قال ابن الأمير: وسمعت ما قال الحافظ العلائي: أنه لا علة، وإنما دعوى الوضع دفع بالصدر. وقد قال الذهبي في حق العلائي: إنه قرأ وأفاد وانتقى ونظر في الرجال والعلل وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعه الفهم. انتهى.
هذا كلام الذهبي فيه وهو من معاصريه ومن أقرانه، وقد أثنى عليه غيره ممن تأخر عن عصره بأكثر من هذا. فظهر لك بطلان دعوى الوضع وصحه القول بالصحة كما اختاره الحافظ السيوطي، وهو قول الحاكم وابن جرير. انتهى.

بيان أهل البيت الواجب اتباعهم
ثم حكى مقبل كلاماً طويلاً لابن الأمير في بيان كثرة ذرّية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وفيه غلطة، وهي أنه عد الناصر الأطروش الحسن بن علي من ذرية زيد بن الحسن بن علي. وهو من ذرية علي بن الحسين بن علي.
ثم قال: وهنا انتهت المقدمة وإنما توسعنا فيها بعض توسيع، لأنّا رأينا أهل ديارنا لا يعدون أهل البيت إلا الزيدية ولا يعرفون غيرهم.
والجواب: ان اسم أهل البيت وإن كان في الأصل يعم جميع الذرية داخلين في هذا الاسم فإنهم مع اختلافهم إلى فريقين:
فريق تابع لطريق سلفه منهم، وسلفه تابع لسلفه منهم، وهكذا إلى أهل الكساء.
وفريق تابع لغيرهم، فهو إما حنفي أو مالكي أو.... فهذا المنتمي إلى غيرهم تابع لغيرهم، وهو لا يوجب على الأمّة اتباعه من حيث أنه من أهل البيت، وأن الحق مع أهل البيت. كيف وهو لا ينتمي إليهم بل ينتمي إلى غيرهم ؟ فهو بانتمائه إلى غيرهم قد أقر على نفسه بعدم الحجّية في حال اتباعه لغيرهم.
أما الفريق الأول الذين يوجبون التمسك بأسلافهم من أهل البيت، ويتوارثون هذا المذهب خلف عن سلف، فهم باقون على الأصل لم يعدلوا عنه فهم مظنّة مذهب أهل البيت، لأن مذهبهم وجوب التمسك بأهل البيت. وهم في طلبه من أسلافهم سلف عن سلف يتوارثونه قرناً بعد قرن.(1/151)

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن الأمير نفسه حيث قال فيما حكى عنه مقبل في ( ص 44 ): هذا فذرية الحسنين لا يدخلون تحت عدّ العادين ولا حصر الحاصرين ولا يخل ( كذا ) منهم إقليم، وهم أعيان الناس ونقباء الأشراف في كل قطر، منهم الموسوية الشريف الرضي وأخوه المرتضى، ومنهم الهارونية، ومنهم المؤيد بالله وأخوه أبو طالب، ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وهم الأقلون، والأكثرون منهم صارت كل طائفة من الطوائف منهم في أي قطر من أقطار الدنيا، فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل.
فأفاد أن المذهب الأصلي هو المذهب الزيدي(1)
__________
(1) 103]) أقول: حاصل الخلاف بين الآراء في أهل البيت انه على ثلاثة أوجه:
…الوجه الأول: أن أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)هم أزواجه، وهو مردود بنص أحاديث الكساء وأقوال الصحابة.
…الوجه الثاني: أنهم بنو هاشم ومن حرم الصدقة بعده، ولا دليل على ذلك غير قول أنس بن مالك الذي يتعارض مع ما نقل في المقام، وغير قول عكرمة الذي لا يحتج به لعداوته وكذبه.
…الوجه الثالث: أنهم أصحاب الكساء خاصة علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ومعهم الأئمة المعصومون من ذرية الحسين، وذلك ما دلّت عليه أحاديث الكساء التي رواها الفريقان.
…وللمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب «أهل البيت مقامهم منهجهم مسارهم» المطبوع في المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) وغيره من الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مثل كتاب «أهل البيت في آية التطهير» للآصفي.

…وعليه فلا دليل على ما ذكره المؤلف من شمول أهل البيت للزيدية واختصاصها بهم.(1/152)

[103]) بقوله: ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وأفاد أن غيره عدول عن الأصل وتحول عنه بقوله: والأكثرون منهم صارت كل طائفة من الطوائف منهم في أي قطر من أقطار الدنيا فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل(1)[104]).

الأدلة على أن أهل البيت(عليهم السلام) حجّة
قال مقبل ( ص 46 ): وأما اعتقادك أن أهل البيت حجّة، فأين الدليل على هذه الدعوى ؟.
والجواب: من الدليل على ذلك قول الله تعالى: ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً [(2)[105]) مع حديث الكساء. ووجه الدلالة أن الإثم رجس فإذا طهروا عنه فقد طهروا عن مخالفة الحق فيما يأثم فيه المخالف للحق، وفيما تكون فيه المخالفة على وجه يأثم عليه المخالف، وذلك ما لا يعذر فيه المخالف لتمرده. فهذه الآية دليل على طهارتهم من تعمد الآثام(3)[106]) التي هي رجس وقذر على أهليها.
ومن ذلك قول الله تعالى: ] قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور [(4)[107]). ووجه الدلالة أن الله لا يأمر بمودة أعدائه لقول الله تعالى: ] لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [(5)[108]). فدلت على أن الذين وجبت مودّتهم أبرار، وهذا يدل على أنهم غير مخالفين للحق فيما يأثم فيه المخالف، ولا يخالفون الحق تمرّداً وعناداً. ففي هذه دلالة مثل ما في آية التطهير أو أكثر.
__________
(1) 104]) فيه ما لا يخفى.
(2) 105]) سورة الأحزاب: الآية 33.
(3) 106]) بل هي دليل على طهارتهم من جميع الآثام.
(4) 107]) سورة الشورى: الآية 23.
(5) 108]) سورة المجادلة: الآية 22.(1/153)

وأما قوله حاكياً عن الشوكاني: فإن معناه ـ أي الرجس ـ في اللغة القذر، ويطلق في الشرع على العذاب كما في قوله تعالى: ] قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب [(1)[109]).
فليس الرجس فيه بمعنى العذاب، بل هو الخذلان الذي يجادل صاحبه بالباطل الواضح البطلان لإدحاض الحق الواضح. ولذلك رتب عليه قوله: ] أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم [(2)[110]) فهي كقوله تعالى: ] فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا [(3)[111]) فالرجس والركس سواء. ومن ذلك أحاديث كثيرة تستوعب كتاباً وحدها، ويأتي بعضها إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب.
وأما قول الشوكاني فيما حكاه عنه مقبل ( ص 47 ): وبأحاديث ـ أي واستدلوا على أن إجماع أهل البيت حجة بأحاديث ـ كثيرة جداً تشتمل على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم، ولا دلالة فيها على حجّية قولهم، وقد أبعد من استدل بها.
فالجواب: إنه لا يكون الشرف والفضائل لأعداء الله ورؤوس الخوارج وقادة الفتن وأئمة الفرق الهالكة. بل دلالتها على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم تدل على أنهم لا يتعمدون مخالفة الحق تمرّداً وعناداً، ولا يخالفون الحق فيما يأثم فيه المخالف، كما ذكرنا في آيتي التطهير والمودة، وتدل على أن أعداءهم أحق بتلك الأسماء القبيحة.
* * *

بحث

في حديث الثقلين
بحث في دلالة حديث الثقلين
وأما قوله: « ولا دلالة فيها على حجية قولهم ».
__________
(1) 109]) سورة الأعراف: الآية 71.
(2) 110]) سورة الأعراف: الآية 71.
(3) 111]) سورة النساء: الآية 88.(1/154)

فنقول: أما قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »(1)[112]) ففي هذا دلالات:
الدلالة الأولى: من حيث عظمهم وجعلهم أحد الثقلين، وقرنهم بالكتاب، وهذا يشبه الآيتين المذكورتين.
الدلالة الثانية: حيث أوصى بهم، فلو كانوا قادة الضلال لما أوصى بهم مع الكتاب، وقرنهم به في الوصية، بل كان التحذير منهم أولى بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي أرسله الله رحمة للعالمين. فدل ذلك على أن الحق معهم فيما شجر بينهم وبين جمهور الأمة الذين حاربوهم طمعاً في الملك والرئاسة، وتقرّبا إلى الملوك من بني أمية وبني العباس والأتراك وغيرهم، فقتلوا دعاة الحق من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً، إنما همّهم إقامة الدين وحمايته عن المفسدين وامتثال أمر الله تعالى في قوله: ] ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [(2)[113]) وقوله تعالى: ] وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم [(3)[114]) وغير ذلك كما لا يخفى على من عرف سيرهم وأنصف وهذا خطاب منّا لمن أنصف.
__________
(1) 112]) يأتي بيان طرقه وأسانيده في باب « بحث في طرق حديث الثقلين » بعد هذا البحث مباشرة.
(2) 113]) سورة آل عمران: الآية 104.
(3) 114]) سورة الحج: الآية 78.(1/155)

31 / 58
ع
En
A+
A-