والجواب: إنه لما قال: حديث « إن في الصلاة شغل » كان تكلم بلغته العادية ولا حرج في أن يتكلم الإنسان بلغته التي يعتادها. وكذلك إذا أخطأ في التعبير، فقد قال الله تعالى: ] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [(1)[139]) وإذا كانت هذه الغلطة تدل على حرمانه بركة العلم ففي كتاب مقبل غلطات كثيرة، فيلزمه إن كانت من عنده أنه قد حرم بركة العلم، وفاته الفرقان المذكور في قول الله تعالى: ] يجعل لكم فرقاناً [ وأزاغ الله قلبه. فإن هذه المصائب إذا كانت تنزلت فيمن غلط غلطة واحدة على فرض أنها غلطة، فما بال من غلط غلطات كثيرة ؟ ولعله يتخلص السيد علي بن هادي من هذه المصيبة بأنه تكلم بلغة بلده في الوقف على المنصوب بدون ألف، وهي لغة ربيعة، فلم يدل ذلك على أنه نسي أن «إنّ» تنصب الاسم. وبذلك فسد الدليل على حرمانه بركة العلم وعلى فوت الفرقان، وعلى أن الله أزاغ قلبه حتى أهمل «إنَّ» ولم ينصب بها الاسم، والحمد لله رب العالمين.
بحث في ذكر الغضب لغضب فاطمة(عليها السلام)
قال مقبل: أتظن أنني قد نسيت ما كنت تردّد عن بعض أئمتك كلامهم الباطل: « لنا أم معصومة ماتت وهي غاضبة عليهم فنحن نغضب لغضبها » ؟
والجواب: لم تحقق وجه البطلان، فإن أردت أن دعوى العصمة لفاطمة(عليها السلام)دعوى باطلة.
__________
(1) 139]) سورة الأحزاب: الآية 5.(1/246)
فالجواب: إن العصمة عندنا هي التطهير عن الكبائر بتوفيق الله وألطافه وهدايته(1)[140])، وقد ثبتت هذه الدعوى بدليل واضح وهو حديث الكساء المشهور بين الأمة، وإيراده هنا وذكر رواته ومصادره يطول جداً. وإن أردت بدعوى البطلان، أنها لم تمت غاضبة على أبي بكر، فهذا قد رواه البخاري. وإن أردت بدعوى البطلان، أنه لا يجوز لهم أن يغضبوا لغضبها وإن كانت ماتت غاضبة.
قلنا: إذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « فاطمة بضعه منّي فمن أغضبها أغضبني ». كما أخرجه البخاري في صحيحه ( ج 4 ص 210 ) أفليس للمسلم في رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)اُسوة حسنة ؟ فهل تنكر أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يغضبه من يغضبها ؟ فهذا قد رواه البخاري، أم أنت قد وقعت فيما تدعي على خصومك من العمل ببعض السنة إذا وافق أهواءهم ومخالفة بعضها إذا خالف أهواءهم ؟
لا تنه عن خلق وتأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم
أم أنت واقف في المسألة وهي عندك مشكلة ؟ فهلا وسعك السكوت عن الجزم ببطلان قولهم: « لنا أم معصومة ماتت وهي غاضبة » ؟
بحث في دعوى صلاة أبي بكر بالمسلمين
قال مقبل: والحمد لله الذي أنطقك بالاعتراف أن أبا بكر أول من صلى بالمسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهذا من جملة الأدلة على أن أبا بكر أحق بالخلافة.
__________
(1) 140]) العصمة: هي التطهير عن جميع الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها. إذ ليس من الواضح الحد الفاصل بين الكبائر والصغائر وأي ذنب كبيرة وأيّه صغيرة، وإذا جاز اقتراف الصغيرة على المعصوم وقع الشكّ في اقترافه الكبيرة وانتفت عنه العصمة.(1/247)
والجواب: إن عبارة الصيلمي نصها على أن الذي تولى الصلاة بالمسلمين بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أبو بكر. هكذا حكاها مقبل في ( ص 52 ) فكيف يجعل هذا دليلاً على أنه أحق ؟ وكأنه سبق إلى ذهنه ما رووه أن أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي يحتجون بها على أنه أحق، فأما الصلاة بعد موته(صلى الله عليه وآله وسلم)فلا نفهم مراده في الاحتجاج بها، ولا يناسبه قوله بعد هذا « وقد قال الصحابة رضوان الله عليهم: إن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ». انتهى.
فالكلام غير متناسب، وإذا كان يحق له ما هجن به على علي هادي الصيلمي فقال فيما مرّ: « إنه نسي أن « إنّ » تنصب الاسم. ثم قال: ولعل إعراضه عن كتب السنّة هو السبب في حرمانه بركة العلم قال الله سبحانه: ] إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً [(1)[141]) وقال تعالى: ] فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم [(2)[142]) » كان للسيد علي هنا أن يقول في مقبل كما قال مقبل فيه، والله تعالى يقول: ] ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون [(3)[143]).
فأما قول من قال: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا.
فجوابه: إنّا لا نسلم أن الصحابة قالوا ذلك، بل هي دعوى من شيعة لأبي بكر. مع أن إمامة الجماعة في الصلاة لا تحتاج من الشروط مثل ما تحتاج الإمامة العظمى، بل بينهما فرق كبير.
ثم قوله: « رضيه لديننا ». فيها مغالطة، لأن الرضا بخصلة من الدين ليس رضىً بولاية الدين كله.
__________
(1) 141]) سورة الأنفال: الآية 29.
(2) 142]) سورة الصف: الآية 5.
(3) 143]) سورة البقرة: الآية 179.(1/248)
وقوله: « أفلا نرضاه لدنيانا » أبعد وأشد مغالطة، لأن الولاية العظمى لصلاح الدين للدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود، وإبلاغ الشرائع، وحماية الدين، فهي للدين أهم منها للدنيا. فتبين أن كلامهم هذا غير صحيح، وأن حقيقة احتجاجهم هكذا، رضيه لخصلة من الدين فرضيناه للدين كله والدنيا. فكان يلزمهم أن يكون علي(عليه السلام)أعظم شأناً لأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولاّه نحر بقية الهدي في الحج وكان ثلاثين بدنة كما رووه، وذلك من الدين فقد رضيه هنا لخصلة من دينه ولاّه إياها، وهي خصلة من دين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه، فهل تقولون: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رضيه لدينه على حد عبارتكم في أبي بكر ؟
بحث الكلام في سند مجموع زيد بن علي(عليه السلام)
قال مقبل ( ص 57 ): هل اعتمدت على المجموع المنسوب إلى زيد بن علي المشروح بالروض النضير ؟ فإن الراوي له عن زيد بن علي(رحمه الله) عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذاب عند المحدثين كما في « ميزان الاعتدال » يرويه عن عمرو إبراهيم بن الزبرقان، وقد اختلف فيه كما في « لسان الميزان » يرويه عن إبراهيم نصر بن مزاحم، وقد قال الذهبي في الميزان: رافضي جلد تركوه ـ إلى أن قال ـ: وقال أبو خيثمة: كان كذاباً.(1/249)
والجواب، وبالله التوفيق: قد مرّ ما فيه الكفاية من الدلالة على أن ذلك الجرح لا حكم له من حيث أنه من خصم مبغض، ومن حيث أن بعضه مرسل، والراوي عدوّ متهم بالتحامل. فهل يقبل منصف جرح عدو لعدوه بدون حجّة صحيحة ؟ ومما يتهم فيه أعداؤهم ـ أي أعداء أبي خالد وإبراهيم ونصر ـ رواية من روى عن وكيع رواية مرسلة أنه تكلم في أبي خالد، ومما يبعدها أن ابن أبي حاتم ذكر في ترجمة وكيع ( ج 1 ص 219 ) وما بعدها جملاً مفيدة في حفظه وورعه، فقال في ( ص 223 ): حدّثنا محمد بن إبراهيم بن شعيب، حدّثنا عمرو ابن علي قال: ما سمعت وكيعاً ذكر أحداً بسوء قط. ثم قال في ( ص 224 ): ( ما ذكر من معرفة وكيع بن الجراح بناقلة الأخبار )(1)[144]) فذكر فيه بحثاً طويلاً ولم يذكر عمرو بن خالد أصلاً.
وأما إبراهيم بن الزبرقان. فقال فيه ابن أبي حاتم في كتاب « الجرح والتعديل » أيضاً: يعد في الكوفيين سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، قال: وسألت أبي عنه فقال: محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به، ثم قال: حدّثنا العباس ( بن محمد الدوري ) قال: سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الزبرقان فقال: ثقة ثقة، روى عنه وكيع وغيره. انتهى.
وفي « لسان الميزان » زيادة على هذا التوثيق وأنه لا بأس به، وليس فيه أشد من قول أبي حاتم: لا يحتج به.
ولا يخفى عند من عرف تحامل القوم على الشيعة، فتوثيقهم لهم يجري مجرى الإقرار، وتضعيفهم دعوى هم فيها متهمون بالغلط بسبب رواية لفضيلة أو خروج مع إمام من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أو نحو ذلك.
وأبو حاتم قد ظهر منه الجرح بمخالفة المذهب كما حكينا عنه في نصر بن مزاحم.
__________
(1) 144]) ما بين القوسين عنوان للكلام في معرفة وكيع بالرواة في كتاب ابن أبي حاتم.(1/250)