النوع الخامس: رواية واحدة وهي أيضاً مخالفة لسائر الروايات وهي في كتاب مقبل رقم ( 22 ) نسبها لابن خزيمة: حدّثنا أحمد بن شريح الرازي، حدّثنا سويد بن عبد العزيز، حدّثنا عمران القصير، عن الحسن، عن أنس بن مالك: « أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يسرّ بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ في الصلاة وأبو بكر ». فصرح بالإسرار خلافاً لكافة روايات أنس، ولعل الآفة فيه من سويد ابن عبد العزيز، فقد ذكره في « تهذيب التهذيب » وذكر فيه كلاماً طويلاً فيه: قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: متروك الحديث، وفيه قال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء. وفيه: وقال البخاري: في حديثه مناكير أنكرها أحمد، وقال مرة: فيه نظر لا يحتمل. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مرة: ضعيف. انتهى المراد. مع أن الرجل دمشقي كما في « تهذيب التهذيب » فهم غير متهمين فيه. وهو متهم في هذه الرواية لمناسبتها مذهب أهل دمشق.
النوع السادس: رواية واحدة وهي في كتاب مقبل رقم ( 13 ) ونسبها إلى أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا الأوزاعي قال: كتب إليّ قتادة، حدّثني أنس ابن مالك قال: صلّيت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [.
والجواب: إن قتادة لم يكن يكتب لأنه ولد أكمه كما ذكره مقبل في ( ص 78 ) ولم يذكر الكاتب، فالسند منقطع ولا يبعد أنه غير ثقة، مع أنه الزيادة هذه ـ أعني قوله: لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ـ زيادة منكرة لتفرده بها ومخالفته الرواية التي جاءت من خمسة عشر طريقاً، وتقدم ذكرها في النوع الأول.(1/266)

وأما قول مقبل: لكن الحديث له طرق أخرى عن الأوزاعي عن إسحاق ابن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس، وله شواهد تقدم ذكر أكثرها، ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توسع على ذلك كما ذكره الحافظ في الفتح.
فالجواب: إن الطريقة الأخرى إن كانت صحيحة متصلة فكانت أحق بإيرادها في الاحتجاج، وإلا فلا معنى للإحالة على مجهول. وكذا قوله: « له شواهد تقدم أكثرها » لم يتقدم شيء بالزيادة المذكورة في آخره أعني قوله: لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [. فقوله: له شواهد. إن أراد بالزيادة المذكورة فلا نسلم وإن أراد بدونها فهو تدليس، وهو الظاهر، لأنه قال: تقدم أكثرها. والذي تقدم ليس فيه الزيادة. فقد دلس بإيهام أن له شواهد بالزيادة التي في آخره ـ أي لا يذكرون... الخ ـ ويحتمل أنه أراد له شواهد معنوية ويعني بالذي تقدم النوع السابع، لأنه بمعنى النوع السادس.
وقوله: ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توبع عليه الكلام فيه كذلك.
والذي في صحيح مسلم: عن الأوزاعي، أخبرني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك. فقال: يذكر ذلك. وهي عبارة محتملة لقصد أصل الحديث دون الزيادة.
النوع السابع: روايتان، إحداهما في كتاب مقبل رقم ( 4 ) والثانية رقم ( 16 ). أما رواية رقم ( 4 ) فهي هكذا: عبدالله في زوائد المسند، حدّثنا أبو عبدالله السلمي، حدّثنا أبو داود، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس ؟ قال: نعم نحن سألناه عنه. ثم قال مقبل: الحديث أخرجه مسلم ( ج4 ص111 ).(1/267)

وأما رقم ( 16 ) فهو هكذا: مالك في الموطأ مرسلاً(1)[147]) أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إذا افتتح الصلاة، وهذا في الموطأ ( ج 1 ص 45 ) ولكنه أسنده الطحاوي في شرح معاني الآثار ( ج 1 ص 202 ) عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر... الخ. وهو من طريق ابن وهب، ولم يذكر عقيب هذا: قال حميد. وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بل روى بسند آخر ولم يذكر لفظ الحديث بل قال: فذكر نحوه وهذا قال فيه: ويرى حميد أنه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا تدليس يوهم أنه في لفظ مالك وليس فيه إنما هو في لفظ يستفتحون... الخ، كما بيّنه ابن أبي شيبة.
والذي رواه البيهقي ( ج 1 ص 52 ) ليس فيه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في لفظ رواية مالك بل رواه عن حميد، عن أنس بلفظ: فكانوا يفتتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ثم قال: هكذا رواية الجماعة عن حميد، وذكر بعضهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غير أنهم ذكروه بلفظ الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
فظهر أن من أورده ـ عقيب لفظ ابن وهب ـ عن مالك فقد دلس ( ج 1 ص 102 ) عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر فكلهم كان لا يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إذا افتتح الصلاة.
__________
(1) 147]) قد بحثت فيه فلم أجده إنما فيه عن أنس.(1/268)

ثم قال مقبل: الحديث أخرجه ابن أبي شيبة ( ج 1 ص 410 ) فقال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا حميد لم يذكره بلفظ الموطأ، بل لفظه: عن حميد، عن أنس أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [، قال حميد: وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ولعل هذا الأصل لأنها مسندة وهي الموافقة لمعظم الروايات فذكره، وفيه: فكانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ـ قال حميد: هذا تدليس فلم يثبت عن حميد أنه قال ذلك في لفظ: « كانوا يستفتحون... » وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وزاد مقبل نحوه عن الطحاوي والبيهقي، ثم روى عن حميد، عن أنس بلفظ: كنت صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
قال مقبل: وهكذا رواه الجماعة، ثم رجح أن رواية حميد بلفظ: فكانوا يفتتحون بالحمد لله.
والجواب: أن الرواية الأولى من طريق أبي داود الطيالسي، وقد ذكروا أنه كثير الغلط.(1/269)

قال في « تهذيب التهذيب » في ترجمته: واسمه سليمان بن داود، وقال أبو مسعود: ما رأيت أحداً أكثر في شعبة منه، قال: وسألت أحمد عنه فقال: ثقة صدوق، فقلت: إنه يخطئ فقال: يحتمل له، ثم قال: وقال إبراهيم الجوهري: أخطأ أبو داود في ألف حديث. إلى أن قال: عن عمرو بن علي وله ـ أي لأبي داود ـ أحاديث يرفعها وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من حفظه، ثم قال ابن حجر: وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما غلط، إلى أن قال ابن حجر: قال عبد الرحمن: وسمعت أبي يقول: أبو داود محدث صدوق، كان كثير الخطأ، إلى أن قال: وقال الخليلي: حدّثنا محمد ابن إسحاق الكسائي، سمعت أبي سمعت، يونس بن حبيب قال: قدم علينا أبو داود وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ في سبعين موضعاً. انتهى المراد.(1/270)

54 / 58
ع
En
A+
A-