وقال في « الميزان » في ترجمة إبراهيم بن يوسف الباهلي: وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: لا يشتغل به. قال الذهبي: هذا تحامل لأجل الإرجاء الذي فيه. انتهى المراد.
وأما نصر بن مزاحم، فقال فيه البخاري في التاريخ الكبير ( ج 8 ص 105 ): نصر بن مزاحم المنقري سكن بغداد، روى عنه أبو الصلت وابن الرماح. انتهى. ولم يذكره بجرح ولا تضعيف.
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد ( ج 3 ص 282 ) فذكر عنه حديثاً في الخوارج عن علي(عليه السلام). ثم روى الخطيب فقال: أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: نصر بن مزاحم المنقري سكن بغداد، عداده في الكوفيين، ثم روى بإسناده عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: نصر بن مزاحم العطار كان زائغاً عن الحق مائلاً. قال الخطيب: أراد بذلك غلوه في الرفض. ثم روى بإسناده عن صالح بن محمد: نصر بن مزاحم، روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، ثم قال: حدّثني أحمد بن محمد الغزال، أخبرنا محمد بن جعفر الشروطي، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ قال: نصر بن مزاحم غال في مذهبه، غير محمود في حديثه. ثم روى بإسناده عن محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي قال: سنة اثنتي عشرة ومائتين فيها مات نصر بن مزاحم المنقري. انتهى.
قلت: الجوزجاني مجروح في نفسه متّهم في الشيعة، قال الذهبي في ميزانه في ترجمة الجوزجاني: قال ابن عدي في ترجمة إسماعيل بن أبان الوراق ـ لما قال فيه الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق ولم يكن يكذب ـ: الجوزجاني كان مقيماً بدمشق يحدث على المنبر وكان أحمد يكاتبه، فيتقوى بكتابته ويقرؤه على المنبر، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي(رضي الله عنه). فقوله في إسماعيل: « مائل عن الحق » يريد ما عليه الكوفيون من التشيع. انتهى المراد.(1/251)
قلت: فكذلك قوله في نصر بن مزاحم وسائر الشيعة الذين يرميهم بالزيغ، فلا يلتفت إليه ولا يعمل بقوله في جرح شيعي ولا توثيق عثماني. ومن العجب أن يتخذه القوم إماماً في الجرح والتعديل، وهو مبتدع داعية إلى مذهبه، قد ظهر ذلك بكثرة جرحه للشيعة وتحامله عليهم. فلا يقبل جرحهم للشيعة وتوثيقهم للنواصب، فكلام الذهبي في نصر بن مزاحم وقوله فيه: « رافضي جلد تركوه » غير مقبول، لأن الذهبي قال في الجوزجاني: « أحد أئمة الجرح والتعديل » فلعله أخذ الكلام في نصر من إمام الذهبي الجوزجاني، وكذلك قول الخطيب ـ يعني غلوه في الرفض ـ غير مقبول، لأنه مرسل، ولعله فهمه من قصد الجوزجاني واتبعه فيه، وقول الذهبي: « تركوه ». معارض بقوله: « حدث عنه نوح بن حبيب وأبو سعيد الأشج وجماعة » قال الذهبي: قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير.
قلنا: أما إنه شيعي فصحيح هو من الزيدية كما مر، وأما إن في حديثه اضطراباً وخطأ كثيراً، فلو كان ذلك مما يصلح أن يقال على مذهبكم لكان الجوزجاني أولى به ولم يذكره لا هو ولا البخاري. وأما أبو حاتم فقد رماه الذهبي بالتحامل كما مر، ولعله أراد بحديثه ما رواه عن الضعفاء، ولكنه لم يذكر ذلك تحاملاً على نصر وحرصاً على جرحه. وقد مر من طريق الخطيب عن صالح بن محمد: روى عن الضعفاء أحاديث مناكير.
قلت: فالحمل على الضعفاء، ولا يجرح فيه ذلك لأنه يكون الخلاف في المناكير ما هي، كما فصّلناه سابقاً، وعلى هذا يحمل قول أبي خيثمة وأبي الفتح الأزدي محمد بن الحسين، مع أن في أبي الفتح وهو الأزدي كلام في الميزان فقال فيه في ترجمة أبان بن إسحاق: أبو الفتح يسرف في الجرح وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى وجرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم وهو متكلم فيه.(1/252)
وقال فيه في ترجمته: « ضعفه البرقاني ». وقال أبو النجيب عبد الغفار الأرموي: « رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح ولا يعدونه شيئاً ». وقال الخطيب: « في حديثه ـ أي الأزدي ـ مناكير » هذا آخر ترجمة أبي الفتح. انتهى.
قلت: والخطيب متهم بالتحامل على نصر، حيث أورد في ترجمته كلام الجوزجاني وكلام أبي الفتح الأزدي، وهو يعرف أنه لا يعمل بذلك، وكذلك تجد الذهبي يفعل، فاحذر القوم واتهمهم.
هذا، والروايات في القنوت في غير المجموع من كتب الزيدية، وقد جود البحث فيه الإمام القاسم بن محمد في « الاعتصام » وفي أمالي أحمد بن عيسى روايات كثيرة منها رواية المجموع عن علي(عليه السلام)وهي مطبوعة منشورة والحمد لله.
وإذ قد صح للزيدية على أصلهم فلا يضرهم أنه لم يصح لمقبل المقلد لابن القيم، والمسألة فيها روايات كثيرة مختلفة ولكن تختلف الأنظار فيها تبعاً للخلاف في الجرح والتعديل والمرجحات الأخرى، ومن طالع سنن البيهقي عرف هذا.
بحث في [ بسم الله الرحمن الرحيم ]
قال مقبل في [ بسم الله الرحمن الرحيم ]: وقد بدأت بجمع طرق حديث شعبة ـ أي عن قتادة ـ عن أنس ثم أتى ببقية الطرق عن أنس.
فأورد رقم ( 1 ) بلفظ: كانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 6 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 7 ) وأورد رقم ( 8 ) بلفظ: « كانوا يفتتحون بالحمد لله ».
وأورد رقم ( 9 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 10 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير بـ ] الحمد لله رب العالمين [ في الصلاة.
وأورد رقم ( 11 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وكذا رقم ( 12 ) ورقم ( 17 ).(1/253)
وأورد رقم ( 18 ) بلفظ: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 19 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 20 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله.
ورقم ( 21 ) بلفظ: فكانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 24 ) بلفظ: يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 25 ) بلفظ: يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وجملة ما احتج به ( 26 ) رواية. فهذه التي ذكرناها خمسة عشر سنداً عن أنس كلها لا دلالة فيها على مطلوب مقبل. لأن ] الحمد لله رب العالمين [ اسم للفاتحة فمعناه أنهم كانوا يبدؤون بها، وهذا واضح وعليه عادة المسلمين أنهم يبدؤون في القراءة بفاتحة الكتاب ثم يقرؤون بعدها ما شاءوا من القرآن.
أما تسمية الفاتحة ] الحمد لله رب العالمين [ فواضح. ويقال: الحمد لله، والحمد كما يقال: ] ق والقرآن المجيد [ للسورة. و ] قل هو الله أحد [للسورة.
وقد استعمل بعض هذا مقبل، فقال في الرياض ( 43 ): وأين الدليل على أنه يفصل بين التكبيرتين في صلاة الكسوف بالحمد لله مرّة ؟ الخ، ـ أي بالفاتحة مرة ـ وقال هناك في صلاة الجنازة ـ وبعد الثالثة ـ ] بقل أعوذ برب الفلق [ أي بالسورة.
وفي مجموع زيد بن علي(عليه السلام): « كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوتر بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، يقرأ في الأولى: ] سبّح اسم ربك الأعلى [ وفي الثانية: ] قل يا أيها الكافرون [ وفي الثالثة: ] قل هو الله أحد [ والمعوذتين. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة، وصححه على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي وقال فيه: وفي الثالثة: ] قل هو الله أحد [ و ] قل أعوذ برب الفلق [ و ] قل أعوذ برب الناس [.(1/254)
وفي صحيح البخاري ( ج 1 ص 173 ) في حديث: « يا معاذ، أفتان أنت ؟ وفلولا صلّيت بـ ] سبّحِ اسمَ ربّك الأعلى [ و ] الشمس وضحاها [ و ] الليل إذا يغشى [.
وفيه ( ج 1 ص 185 ): إن أم الفضل سمعته يقرأ: ] والمرسلات عرفاً [وفي ( ص 186 ): صلّيت مع أبي هريرة العتمة فقرأ: ] إذا السّماءُ انشقّت [ وفيه هناك: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقرأ: ] والتين والزيتون [ في العشاء. وفيه في ( ج 5 ص 222 ) في باب قوله: ] ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم [(1)[145]) في حديث ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فذهب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليخرج فذكرته فقال: ] الحمد لله رب العالمين [هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. انتهى.
وذكره عند ذكر سورة الأنفال في هذا الجزء أعني ( ج 5 ص 199 ) وذكره في أول كتاب تفسير القرآن في باب: ما جاء في فاتحة الكتاب من هذا الجزء ( ص 146 ).
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ( ج 2 ص 45 ) بسنده عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « أنه كان يقول ] الحمد لله رب العالمين [ سبع آيات ».
وروى البيهقي في ( ج 2 ص 51 ) حديث: يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عن أنس، ثم قال: زاد أبو عبدالله وأبو سعيد في روايتهما.
قال الشافعي ـ يعني يبدأون بقراءة أم الكتاب قبل ما يُقرأ بعدها، والله أعلم. ولا يعني أنهم يتركون ] بسم الله الرحمن الرحيم [. انتهى.
وذكر في حاشية التركماني اعتراضاً أن سورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني ] الحمد لله رب العالمين [ بل تسمى بـ « الحمد ».
__________
(1) 145]) سورة الحجر: الآية 87.(1/255)