة أخرى أشنع منها، كذبتها يا مقبل عليهم حيث قلت: « وأهل صعدة ينادون الهادي » رمياً لهم بالشرك، وأنت تعرف أهل صعدة. فمتى سمعتهم ينادون الهادي ؟ ومن سمعت منهم إن لم تكن سمعتهم كلهم ؟ ـ لقد دخلنا صعدة مراراً وزرنا الهادي مراراً، ولم نسمع أحداً يناديه لا في قبّته ولا في سائر صعدة، ولو كانت هذه عادتهم لظهرت لكل من دخل صعدة. وهذا جواب موجّه إلى غيرك، فأما أنت فإنك كما كذبت الكذبة الأولى والثانية على أهل صعدة، لا تعجز أن تزيد كذبة وكذبات ] قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر [(1)[31]).
ثم قال مقبل في ( ص 10 ): « وإنما قلت هذا لأنهم ( أي أهل صعدة ) لا يثقون بعلماء صنعاء وعلماء الحجاز ولا الهند وباكستان ».
الجواب: هذا تدليس إن أراد أنهم لا يثقون بالكل، لأنه يوهم أنهم لا يثقون بأحد من أهل صنعاء....، وإن أراد أنهم لا يثقون بأحد من أهل صنعاء ولا من علماء الحجاز فهذا كذب من الكذب الأول، ولولا علمنا أنه تعمد الكذب عليهم لما تجاسرنا على رميه بالكذب تصريحاً، لأنّا لا نحب التكذيب لمن أخطأ ولم يتعمد الكذب.

الاصطلاح في معنى ( السيد )
قال مقبل في ( ص 10 ): « أما قوله السيد، فإن السيد في اللغة من ساد قومه، وليس لعلي ( أي ابن هادي الصيلمي ) سيادة على قومه ».
__________
(1) 31]) سورة آل عمران: الآية 118.(1/41)

والجواب: إن الرجل تكلم بلغته العرفية ولا حجر في اللغة، وكلامه محمول على لغته. فإذا كان السيد في عرفه اسماً لمن كان من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حُمل كلامه على هذا المعنى لا على المعنى اللغوي، ولا إشكال أنه عرف بلده إذا قالوا: يا سيد أو يا سيدي فُهم منه هذا، وهم يقولون سؤالاً: أنت سيد أو فقيه ؟ فالسيد عندهم من ذكرنا، والفقيه من كان من بيت علم وليس من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقولون له: فقيه، ويقولون له: سيدنا ـ بتخفيف الياء ـ والمقصود أنه فقيه ـ أي من بيت علم ـ وهذا المعنى معروف عندهم وعند مقبل، لكن في نفسه شيء ] قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر [(1)[32]).
قال مقبل: ولم يرد دليل يحتم علينا أن نقول للفاطمي: يا سيدي أو يا سيد، بل قرأت في سيرة الهادي(رحمه الله): « السيد: الله » فكيف بمن غضب إذ ( كذا ) لم يقل له: يا سيدي وليست له من السيادة شيء ؟
__________
(1) 32]) سورة آل عمران: الآية 118.(1/42)

والجواب: أما الدليل، فإن اسم السيد في عرف هذه الأقطار قد صار لقباً لمن كان من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عبارة عن ذلك، فقول القائل: يا سيدي أو يا سيد إقرار بهذا وتشريف له بالنسبة، فهو كما يقال في غير هذه البلاد: يا شريف. وهذا من الأدب وحسن الحوار والإحسان والله تعالى يقول: ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان [(1)[33]) فهو عدل من حيث الإقرار بالحق، وإحسان من حيث التشريف بالنسبة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). ولأجل هذا العرف في البلد قد صار تركه سبباً لاتهام من ترك هذا الاسم بأن في نفسه شيئاً للسيد، فأما من جادل عن ذلك وغالط فالتهمة أعظم. وأما كلام الهادي فهو في السيد بالمعنى الأصلي، لأنه متقدم قبل العرف، ولهذا لما أجابه القائل له أليس الله يقول: ] وسيداً وحصوراً [(2)[34]) ؟ قال: نعم، ولكني لا أحب أن يقال لي هذا.

رمي مقبل للشيعة بالابتداع والحقد
قال مقبل في ( 12 ): « تقدم أن قلنا: إن هذه الفتوى ليست صادرة عن علماء ـ إلى أن قال ـ: ولا سيما وهي صادرة من قوم حاقدين على أهل السنة وعلى كتب السنة ».
والجواب: هذا كذب من مقبل على خصومه، فلا يقبل.
ثم قال: والصراع قديم بين أهل السنة والشيعة المبتدعة.
__________
(1) 33]) سورة النحل: الآية 90.
(2) 34]) سورة آل عمران: الآية 39.(1/43)

والجواب: هذا تعريض بأن أهل الفتوى ـ الذين رماهم بالجهل والحقد على السنة وكتب السنة ـ مبتدعة، وهي دعوى عليهم بل كذبة متعمدة، لأنه يعلم أن لهم حججاً من الكتاب والسنّة يعتمدونها ويعتقدون صحّة الاحتجاج بها، ومن كان كذلك لا يسمى في العرف مبتدعاً، سواء كان مصيباً في نظر غيره أم مخطئاً، لأن الله تعالى يقول: ] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [(1)[35]). فهو على فرض أنه أخطأ في اجتهاده لا يستحق الذم والتهمة بالبدعة، وإلا كان له أن يقول في خصمه: إنه مبتدع، لأنه عنده مخالف للسنة، وهذا واضح وعليه عمل العلماء. فقول مقبل في خصومه ذلك القول انقياد للهوى وعصبية للمذهب، وكذب واضح وخرق فاضح.
وقوله: والصراع قديم بين أهل السنّة والشيعة... الخ.
لا إشكال أن الصراع قديم بين أهل البيت والنواصب من بني أمية ومن تبعهم، والخوارج ومن سلك طريقهم. ولكثرتهم وكون الدنيا كانت مع بني أمية، وأكثر الناس عبيد الدنيا وخدم السياسة، كان الأكثر ضد أهل البيت وشيعتهم، كما لا يخفى على من عرف التاريخ. ولذلك قال بعض أهل البيت:
لقد مال الأنام معاً علينا***كأن خروجنا من خلف ردم
ثم قال مقبل: « وبحمد الله لم يزل الشيعة مقهورين ».
فالجواب: إن هذا رضي بما فعل الظالمون من بني أمية وغيرهم، فهو مشارك لهم في ظلم الشيعة ] وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [(2)[36]).
ثم قال في ( ص 13 ): « لأنهم ـ أي الشيعة ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أجهل الناس... » الخ.
__________
(1) 35]) سورة الأحزاب: الآية 5.
(2) 36]) سورة الشعراء: الآية 227.(1/44)

والجواب: إن هذه دعوى منه ومن إمامه ابن تيمية خصم الشيعة، ولا يقبل منه ذم خصومه، مع أنه قد مدح الزيدية بالنسبة إلى بقية الشيعة، وهو خصم الجميع حيث قال في منهاجه ( ص 67 ): « فالزيدية خير من الرافضة، أعلم وأصدق وأشجع... ». وقد بسطت في هذا البحث في أول كتابي « الإجادة » أحد الأجوبة على الباز.
ثم قال مقبل في ( ص 13 ): « وأقبض الفتوى بيدي، فإن الشيعة تستعمل التقية، فبعد أيام إن شاء الله تقوى شوكة أهل السنة، ويقول هؤلاء المفتون ما قلنا، فإنهم يتلونون، فقد قرأت في بعض كتبهم أنهم إذا صلّوا مع من يؤمّن وخافوا على أنفسهم يقولون: ( آمِّين ) بتشديد الميم ».
والجواب: إن هذا الكلام يفهم منه أنها ستنقلب الحال في البلاد، حتى يخاف علماؤها ويضطرون إلى جحد تلك الفتوى. وهذا شبه إقرار من مقبل بأنه يؤمل في ثورة وهّابية تجتاح اليمن أوّلاً، ويسود فيها المذهب الوهّابي على أصله، حتى لا يسمح لأهل بلد بحرية المذهب.
وإنما يؤمل أن يكون هذا إذا قامت ثورة على غرار ثورة الحرم، تعيب على السعودية بعض التساهل فضلاً عن غيرها، وعند استحكام الثورة التي يحلم بها مقبل ـ كما يشعر به كلامه ـ يتم مرامه الذي أشار إليه بزعمه.

سلسلة الكذب على الزيدية ( التلون )
وأما قوله: « فإنهم يتلونون » فهي كذبة عليهم كما سبق من كذباته بل هم يثبتون على دينهم ثبات جد وعقيدة، وليسوا من أهل التلوّن مع الأهواء والأغراض، إنما هذا شأن أهل السياسة الدنيوية، وعبيد الدنيا المتقرّبين إلى أهلها.
ثم قول مقبل محتجّاً لما سبق في ( ص 13 ): « فقد قرأت في بعض كتبهم أنهم إذا صلّوا مع من يؤمّن وخافوا على أنفسهم يقولون: آمّين ـ بتشديد الميم ـ ».(1/45)

9 / 58
ع
En
A+
A-