ولا عبرة بجرح الخصم لخصمه، لأن الغضب يدعو إلى الجرح، الا ترى إلى ما ذكره ابن حجر في « لسان الميزان » في ترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظهير: قال أبو حاتم: كذاب ـ أي في إبراهيم ـ انتهى. روى في مثالب معاوية فمزقنا ما كتبنا عنه ؟ وهذا في « الميزان ».
وفي « تنقيح الأنظار » لابن الوزير وشرحه لابن الأمير ( ج 2 ص 146 ): ( فإن العداوة إذا وقعت بين مؤمنين متفقي العقيدة لم يقبل كلام أحدهما في الآخر، كيف أمر العقائد )(1)[67]) ؟ فإن التعادي عليها عظيم بل سفكت بسببها الدماء، وهتكت المحارم، وارتكبت القبائح بسببها والعظائم، كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب التاريخ والرجال، إلى أن قالا: ( فقد جرح بذلك ) أي بأمر العقائد ( خلق كثير ) بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض والنصب والغلو في التشيع والقول بخلق القرآن، وكل ذلك من مسائل الاعتقاد. ( ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين، لا سيما من كان داعية إلى مذهبه فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه ) انتهى المراد.
وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » في ترجمة الحسن بن صالح ( ج 2 ص 288 ): وقال العجلي: كان حسن الفقه من أسنان الثوري ثقة، ثبتاً متعبداً، وكان يتشيع، وكان ابن المبارك يحمل عليه بعض الحمل لمحال ( كذا ) التشيع، انتهى المراد.
وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب »، في آخر ترجمة مسلم الملائي: ومن منكراته حديثه عن أنس في الطير، رواه عنه ابن فضيل، وابن فضيل ثقة، والحديث باطل. انتهى المراد.
قلت: حديث الطير عن أنس من طرق عديدة، ولكن القوم هكذا يتحاملون على الشيعة.
__________
(1) 67]) هكذا في الأصل ولعل الصواب « فكيف بأمر العقائد ». ( المحقق ).(1/106)

وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » أيضاً في ترجمة عمرو بن ثابت: قال علي بن حسن بن شقيق: سمعت ابن المبارك يقول: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف. ثم قال: وقال عبدالله بن أحمد، عن أبيه، كان يشتم عثمان، ترك ابن المبارك حديثه. وقال الساجي: مذموم وكان ينال من عثمان ويقدم عليّاً على الشيخين، وقال العجلي: شديد التشيّع غال فيه واهي الحديث. انتهى المراد.
وقال ابن حجر في ترجمة عمرو بن جابر الحضرمي: وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة. انتهى المراد.
وقال في « تهذيب التهذيب » في ترجمة فطير: قال الساجي: وكان يقدم عليّاً على عثمان ـ إلى أن قال ـ: وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه ـ إلى أن قال ـ: وقال ابن أبي خيثمة: سمعت قطبة بن العلائي يقول: تركت فطراً لأنه يروي أحاديث فيها أزرأ على عثمان. انتهى المراد.
وفي تهذيب التهذيب ( ج 8 ص 131 ) في ترجمة عمران بن داور: وقال الآجري، عن أبي داود: هو ـ أي عمران ـ من أصحاب الحسن، وما سمعت إلا خيراً. وقال مرة: ضعيف، أفتى في أيام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء. ثم قال: وقال أبو المنهال، عن يزيد بن زريع: كان ـ أي عمران ـ حرورياً، كان يرى السيف على أهل القبلة. قال ابن حجر: في قوله: « حرورياً » نظر، ولعله شبّهه بهم، وقد ذكر أبو يعلى في مسنده القصة عن أبي المنهال في ترجمة قتادة عن أنس، ولفظه: قال يزيد: كان إبراهيم ـ يعني ابن عبدالله بن الحسن ـ لما خرج يطلب الخلافة استفتاه عن شيء فأفتاه بفتيا قتل بها رجال مع إبراهيم. انتهى المراد.(1/107)

وقال ابن حجر: وكان إبراهيم ـ أي ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي(عليهم السلام) ـ ومحمد ـ أي ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن ـ خرجا على المنصور في طلب الخلافة، لأن المنصور كان في زمن بني أمية بايع محمداً بالخلافة، فلما زالت دولة بني أمية وولي المنصور تطلب محمداً ففر، فألحّ في طلبه، فظهر بالمدينة وبايعه قوم، وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فملكها وبايعه قوم، فقدر أنهما قتلا وقتل معهما جماعة كثيرة، وليس هؤلاء من الحرورية في شيء ـ إلى أن قال ـ: وقال العقيلي من طريق ابن معين: كان يرى رأي الخوارج ولم يكن داعية. انتهى المراد.
فانظروا كيف جعلوه خارجياً لما خالف مذهبهم في منع الخروج على الظلمة.
وقال ابن حجر في ترجمة قيس بن الربيع: وقد ذكر في ترجمته عن شعبة، عن حصين أنه أثنى على قيس، وكذا عن سفيان وأنه وثقه هو وشعبة وغيرهما. وقال في ترجمته: عن شعبة أنه قال: ألا ترى إلى يحيى بن سعيد يقع في قيس بن الربيع ؟ لا والله ما إلى ذلك سبيل. وقال عبيد الله بن معاذ، عن أبيه: سمعت يحيى ابن سعيد ينقص قيساً عند شعبة، فزجره ونهاه، وقال عفان: وقلت ليحيى بن سعيد: هل سمعت من سفيان يقول فيه يغلطه أو يتكلم فيه بشيء ؟ قال: لا، قلت ليحيى: أفتتّهمه بكذب ؟ قال: لا. قال عفان: فما جاء فيه بحجة ـ إلى أن قال في آخر ( ص 394 ) ـ وسئل أحمد: لم ترك الناس حديثه ؟ فقال: كان يتشيّع ويخطئ في الحديث، انتهى المراد.
قلت: فيه خلاف كبير بينهم، ومن طالع ترجمته عرف هذا.(1/108)

وقوله: « يخطئ في الحديث » يدفعه كلام شعبة: « ولم يأتوا فيه بحجّة » إنما ذكروا خطأه في حديث عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير، فقال أبو هاشم صاحب الرمان: « وهذه الغلطة إن صحّت لا توجب ترك حديثه، ولكن التحامل عليه صيّر الغلطة عادة له، حتى صيّرته متروكاً بعد أن عدّ ابن حجر من الرواة عنه عشرين راوياً من كبار المحدثين منهم شعبة وسفيان ووكيع ».
وانظر لترجمة قتيبة بن سعيد لمّا مالوا إليه اغتفروا له رواية الحديث الذي حكموا بوضعه، ورجح ابن حجر أنها غلطة، ولم يجعلها قادحة، ولا رضي بأن تنسب إليه الغفلة من أجلها.
وكذلك عنبسة بن سعيد بن العاص، اغتفروا له أنه جليس الحجاج سفاك الدماء ظلماً وعدواناً. قال في ترجمة عنبسة في تهذيب التهذيب ] خ م د [: ] عنبسة [: ابن سعيد ـ أي أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود ـ ثم قال: قال ابن معين وأبو داود والنسائي والدارقطني: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الدارقطني: كان جليس الحجاج. قال ابن حجر: وروى عنه أيضاً محمد بن عمرو ابن علقمة. قال الزبير: كان انقطاعه إلى الحجاج، وقال ابن أبي حاتم في ترجمة نصر بن مزاحم ( ج 8 ص 468 ) من كتاب الجرح والتعديل: سألت أبي عنه فقال: واهي الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه، كان شبه عريف، قال صاحب الحاشية عليه: وفي اللسان وفي الشافي ( ج 1 ص 254 ) أنه ولاّه محمد ابن محمد بن زيد بن علي(عليه السلام) على السوق أيام أبي السرايا، انتهى المراد.(1/109)

فتحصل أنه كان من أصحاب الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أو من أصحاب محمد بن محمد ابن زيد بن علي(عليه السلام). فلا تغتفر معاونته عند ذا وذاك، فصاحب إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي أفتا بالخروج معه قالوا فيه: حروري وكان يرى رأي الخوارج، وهذا يقول فيه أبو حاتم: « شبه عريف » لأنه مع حواري آل محمد، أبي السرايا السري بن منصور الشيباني الباذل نفسه في نصرتهم على ضعفهم وقوّة أعدائهم، العامل بوصية جدّهم: « أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي »(1)[68]) ولله در قائلهم:
لقد مال الأنام معاً علينا***كأن خروجنا من خلف ردم
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( ج 4 ص 181 ) في ترجمة سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر الكوفي ما لفظه: وقال أبو هشام الرفاعي: حدّثنا أبو خالد الأحمر الثقة الأمين. وقال أبو حاتم: صدُوق. وقال الخطيب: كان سفيان يعيب أبا خالد الأحمر بخروجه مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وأما أمر الحديث فلم يكن يطعن عليه. انتهى المراد.
__________
(1) 68]) صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، الحديث رقم 4425.(1/110)

22 / 58
ع
En
A+
A-