ثم ذكر الخطيب الحكايات التي تنسبه ـ أي إسحاق الأحمر ـ إلى الغلو في علي(عليه السلام)بدعوى أنه الله جلّ وعلا، وحكاية ذكر الإسحاقية، ولكن لم يأت في ذلك بسند إنما هي مراسيل. وكذا حكاية الذهبي في ميزانه وابن حجر في « لسان الميزان ». والشهرستاني في « الملل والنحل » وابن حزم في الفصل ( ج 4 ص 186 ) كلها مراسيل. وذكر ابن حجر أنه مات سنة ست وثمانين ومائتين. وقد تضمّنت ترجمته وصفه بالتشيّع الشديد، ولا يبعد أنها نشرت دعايات كثيرة ضد الشيعة ونُسبت إليهم أقوال شنيعة تنفيراً للناس عنهم، بل هو الواقع. وفي « الملل والنحل » وفي كتاب « الفصل » عجائب تخيل الشيعة بصورة أناس أكثرهم لا يعقلون، تغلب عليهم الحماقة والجهل والمعقول والمسموع، ولعله قد اغتر بتلك الدعايات كثير ممن لم يخالطهم ـ أي الشيعة ـ. ولكن من تيقّظ لما نبّهنا عليه ـ أنه لا يقبل قول الخصم في خصمه بدون حجّة صحيحة ـ فإنه يسلم من الاغترار إن أنصف ولم يغلبه التعصب.

11 ـ كادح بن جعفر:
وأما كادح بن جعفر، فهذه ترجمته في كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( ج 7 ص 176 ): كادح بن جعفر أبو عبدالله، روى عن عبدالله بن لهيعة، روى عنه علي بن جعفر الأحمر، وحسن بن حسين العرني. حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: سألت أبي عن كادح ابن جعفر فقال: ليس به بأس، حدّثنا عبد الرحمن قال: حدّثني أبي، حدّثنا علي ابن جعفر الأحمر، حدّثنا كادح بن جعفر وكان ما علمته من المتّقين، حدّثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن كادح بن جعفر فقال: كان من العباد، وكان كوفياً فوقع إلى مصر، فسمع من ابن لهيعة وغيره وهو صدُوق. انتهى المراد.(1/116)

وترجمته في « ميزان الذهبي »: كادح بن جعفر، عن عبدالله بن لهيعة، قال أبو حاتم: صدُوق. وقال الأزدي: ضعيف زائغ. وقال أحمد بن حنبل: رجل صالح خيّر فاضل. انتهى المراد.
والأزدي فيه كلام، قال فيه ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري ( ص 387 ): والأزدي لا يعتمد إذا انفرد، فكيف إذا خالف ؟ انتهى المراد.
وقال في ( ص 289 ): والأزدي لا يعرج على قوله. وقال في ( ص 391 ): ولا يعتمد على الأزدي.

12 ـ حسين بن عبدالله بن ضميرة:
وأما حسين بن عبدالله بن ضميرة، فالجواب فيه كالجواب في أبي خالد الواسطي، وقد مر.

13 ـ الحسين بن عبدالله بن عباس:
وأما الحسين بن عبدالله بن عباس، فإن صح أن الهادي روى عنه في المنتخب فيحتمل أنه عنده ثقة. فلا التفات إلى جرح المخالفين في أسباب الجرح. ويحتمل أنه روى الحديث لموافقته ما قد صحّ عنده بدليل آخر، كما يقولون في مسلم: إنه قد يروي الحديث بالسند الذي ليس صحيحاً لعلوه ووجود سند آخر، فيختار العالي في كتابه اعتماداً على الصحيح الذي لم يذكره، ويحتمل أنهم ـ أي الزيدية ـ رووا عنه لاقتران روايته بشواهد كثيرة تقوّيها، وهذا واضح في روايته في الجمع بين الصلاتين أن لها شواهد تجعلها قوية جداً.
هذا وقد أورد مقبل في كلامه الذي يعيب فيه كتب الزيدية من هو مختلف فيه كما تبيّن فيما أجبنا به. والرجال المختلف فيهم كثير في كتب الحديث من كتب الزيدية، ومن كتب أئمة مقبل وسائر كتب الحديث، بل بعض الذين عابهم موجودون في بعض الأمّهات الست. واعلم أن الحارث بن عبدالله يمني همداني، وهو من خاصة أصحاب أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فمنذ متى تدنّست فطر بعض اليمنيين الذين أصبحوا يجرحون الشيعة أصحاب أمير المؤمنين ويثنون على أعدائه ؟ !(1/117)

الكذب على ابن الوزير في تحريم الأخذ من كتب الزيدية
قال مقبل ( ص 21 ): على أنه قد قال علامة اليمن محمد بن إبراهيم الوزير(رحمه الله) في كتابه « الروض الباسم »: « إنه لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث، لأنهم ليس لهم تأليف في العلل ولا في الجرح والتعديل » وهو الخبير بكتبهم... الخ.
والجواب: إن حكاية مقبل هذه غير مقبولة، وإنما تأوّل كلام ابن الوزير وجاء به على غير وجهه. ومحل البحث في شأن كتب الزيدية التي في الحديث ( ص 82 و 83 و 84 ) من الروض الباسم، فابحث أيها الناظر لتجد أنه لم ينطق بهذه العبارة التي جاء بها مقبل، وإنما خلاصة كلامه في ( ص 82 و 83 ) منع الاقتصار عليها بدعوى أنها غير وافية بمقصود المجتهد الذي يشترط في الاجتهاد معرفة العلل والجرح والتعديل. وخلاصة كلامه ـ أي ابن الوزير ـ في ( ص 84 ) دعوى أن كتب الزيدية الحديثية أضعف من كتب المحدثين، لأن كتب الزيدية مراسيل، وهم يقبلون أخبار المتأوّلين أو أهل الأهواء على اختلاف العبارات، وقصده بهذا تضعيف كتبهم المرسلة، كالشفاء بالنسبة إلى كتب المحدثين، التي هو بصدد الجدال عنها، وبالغ في ذلك حتى قال في ( ص 85 ): وعلى الجملة، فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبلهم من أئمتهم، وإن لم يقبلوا المجهول قبلوا مرسل من يقبله، ولا يعرف فيهم من يتحرز من هذا البتة، وهذا يدل على أن حديثهم في مرتبة لا يقبلها إلا من جمع بين قبول المراسيل، بل المقاطيع، وقبول المجاهيل وقبول الكفار والفساق من أهل التأويل، فكيف يقال مع هذا: إن الرجوع إلى حديثهم أولى من الرجوع إلى حديث أئمّة الأثر ونقاده... الخ ؟
فهل تراه يقول: لا يجوز الرجوع إليها ؟ أم ليس يعني إلا ما ذكرنا ؟ فاعرف أنه لا ينبغي الاتّكال على رواية مقبل وأمثاله من أهل التعصب.

الرد على ابن الوزير(1/118)

أما محمد بن إبراهيم الوزير فقد أجاب عنه الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير في مسائل كثيرة في كتابه « فرائد اللآلئ » الذي رد فيه على المقبلي وغيره وهو مجلد ضخم.
ورد على السيد محمد بن إبراهيم السيد العلامة أحمد ابن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي بكتابه الذي سمّاه « العلم الواصم في الرد على الروض الباسم ».
هذا، ولا نكتفي بالرد على مقبل هنا برد نسبته لتحريم الرجوع إلى كتب الزيدية إلى السيد محمد بن إبراهيم الوزير، لأن بطلان النسبة لا يكفي هنا لإبطال القول الذي نسبه مقبل معجباً به مؤكداً له بدعاويه على الزيدية، فمقبل بذلك يدعي، وإن لم يصرح بالدعوى عن نفسه لكنه في المعنى يدعي، أنه لا يجوز الرجوع إلى كتب الزيدية، ولذلك أكّده بقوله: فإذا عرفت أن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضّاعين... الخ.
فنقول: أولاً اعلم أن كتب الزيدية الموجودة اليوم التي يذكر فيها الحديث منها ما هو مسند كمجموع زيد بن علي، وصحيفة علي بن موسى الرضا، وأمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أبي طالب، وسلوة العارفين، فيها حديث مسند، وأمالي المرشد بالله الخميسية، والاثنينية، ويلحق بها شرح التجريد للمؤيد بالله، فالغالب عليه الإسناد. ومن المسند مناقب محمد بن سليمان الكوفي، وكتاب الذكر لمحمد بن منصور المرادي، وكتاب النهي للمرتضى، وكتاب سلسلة الإبريز، والبساط للناصر. ومنها ما هو مرسل الحديث كأصول الأحكام، والشفاء، ويلحق بها الجامع الكافي، فالإسناد فيه نادر. ومنها ما يشتمل على المسند والمرسل وذلك أحكام الهادي والمنتخب له أيضاً.(1/119)

فقول مقبل في حكايته السابقة: « لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث » قول مردود، لأن حجّته غير صحيحة، فإن حجّته قوله: « لأنهم ليس لهم تأليف في العلل ولا في الجرح والتعديل ». وهذا لا يدل على أنه لا يجوز الرجوع إلى كتبهم في الحديث، لأن الحديث يقبل من الراوي الثقة وإن لم يكن له مؤلف في العلل والجرح والتعديل. وهذا واضح. فلماذا يمتنع قبول حديثهم لهذه الدعوى ؟ بل كيف يحرم الرجوع إلى كتبهم لهذه الدعوى ؟
وأما قوله: « فإذا عرفت أن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضاعين...».
فالجواب: إنك في هذا مقلّد كما قدمناه، وقدمنا الرد على الجرح والتضعيف بأنه من خصومهم أو من رواية خصومهم الذين لا يصدقون فيهم. مع أن في كتبهم ما هو مختلف الأسانيد، كالأماليات. فلو حرم الرجوع إليها لحرم الرجوع إلى سائر الكتب التي هي مختلفة الأسانيد، مع أن المطلع المحقق في علم الرجال ينتقد الحديث ويميز بين الروايات ويأخذ الجيد ويترك الرديء، وإن اختلفنا نحن وأنت في الجيد والرديء. وإذا كانت هذه الكتب التي اعتمدها المفتي ـ السيد علي بن هادي ـ صحيحة على مذهبه، فمالك والاعتراض عليه بمذهبك ؟
وأما الكتب المرسلة. فالجواب في شأنها من جهتين:
الجهة الأولى: إذا قبلتم المرسل في الجرح والتعديل لزمكم قبول المرسل في الحديث، فلماذا يحرم الرجوع إليها وأنت لا تحرم الرجوع إلى « ميزان الذهبي » وهو مراسيل ؟ بل دللت عليه الباحثين لمعرفة رجال حديث الزيدية بزعمك.
ومن يكن القاضي له من خصومه***أضرّ به إقراره وجحوده
كيف يحكم في رجال الشيعة من هو معدود من النواصب ؟ حتى قرر ذلك المقبلي وهو غير متهم فيه، واحتج بما يدل على ذلك، وقال فيه في قصيدة له ـ أي المقبلي ـ: « والناصبين كأهل الشام كالذهبي ».
وقال بعض علماء الزيدية:
في كفة الميزان ميل واضح***عن مثل ما في سورة الرحمن(1/120)

24 / 58
ع
En
A+
A-