مع أن جواب آدم على موسى لوم له على اللوم إذا قال: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فكان لموسى أن يجيب: تلومني على اللوم وهو مقدر ؟ فهذه الرواية منكرة لا لإثبات القدر، بل لجعله عذراً لأهل المعاصي يرفع عنهم استحقاق اللوم. وهذا واضح لا يخالف فيه مسلم ـ أن تقدير المعصية ـ بمعنى كتابة أنها سوف تكون ـ ليس عذراً لصاحبها، وذلك عندنا لأن كتابة ذلك غير سائقة إلى المعصية، وإنما معناها خبر صادق. والخبر الصادق غير سائق، كالخبر بما قد مضى أنه قد وقع.
قال أبو بكر في الذب عن أبي هريرة عطفاً على ما مر: « وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام إذا سمع أخبار أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجّة وبرهان كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة ».(1/136)

والجواب، وبالله التوفيق: وجوب طاعة ولاة الحق والعدل لا ينكر، وقد نص عليه القرآن في قول الله تعالى: ] يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(1)[85]) فالروايات الموافقة لهذا لا تنكر، ولكن الذي ينكر هو الروايات في وجوب طاعة الجبابرة المفسدين، وتحريم الخروج عليهم لدفع ظلمهم وفسادهم، فالروايات منكرة. لأن الله تعالى يقول: ] ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبّع هواه وكان أمره فرطاً [(2)[86]) ويقول تعالى: ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [(3)[87]) وأي منكر أعظم من منكرات الجبابرة الذين يقتلون الأبرياء ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويتخذون العمال الظلمة، ويسعون في رفع كلمة الباطل وإضاعة الحق، فيعمّ الطغيان والفساد جميع أقطار البلاد، إذا تركوا وشأنهم، ويثبتون قواعد الباطل لمن بعدهم ؟ فكيف يجوز الأمر بطاعتهم وجعل ذلك سنّة وجماعة، وهو تقوية لظلمهم ومعاونة لهم على الإثم والعدوان ؟ والله تعالى يقول: ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [(4)[88]). فالحق أنه لا طاعة للذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، بل الواجب معاونة من قام لنصرة الدين ودفع الظلم والعدوان. لأنه من الجهاد في الله، وقد قال تعالى: ] وجاهدوا في الله حق جهاده [(5)[89])، ولأنه من قتال الفئة الباغية وقد قال الله تعالى: ] فقاتلوا التي تبغي [(6)[90]). فكيف يقول أبو بكر: « يرى السيف على أمّة محمد » ؟ وهل هذا إلا من الإرجاف والتهجين ؟ وصواب
__________
(1) 85]) سورة النساء: الآية 59.
(2) 86]) سورة الكهف: الآية 28.
(3) 87]) سورة آل عمران: الآية 104.
(4) 88]) سورة المائدة: الآية 2.
(5) 89]) سورة الحج: الآية 78.
(6) 90]) سورة الحجرات: الآية 9.(1/137)

العبارة: يرى السيف على الجبارين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق وعلى أنصارهم، لأنه لا ولاية لهم شرعية، ولا حق لهم في سلطان المسلمين، فهم بغاة معتدون طغاة مفسدون، وما روي خلاف ذلك فهو منكر.
قال أبو بكر بن إسحاق عطفاً على ما مر: « أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها... ».
وقد مر هذا والجواب عنه.
قال أبو بكر: « أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه ».
والجواب: إنهم قد وقعوا في مثل هذا، حيث ضعفوا رواة فضائل علي(عليه السلام)لمخالفتها مذهب من قد اجتبوا مذهبه واختاروه، فأنكروها وضعفوا رواتها لأنهم عندهم يروون المناكير. فكيف يلومون من صنع مثل صنيعهم، فأنكر روايات أبي هريرة فيما ينصر مذهب النواصب، ويعارض المذهب الظاهر من مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؟
انتهى الجواب على أبي بكر بن إسحاق الذي أشار إلى مناكير أبي هريرة وأنواعها في نصرة تشبيه الله سبحانه وتعالى، ومعارضة إثبات عدله وحكمته، ونصرة الجبابرة المفسدين، وجعل الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، المجاهدين في الله خوارج يرون السيف على أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بغاة معتدين.
قال السيد العلامة الكبير عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي المؤيدي في حاشية « كرامة الأولياء » في فصل إسلام أبي طالب: وأما حديث أبي هريرة هذا فهو من كيسه، على أنه متأخر الإسلام، وليس فيه شيء مرفوع. وكلامه عندنا حكمه حكم السراب، لأنه رجل فارق أمير المؤمنين ووالى القاسطين ـ يعني معاوية وأتباعه ـ وعمل لهم، ولا يجهل ذلك إلا جاهل. ثم أن الأئمة قد طعنوا في أمانته. انتهى المراد.(1/138)

وقد بسط في البحث، وكذلك في تضعيف أبي هريرة، واستكمل البحث شرف الدين الموسوي صاحب « المراجعات » في كتاب مستقل عنوانه: أبو هريرة. وفيه الكفاية لمن أنصف وهو مطبوع منشور فراجعه(1)[91]).

زيادة توضيح أحاديث التأمين
هذا، وذكر مقبل في أحاديث التأمين عن أبي موسى، وفيه مقال يأتي إن شاء الله. وذكر فيها عن وائل وليس عندنا حجّة، فليس لمقبل أن يحتج به علينا، ونحن لا نثق بروايته، ويأتي فيه أيضاً مقال إن شاء الله.
ثم روى عن عائشة حديثاً في التأمين، وهو مطلق ليس فيه ذكر الصلاة، بل هو حديث قول اليهود لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): السام عليكم، وغضب عائشة وقولها عند ذلك: وعليكم السام ولعنته إخوان القردة والخنازير، أتحيّون رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما لم يحيّه الله ؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولاً فرددت عليهم، إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين »(2)[92]).
قلت: حسدهم عليهما لأنهم يكرهون أن يقولوا أو يقول غيرهم للمسلمين: السلام عليكم، كما يدل عليه السبب، وكذلك الحسد على آمين لأنهم يكرهون أن يؤمنوا هم أو غيرهم على دعاء المسلم بغضاً له، ولا دلالة في هذا الحديث على أن التأمين مشروع في الصلاة، مع أن في سند الحديث سهيل بن أبي صالح وفيه خلاف مذكور في « تهذيب التهذيب ».
__________
(1) 91]) راجع ايضاً كتاب « ابو هريرة الدوسي شيخ المضيرة » للاستاذ ابو ريّة.
(2) 92]) مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار، الحديث رقم 23880.(1/139)

ثم ذكر مقبل روايات ضعفها هو فأغنى عن ذكرها في الجواب، ثم ذكر الآثار من مصنف عبد الرزاق منها عن أبي هريرة. ومنها عن ابن الزبير. وفيها أنه قال: إنما آمين دعاء. فهذا اجتهاد منه، ولعله قبل رواية أبي هريرة لهذا المعنى، أي لأنها ليست إلا دعاء، والدعاء لا بأس به في الصلاة عنده. والله أعلم.

تفنيد زعم ابن تيمية جهل علي(عليه السلام) في عدة الحامل ومهر غير المدخول بها
قال مقبل ( ص 41 ): أما كونها لا تخفى على أهل البيت سنّة، فهذا علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)قد خفيت عليه بعض السنن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه « رفع الملام عن الأئمة الأعلام » وأفتى ـ يعني علياً ـ هو وابن عباس وغيرهما بأن المتوفى عنها إذا كانت حاملاً تعتد أبعد الأجلين، ولم تكن قد بلغتهم سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في سبيعة الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة، حيث أفتاها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بأن عدتها وضع حملها.(1/140)

28 / 58
ع
En
A+
A-