وكذلك متابعة محمد بن شعيب، عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة، فذكر الحديث. وأما قوله فكيف يقدح في رواية الوليد وقد صرح بالسماع، أي سماع إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس كما عند مسلم ؟
والجواب: إن هذه رواية الأوزاعي من غير طريق قتادة، وفيها تصريح بالسماع ولكن ليس فيها تصريح بالمسموع، وهو يحتمل أن المسموع أصل الحديث وهو قوله: فكانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. فقد رأيناهم يخرجون حديثاً بحديث آخر كما بيّناه. وذلك منهم بناء على أن اللفظ سواء.
وقد أفاد البيهقي في السنن ( ج2 ص51 ) أن رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وأفاد هذا الطحاوي في معاني الآثار ( ج 1 ص 203 ) ولم يذكر عنه لفظاً غيره مع شدة حرصه على منع الجهر بها، فظهر أن الذي صرح الوليد فيه بسماع الأوزاعي هو لفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ لا غير، وعلى هذا لم يصح جواب مقبل لنفي التدليس وإنما هو لجوء إلى تدليس آخر، وإضافة تدليس إلى تدليس زيادة في التلبيس.
قال مقبل: وصرح قتادة بالسماع عن أنس كما عند عبدالله بن أحمد وأبي داود الطيالسي وغيرهما.(1/281)

والجواب: إن هذه في إثبات سماع قتادة من أنس، وقد مر الجواب عنها في النوع السابع والنزاع في حذف الواسطة بين الأوزاعي وقتادة، وأما قوله: « كما عند عبدالله بن أحمد » فهو رقم ( 4 ) في أحاديث الباب، ولفظه: عبدالله بن أحمد في زوائد المسند، حدّثنا أبو عبدالله السلمي، حدّثنا أبو داود ـ وهو الطيالسي ـ عن شعبة. وهذه الرواية لم تثبت، لأن أبا داود هنا إن صحت الرواية عنه وفيها إشكال فإني لم أدر من هو أبو عبدالله السلمي، فإن صحت روايته عن أبي داود فلعل أبا داود رواه من حفظه فغلط فيه، لأنه فيه قد خالف روايته التي في كتابه، والمكتوبة أقوى لما مرّ من أنه كثير الخطأ، ولأن روايته التي في كتابه هي الموافقة لرواية الجمهور كما قدمناه، فلم تثبت متابعة في نفي البسملة من هذه الطريق، ولا إثبات سماع قتادة من أنس للفظ النفي لذكر ] بسم الله الرحمن الرحيم [ الذي هو مطلوب مقبل هنا ليحصل متابعة للوليد بن مسلم.
وقد أوهم مقبل بقوله: « وأبي داود الطيالسي » أن في مسنده مثل ما رواه عبدالله بن أحمد عنه، وليس كذلك إنما فيه في ( ص 266 ): حدّثنا شعبة قال: أخبرنا قتادة، عن أنس قال: قلت له: أنت سمعته منه ؟ قال: نعم نحن سألناه عن ذلك قال: صلّيت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. انتهى.
قال مقبل: ( 4 ): الكتابة إما أن تكون مقترنة بالإجازة أو مجرّدة عنها. فالمقرونة كالمناولة، والمجردة منع الرواية بها قوم وأجازها كثيرون في المتقدمين والمتأخرين وهو الصحيح المشهور. انتهى مختصراً من تقريب النووي، فعلى هذا ليست بقادحة.(1/282)

والجواب، وبالله التوفيق: إن هذا الكلام إنما هو في اعتماد خط من تروي عنه وتعرف خطه، فتروي عنه اعتماداً على خطّه وعلى معرفتك للخط أنه خطه، ولا ننازع في جواز الرواية مع الوثوق بأنه خطّه. وإنما النزاع في قبول الرواية مع احتمال أنه لم يعرف الخط معرفة تامة وأنه كتب له خط قريب من خطّه فظنّه خطه. واحتمال أنه لم يعرف الخط أصلاً أنه خطّه وإنما أخبره الرسول أنه خطه فوثق به فرواه اعتماداً على خبر الرسول لا على معرفة الخط. وحينئذ يكون الرسول واسطة في السند فإذا حذف كان السند منقطعاً. أما مسألة قول الأوزاعي: « كتب إلي قتادة » فلا بد أن الكاتب غيره ولم يذكر الكاتب ولا الرسول، فقد انقطع السند بلا إشكال.
قال مقبل: على أنه جاء من طريق إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة وليس فيه مكاتبة.
والجواب: هذا لا يتعين فيه إلا أصل الحديث، وهو حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ كما قدمنا، لأن مسلماً لم يذكر لفظ الحديث في سند إسحاق كما مر، وقد ذكره البيهقي والطحاوي بلفظ يستفتحون كما مر ليس فيه زيادة: لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [.
قال مقبل: ( 5 ): جهالة الكاتب لأن قتادة ولد أكمه فهي تصلح أن تكون علة للحديث. لكن الحديث له طرق أخرى عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة عن أنس، وله شواهد تقدم أكثرها، ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توبع كما ذكره الحافظ في الفتح.
والجواب: قد ظهر مما مرّ جواب هذا وذلك في الجواب عن النوع السابع ومما مر قريباً.
قال مقبل: ( 6 ): الاضطراب في لفظه كما نقل عن ابن عبد البر، والاضطراب هنا غير مؤثر في الحديث لأنه يشترط في الاضطراب أن تكون الطرق متكافئة في القوة وليس كذلك.(1/283)

الجواب: إن الروايات التي بغير لفظ رواية: لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [ أقوى وأقرب للرواية المشهورة الأصلية التي هي رواية الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وكونه ليس اضطراباً لا يفيد لأنه أشد من الاضطراب بالنسبة إلى اللفظ الغريب.
قال مقبل: بل أصح الطرق ما أخرجه البخاري: كانوا يستفتحون القرآن ( كذا ) بـ ] الحمد لله رب العالمين [. قال هذا البيهقي وغيره.
والجواب: إذا كانت أصح الروايات سنداً وأشهرها فلم لا تجعل هي الأصل وترد بقية الروايات إليها ؟
قال مقبل: ويشترط أيضاً في الاضطراب أن لا يمكن الجمع وهنا يمكن الجمع هو أنه من نفى فالمراد به السماع أي أنه لم يسمع ونفي السماع لا ينفي السر بها.
والجواب: إنه لا ينفي السر ولا الجهر إلا إذا أثبت أنه لو جهر لسمع، ولم يثبت في عدم سماع أنس من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). قلنا: ونفي السماع يحمل على أن الراوي ظن قوله: كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عبارة عن عدم البسملة ثم تأوله على عدم السماع للبسملة بناء على أنه العمدة في نفيها فعبر بنفي السماع، والأصل الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ إلا أنه غلط في فهمه، وبعض الرواة لا يبعد أنه تعمد التغيير تعصباً في بعض الألفاظ.
قال مقبل: والجمع أولى مهما أمكن من إهدار بعض الروايات.
والجواب: قد أمكن الجمع بما ذكرنا، مع أن هذه القاعدة تكون إذا صحت الروايات كلها، والظاهر أن ما خالف الرواية المشهورة هنا يعتبر غلطاً من الراوي وأنه معل بذلك لشذوذه أو نكارته، وأما الجمع بين الروايات فهي في الأحاديث المتعددة إذا تعارضت مع صحتها، فأما الحديث الواحد فإنه يعتبر من ألفاظه اللفظ المحفوظ بدون تأويل من أجل روايته المخالفة. بل تأوّل الرواية المخالفة الضعيفة وترد هي إلى الرواية المحفوظة.(1/284)

قال مقبل: ( 7 ): الإدراج، الأصل عدم الإدراج حتى تقوم بيّنة على الإدراج.
والجواب: إنها تكفي القرينة التي بها يعرف الإدراج ويحصل الظن به، وهذه الرواية التي فيها لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ قد قامت فيها قرينة الإدراج، وهي عدم هذه اللفظة في الروايات التي وافقها الراوي لهذا وهي الخمس عشرة الرواية التي بلفظ كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وقد ذكرتها في النوع الأول من السبعة الأنواع، فلما كان اللفظ فيه واللفظ في الحديث الذي زاد فيه لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ كله بلفظ كانوا يفتتحون، ولم توجد هذه الزيادة أعني ـ لا يذكرون.... ـ إلا في رواية الأوزاعي عن قتادة. فزيادتها بهذه الصورة قرينة الإدراج وأنها خرجت مخرج التفسير من الأوزاعي أو من كاتب قتادة، وليست من أصل الحديث لكثرة رواته بهذا اللفظ، لفظ الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ بدون الزيادة. وهذا واضح في الدلالة على أن الزيادة ليست من الحديث.
قال مقبل: كيف وقد قامت البيّنة على أنها ليست مدرجة وشواهد هذه الجملة ـ وهي كانوا لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ـ كثيرة.
والجواب: إنها لم تقم بيّنة كما زعم، لأنه لا يخرج هذه الزيادة عن الإدراج إلا لو كانت في روايات الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ أو في عدد منها مختلف المصادر، فأما مع كونها لا توجد في مصدر واحد فالظاهر الإدراج لمخالفة الروايات الثابتة الكثيرة المختلفة المصادر التي جاءت بخمسة عشر سنداً. وأما وجود رواية أخرى مستقلة لا بصورة هذه الزيادة فذلك لا يخرجها عن الإدراج.(1/285)

57 / 58
ع
En
A+
A-