وفي أمالي أبي طالب في ( ص 136 ) وبه قال: حدّثنا أبو علي حمد بن عبدالله بن محمد قال: حدّثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدّثنا محمد ابن إسماعيل قال: حدّثنا مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ». انتهى.
وفي صحيفة الإمام علي الرضا(عليه السلام) بسنده عن آبائه عن علي(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها زجّ في النار ».
وأخرج الحديث في ذخائر العقبى عن علي(عليه السلام)مرفوعاً، وأفاد أنه أخرجه ابن السري.
هذا والحديث قد تعددت طرقه وتعاضدت، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة ( ص 152 ): وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً: « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ».
قلت: قد صححه الحاكم وحسّنه السيوطي، وقال الإمام القاسم بن محمد: أجمع علماء الآل وشيعتهم على صحة حديث السفينة. وقال القرشي: هو متلقى بالقبول. أفاد هذا السيد عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي في حاشية « كرامة الأولياء ».
ويؤكده ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( ج 12 ص 77 ) قال: حدّثنا معاوية بن هشام قال: حدثنا عمار، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبدالله بن الحارث، عن عليّ(عليه السلام) قال: « إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل ».(1/241)
وفي أمالي أبي طالب عن علي(عليه السلام)في آخر خطبة له(عليه السلام)ذكر سندها في ( ص179): « واعلموا أن العلم الذي هبط به آدم(عليه السلام) وما فصلته الأنبياء في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن أمر نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء، مثلها فيكم وهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف وهم باب حطة وباب السلم فادخلوا في السلم كافة ». انتهى.
وفي نهج البلاغة عن علي(عليه السلام): « أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ». انتهى.
وبهذا القدر نكتفي في تحقيق أن الحق مع أهل البيت(عليهم السلام). ويأتي إن شاء الله زيادة عند الرد على مقبل في إبطاله لبعض الفضائل في كتابه الذي سمّاه الطليعة(1)[136]).
عودة إلى البحث في التأمين
قال مقبل ( ص 47 ) وما بعدها: على أن التأمين بحمد الله لم يخف على علماء اليمن، اللهم إلا من عكف على الكتب الخالية من الدليل، وأصبح يعادي كتب السنة وأهلها، وصدق عليه ما قال الشوكاني ( رحم ):
تشيّعُ الأقوام في عصرنا***منحصر في بدع تبتدع
عداوة السنة والثلب للأ***سلاف والجمع وترك الجمع
والجواب، وبالله التوفيق: إن كتب أسلاف مقبل مشهورة منشورة، ولم يترك التأمين علماء العترة جهلاً بالروايات ولا معاداة للسنة الصحيحة عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن تركوه لأنهم لا يقلدون أسلاف مقبل في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، وهذا هو الاجتهاد المطلق، فأما الاتّكال على ما اشتهر عند النواصب وسمّوه سنّة وتوارثوه بينهم فإن بعضه اغترار وليس من اتباع سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
__________
(1) 136]) راجع كتاب « الغارة السريعة لردع الطليعة » للمؤلف.(1/242)
أخرج الحاكم في المستدرك ( ج 4 ص 514 ) بسنده عن شقيق بن وائل قال: قال عبدالله: كيف أنتم إذ ألبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة... الخ ؟ وصححه الذهبي على شرط البخاري ومسلم.
وأخرج في ( ج 4 ص 515 ) بسنده عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع ؟ قال: نعم، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري(رضي الله عنه)فقال: جئت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولم آت الحجر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليهُ غير أهله ». هذا صحيح الإسناد.
قلت: وأقره الذهبي.
وأما الهجاء الذي هجا به الشوكاني خصومه فلا حجّة فيه، وقد أجيب عنه. من ذلك قول محمد بن صالح السماوي صاحب الغطمطم:
تسنّنُ الأوباش في عصرنا***منحصر في خمسة من بدع
البغض للآل وثلب الوصي***والضم والرفع وترك الورع
ولا إشكال أن دعوى انحصار تشيعهم في الأربع الخصال كذب واضح، وهو يدل على قلّة ورع قائله وأنه لا يوثق به في مجال التعصب، لأنه يعلم أنه من تشيعهم إيجاب محبة أهل البيت واتباعهم ومدح أئمتهم الأبرار ونشر فضائلهم. كما أن في قوله: « عداوة السنة » نوع تدليس إن كان يعني سنّة النواصب وشيعتهم، أما إذا أراد سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي يرويها علماؤهم فهو كاذب عليهم متعمد للكذب. ومثله قوله: « والثلب للأسلاف » فإن التعميم فيه تدليس.(1/243)
وأما الجمع فهم مختلفون فيه. والمقرر للمذهب جوازه للأعذار، ولهم في ذلك حجج ظاهرة مستوفاة في كتاب الاعتصام للإمام القاسم بن محمد. فلا ينبغي لمنصف أن يسميه بدعة وهو يعلم تمسكهم فيه بالسنة، وإن كان مذهبه خلاف مذهبهم فإن المخالف لا يسمى في العرف مبتدعاً إذا كان متمسكاً بدليل يعتقد صحته في الدلالة على مذهبه، ولو فرض أنه مخطئ في المسائل الفرعية. وهذا من تدليس الشوكاني جرى فيه على طريقة اسلافه في التدليس.
وأما ترك الجُمع فهم مختلفون في شروط الجمعة، وإنما يتركها بعضهم حيث يرى أنها لم تكمل شروطها، لا تهاوناً بها، وقد مرّ ذكر عذر واضح صحيح لترك بعضهم الجمعة في الرد على مثل هذا الكلام في بعض الزيدية، وهو أن حضور الجمعة يكون في ذاك الزمان تقوية للظلمة الذين يقيمونها ويمدحون في خطبتها ويعظمون ويدعى لهم. انتهى.
قال مقبل ( ص 48 ): حاصل كلامه ـ أي كلام السيد علي بن هادي ـ ( ص 2 ) أنه بفرض صحة تلك الرواية ـ أي رواية التأمين ـ فهو قبل نسخ الكلام، ومن جملة ما استدل به حديث « إن في الصلاة شغل ».
قال مقبل: وقوله: تلك الرواية تدل على عدم اطلاعه على كتب السنة، فإن حديث التأمين مروي عن جماعة من الصحابة يروى عن بعضهم من طرق.
والجواب: قوله: « عن جماعة من الصحابة... ». فالذي روي عنه من طرق هو أبو هريرة، ووائل بن حجر، وقد حققنا عدم صحة حديثه ـ أي أنه مجروح ـ لا يقبل منه حديث أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ووائل ليس عندنا حجة ويأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وأجبنا في الرواية عن أبي موسى وهي غير مشهورة.
وأما الرواية عن ابن أم الحصين عن أمه فقد اعترف مقبل بضعفها.(1/244)
وأما الرواية عن علي(عليه السلام)مرفوعة، فقد ضعفوا أحد رجال السند وهو محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وحاول مقبل قبول التضعيف ذلك في غير هذا المحل، أما في هذا فقال: ابن أبي ليلى ضعّف لسوء حفظه، فمثله يصلح في الشواهد والمتابعات.
قلنا: هذه الرواية غريبة لا نعلم أحداً رواها غيره عن علي(عليه السلام) فكيف تعتبر من الشواهد والمتابعات ؟ وإذا صح أن محمد بن عبد الرحمن كان سيّئ الحفظ فيحتمل أنه سمعها عن أبي هريرة فغلط، مع أن الرواية عن علي(عليه السلام)ليس فيها ذكر الصلاة، فهي محمولة على التلاوة في غير الصلاة والتأمين في غير الصلاة، وفي سندها حميد بن عبد الرحمن غير منسوب، وقد ذكروا هذا الاسم لرجلين أحدهما معروف والآخر مجهول، كما أفاده ابن حجر في لسان الميزان وتهذيب التهذيب، فإذا احتمل أن يكون هو المجهول لم يصح، وبقية الروايات قد بيّن هو ـ أي مقبل ـ وجه ضعفها فأغنى عن الجواب.
أمّا قوله: « يدل على عدم اطلاعه على كتب السنة » فإن كتب السنّة عندنا ليس فيها هذه الروايات، وهي كتب سنّة.
قال مقبل: وعلي قد نسي أنّ « إنّ » تنصب الاسم وترفع الخبر، مع أنه قد درس هذا في قطر الندى، وكافية ابن الحاجب، ولعل إعراضه عن كتب السنة هو السبب في حرمانه بركة العلم، قال الله سبحانه وتعالى: ] يا أيها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً [(1)[137]) وقال تعالى: ] فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [(2)[138]).
__________
(1) 137]) سورة الأنفال: الآية 29.
(2) 138]) سورة الصف: الآية 5.(1/245)