قلت: كلام الخطيب هذا في تاريخه ( ج 9 ص 22 ) وهو تفسير منهم مبني على مذهبهم، والتحقيق أن سفيان لم يطعن في أبي خالد، إنما أعرض عنه، وقد كان في حاجة إلى الإعراض للخوف من العباسية، لأنه إن وثّقه خاف منهم، بسبب أنه قد خرج عليهم مع إبراهيم، ولو كان عنده مجروحاً لجرحه ولم يبال، فالذي رواه الخطيب عن سفيان إنما هو حفص بن غياث قال: « سمعت سفيان إذا سئل عن أبي خالد الأحمر قال: نعم الرجل أبو هشام عبدالله بن نمير ». فهذا ليس إلا إعراضاً، ولو كان تعريضاً لما كان يدل على طعن، بل أكثر ما فيه أنه دون ابن نمير. وروي عن أبي نعيم قال: ذكروا عند سفيان أبا خالد الأحمر فقال: ابن نمير رجل صالح.
فهذا إعراض واضح لعل سببه الخوف من بني العباس، فليس يصح تفسيره بالعيب.
ثم قال الخطيب: « قلت: كان سفيان يعيب على أبي خالد خروجه مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن »، فظهر من ترتيب الخطيب هذا الكلام على إعراض سفيان أنه دليل على أنه لا مستند له إلا الإعراض المذكور، ولو كان سفيان صرح بذلك لذكره الخطيب لأنه أحوج إليه. ثم روى الخطيب بإسناده عن أبي داود قال: وأبو خالد الأحمر خرج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن فلم يكلمه سفيان حتى مات.
قلت: لا دليل على صحة هذا النفي، ولعله لا يكلم أبا خالد بمحضر الناس، للخوف من بني العباس، لأن سفيان قدوة وهو مظنّة أن تراقبه الحكومة أشد من غيره، فيحتاج إلى الإعراض عنه لئلا يتهم بالميل إليه، وقد ترجم الخطيب لأبي خالد الأحمر ترجمة فيها توثيق أبي خالد ومدحه.
هذا وإنما أنكرت قول الخطيب لأن سفيان الثوري لم يكن من أعداء أهل البيت وأعداء شيعتهم، وكذلك الأعمش، ووكيع، وابن نمير، وسلمة بن كهيل، ومنصور بن المعتمر، والحسن بن صالح، ويحيى بن آدم، وآخرون.(1/111)
متابعة للطريقة الخاطئة في الجرح والتعديل
ولنرجع إلى ما كنا بصدده، قال ابن حجر في لسان الميزان ( ج 6 ص 32 ): مسلم بن أبي كريمة، عن علي: مجهول انتهى. وذكره ابن حبان في الثقات قال: إلا أني لا أعتمد عليه ـ يعني لأجل التشيع ـ ثم قال ـ أي في « لسان الميزان » ـ: مسلم مولى علي(رضي الله عنه). قال ابن حبان في الثقات: لا أعتمد عليه، ولا يعجبني الاحتجاج بخبره للمذهب الرديء، يعني التشيّع. انتهى المراد.
وفي « الميزان » في ترجمة سالم بن أبي حفصة: قال الفلاس: ضعيف مفرط في التشيع، وأما ابن معين فوثقه، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: عيب عليه الغلو، وأرجو أنه لا بأس به. وقال محمد بن بشير العدوي: رأيت سالم ابن أبي حفصة أحمق ذا لحية طويلة يا لها من لحية، وهو يقول: وددت أني كنت شريك علي(عليه السلام)في كل ما كان فيه.
الحميدي، حدّثنا جرير بن عبد الحميد قال: رأيت سالم بن أبي حفصة وهو يطوف بالبيت وهو يقول: « لبيك مهلك بني أمية »، روى هذا محمد بن حميد عن جرير. وفي « الميزان » أيضاً: أسد بن وادعة، شامي من صغار التابعين ناصبي يسب، قال ابن معين: كان هو وأزهد الحراني وجماعة يسبون عليّاً(رضي الله عنه). وقال النسائي: ثقة.
وفيه في ترجمة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): لم يحتج به البخاري. قال يحيى بن سعيد: مجالد أحب إليّ منه. وفيه في ترجمة مجالد بن سعيد: وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال الفلاس: سمعت يحيى ابن سعيد يقول: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله لفعل.(1/112)
وفي « الميزان » في ترجمة مفضل بن صالح ما لفظه: سويد، حدّثنا مفضل عن أبي إسحاق عن حنش: سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك ». قال ابن عدي: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي(1)[69]) وسائره أرجو أن يكون مستقيماً، قال الذهبي: وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر. انتهى المراد.
وقال في « الميزان » في ترجمة عبد الملك بن عبد العزيز أبي نصر التمار: وثّقه النسائي وأبو داود وغيرهما، وكان ممن امتحن في خلق القرآن فأجاب وخاف(2)[70]) فقال سعيد بن عمرو: سمعت أبا زرعة يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب. قال الذهبي: هذا تشديد ومبالغة، والقوم معذورون... الخ.
قلت: يعني أنهم أكرهوا على الجواب في مسألة خلق القرآن، فهم معذورون بالإكراه، وإن كان الأفضل عنده الامتناع وتحمل عقوبة الحكومة.
وفي ترجمة عثمان بن عمير أبي اليقظان: وقال أحمد بن حنبل: أبو اليقظان خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن. انتهى المراد.
قلت: انظر كيف سمّاها فتنة ؟ وقد قال الله تعالى: ] فقاتلوا التي تبغي [(3)[71]). وفي « تهذيب التهذيب »: محمد بن العلاء أبي كريب، قال حجاج بن الشاعر: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لو حدثت عن أحد ممن أجاب في المحنة لحدثت عن أبي معمر وأبي كريب. انتهى المراد.
__________
(1) 69]) يأتي تفسير الحديث في ص 232.
(2) 70]) كذا، ولعله بالمعجمة ( المؤلف ).
(3) 71]) سورة الحجرات: الآية 9.(1/113)
دلّت هذه الجملة على أن القوم لا يقلدون في الجرح والتعديل، وأن أصولهم في ذلك تخالف أصول الشيعة، فلا التفات إلى كلام من تكلم في بعض الشيعة الذين تروي عنهم الزيدية، لا الحارث ولا غيره، لتعصب المتكلمين فيهم كما بيّناه.
وهذا كاف في الجواب عن اعتراضه ـ أي اعتراض مقبل ـ في بقية من سمّاهم ممن هو من رجال الزيدية الذين يروون عنهم. ولكنّ في كلامه نظراً، لأن الذين ذكرهم محمد بن إبراهيم الوزير في « تنقيح الأنظار » ثمانية، وهم: أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، والحسين بن علوان، وداود بن سليمان الغازي، والحسين بن عبدالله بن ضميرة، وأبو هارون عمارة بن جوين العبدي، وكادح بن جعفر، وحسين بن عبدالله بن عباس، والأشج، وفي نسخة « تنقيح الأنظار »: الأشج بن أبي الدنيا، وزاد مقبل من ترجمة علي بن موسى في « ميزان الذهبي »: علي بن مهدي القاضي، وعامر بن سليمان الطائي، وأبا الصلت الهروي، وعبد السلام بن صالح(1)[72])، وقد تقدم الجواب في الثلاثة هؤلاء، وذكرنا أنّا لا نعرف في كتب الزيدية علي بن مهدي القاضي، وأن راوي الصحيفة أحمد بن عامر لا أبوه، كما ذلك في حاشية كتاب مقبل مستدرك على الأصل، أو هو تلافاه. والذين قال من ذاكرته(2)[73]): جابر الجعفي، والحارث الهمداني.
10 ـ إسحاق بن محمد الأحمر:
وقد مرّ الجواب في جابر الجعفي والحارث الهمداني، وأما إسحاق بن محمد الأحمر فلا أعلمه في شيء من كتب الزيدية، وما أظنه إلا واهماً في جعله ممن تروي عنهم الزيدية، ولو كان منهم لكان مظنّة أن يذكره السيد محمد بن إبراهيم الوزير في « تنقيح الأنظار »، لأنه أحق بأن تعاب عليهم الرواية عنه ممن ذكرهم إن كان كما زعموا.
__________
(1) 72]) هكذا في الأصل. وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي.
(2) 73]) يعني قول مقبل: « كتبت هذه الاسماء... إلى قوله: وبعضها من ذاكرتي ) راجع ص80.(1/114)
هذا وقد ترجم الخطيب لإسحاق بن محمد الأحمر وبسط في ترجمته، وذلك في ( ج 6 ص 378 ) من تاريخ بغداد فقال: إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان أبو يعقوب النخعي، حدث عن عبدالله بن أبي بكر العتكي، وعبيد الله بن محمد، وابن عائشة، ومهدي بن سابق، ومحمد بن سلام الجمحي، وإبراهيم بن بشار الرمادي، ومحمد بن عبيد الله العتبي، وأبي عثمان المازني. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات، روى عنه محمد بن خلف وكيع، ومحمد بن داود بن الجراح، ومحمد بن خلف المرزبان، وحرمي بن أبي العلاء، وعبدالله بن محمد بن أبي سعيد البزار، وأبو سهل بن زياد، أنه سمع منه لما انصرف من مجلس ابراهيم الحربي، وروى بشر بن موسى مع سنه وتقدمه عن رجل عنه.
ثم روى الخطيب بإسناده من طريق إسحاق حديث كميل بن زياد النخعي، عن أمير المؤمنين(عليه السلام)الذي فيه: « يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها »(1)[74]) وهذا الحديث لم يروه أبو طالب والمرشد بالله من طريق إسحاق، بل من طريق غيره. ثم روى الخطيب بإسناده قصّة في جود عبدالله بن جعفر، أن أعرابياً أتى عبدالله بن جعفر وهو محموم، فأنشأ يقول:
كم لوعة للندى وكم قلق***للجود والمكرمات من قلقك
ألبسك الله منه عافية***في نومك المعتري وفي أرقك
أخرج من جسمك السقام كما***أخرج ذم الفعال من عنقك
فأمر له بألف دينار.
__________
(1) 74]) نهج البلاغة: حِكَم أمير المؤمنين(عليه السلام)، الرقم 147، ص495 ( بتحقيق الدكتور صبحي الصالح ).(1/115)