قال السيد العلامة عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي في « الجداول » في أحمد بن عامر: احتج به المنصور بالله والقاسم بن محمد وصححا إسناد الصحيفة، وعداده في ثقات الشيعة. وقد ذكر صاحب « كنز العمال » حاكياً عن السيوطي سنداً آخر، عن أحمد بن عامر من غير رواية ابنه عبدالله، ولفظه قال شاذان: أنبأنا أبو طالب عبدالله بن محمد بن عبدالله الكاتب بعكبرى، أنبأنا أبو القاسم عبدالله بن محمد بن غياث الخراساني، حدّثنا أحمد بن عامر بن سليم الطائي، حدّثنا علي بن موسى الرضا... الخ.
قال في كنز العمال ( ج 15 ص 134 ) الطبعة الثانية طبعة حيدرآباد الدكن الهند سنة ( 1388 هـ ) في الفضائل في قسم الأفعال في فضائل علي(عليه السلام)قال الشيخ جلال الدين السيوطي: هكذا وقع لنا في هذا الإسناد أحمد بن عامر رواية غير ابنه عنه قال: وقال الذهبي: عبدالله بن أحمد بن عامر عن أبيه من ( عن ) أهل البيت، له نسخة باطلة فما اتهم إلا الابن دون الأب قال السيوطي: وهذا الطريق من رواية غير الابن والأب موثق فإما أن تكون هذه متابعة للابن فيخرج عن التهمة فإن هذه النسخة وغيرها من النسخ المحكوم ببطلانها ليست كلها باطلة بل غالبها، وفيها أحاديث لها أصل، وإما أن يكون هذا التابع ممن يسرق الحديث فسرقه من الابن وحدث به عن الأب بغير واسطة كما هو دأب سراق الأحاديث ولم أقف لهذا الرجل على ترجمة، انتهى المراد.
هذا والصحيفة لها شواهد، ولها تخريج مطبوع معها، مع أن كلام الذهبي في عبدالله بن أحمد غير مقبول فالتهجين به مردود.(1/101)
8 ـ داود بن سليمان:
وأما داود بن سليمان القزويني فالمعروف داود بن سليمان الغازي، وقد ذكره الذهبي في « الميزان »، وقال فيه: الجرجاني ولم يقل فيه: القزويني، والقزويني علي بن محمد بن مهرويه، الراوي عن داود بن سليمان الغازي، وحديثه قليل في أمالي أبي طالب. وجرح الذهبي له مردود لتعصب الذهبي ضد الشيعة. فالتهجين المبني على تقليد الذهبي وقبول قوله في خصومه لا يليق بمنصف.
9 ـ الحارث الهمداني:
وأما الحارث بن عبدالله الهمداني، فقال فيه صاحب « تهذيب التهذيب »: الحارث بن عبدالله الأعور الهمداني الخارفي أبو زهير الكوفي. ثم قال: روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وبقيرة امرأة سلمان. روى عنه الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو البخترى الطائي، وعطا بن أبي رباح، وعبدالله بن مرة وجماعة، انتهى المراد.
ونحو هذا في ترجمته في كتاب « الجرح والتعديل » لابن أبي حاتم وفيه ( ج 3 ص 79 ): حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شريك عن جابر، عن عامر قال: لقد رأيت الحسن والحسين رحمهما الله يسألان الحارث الأعور عن حديث علي. انتهى المراد.
وفي ترجمة الحارث في « تهذيب التهذيب »: وقال أشعث بن سوار، عن ابن سيرين: أدركت الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث حدّثني بعبيدة ومن بدأ بعبيدة حدّثني بالحارث. وقال علي بن مجاهد، عن أبي جناب الكلبي، عن الشعبي: شهد عندي ثمانية من التابعين الخيّر فالخيّر، منهم سويد بن غفلة، والحارث الهمداني حتى عد ثمانية أنهم سمعوا عليّاً يقول، فذكر خبراً.(1/102)
وقال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض الناس، تعلم الفرائض من علي. ثم قال ابن حجر: وفي مسند أحمد: عن وكيع، عن أبيه، قال حبيب بن أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدث عن الحارث، عن علي في الوتر: يا أبا إسحاق، يساوي حديثك هذا ملأ مسجدك ذهباً. ثم قال: وقال ابن أبي خيثمة: قيل ليحيى: يحتج بالحارث ؟ فقال: ما زال المحدثون يقبلون حديثه. ثم قال عن ابن عبد البر: ولم يبنْ من الحارث كذبة، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي، ثم قال ابن حجر: وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه ! وما أحسن ما روى عن علي، قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب، قال: لم يكن في الحديث إنما كان كذبه في رأيه.
قلت: هذه الرواية عن الشعبي ضعيفة، لأنها من رواية عن المغيرة بن مقسم الضبي. وذكر الذهبي في التذكرة ( ج 1 ص 135 ) مغيرة وقال عن أحمد أنه قال فيه ـ أي في المغيرة ـ: ذكي حافظ صاحب سنّة.
قلت: يسمون من كان على مذهبهم صاحب سنّة. ولقد عُقد في سنن أبي داود كتاب من كتبها اسمه كتاب السنّة، وهو المشتمل على الروايات الموافقة لمذهبهم. ولذلك لا يطلقونه على الشيعي المخالف لما يتعصبون له وإن كان من كبراء علماء الحديث، ثم قال الذهبي: وكان ـ أي مغيرة ـ عثمانياً، وكان يحمل على علي بعض الحمل، انتهى المراد.
وذكر ابن حجر في « تهذيب التهذيب » عن العجلي أنه قال في مغيرة: إنه كان عثمانياً.(1/103)
قلت: ولذلك فهو متّهم في الحارث لأنه خصمه، وقد ظهر تحامل المغيرة على الشيعة، مما روي عنه أنه قال: لم يكن يصدق على علي(رضي الله عنه)في الحديث عنه إلا من أصحاب عبدالله بن مسعود. فهذا تحامل على أصحاب علي(عليه السلام)جملة. قلت: مع أن في آخر ترجمة مغيرة في « تهذيب التهذيب » أنه كان مدلساً فقال: وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: كان مدلساً، وقال إسماعيل القاضي: ليس بقوي فيمن لقي، لأنه يدلس فكيف إذا أرسل ؟ انتهى.
قلت: فإذا لم يتجاسر على الكذب الصراح، فلا يبعد منه التدليس بأن يقول كما رواه ابن أبي حاتم في ترجمة الحارث بسنده عن المغيرة، قال: سمعت الشعبي يقول: حدّثني الحارث وأنا أشهد أنه أحد الكذّابين.
والتدليس في هذا أن يجعل قول الشعبي هو حدّثني الحارث فقط. وقوله: وأنا أشهد... الخ. عطف على قوله: سمعت الشعبي يقول: حدّثني الحارث. فصار أصل المعنى: سمعت الشعبي يروي عن الحارث وأنا أشهد أنه أحد الكذابين ـ يعني المغيرة ـ أنه هو يشهد أن الحارث أحد الكذابين، فيسمعه أحد الرواة عن المغيرة فيتوهم أن قوله: وأنا أشهد... الخ من كلام الشعبي فيرويه على ما توهم، فيقول عن مغيرة عن الشعبي، حدّثنا الحارث: وكان كذاباً.
والواقع أن قوله: وكان كذّاباً، من كلام المغيرة إلا أنه دلسه، يؤكد هذا أن في مسند أحمد بن حنبل ما يدل على أن الشعبي يقبل حديث الحارث، فإنه أخرج في ( ج 1 ص 133 ): حدّثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن الشعبي قال: لعن محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)آكل الربا ومؤكله، إلى قوله: فقلت: من حدّثك ؟ قال: الحارث الأعور الهمداني. انتهى. فدل على قبوله لحديثه.(1/104)
وأما ما روي عن محمد بن شيبة الضبي، عن أبي إسحاق أنه قال: زعم الحارث وكان كذوباً. فهذا لا يصح عن أبي إسحاق، لأن محمد بن شيبة لم نجد أحداً وثقه إلا ابن حبان، وابن حبان يوثق المجهول. وقد اعترف مقبل في « الرياض » بأن ابن حبان يوثق المجهول، ذكر هذا في ( ص 102 ). قال ابن حجر في ترجمة محمّد بن شيبة من « تهذيب التهذيب »: وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. انتهى. وفي لسان الميزان لابن حجر ( ج 1 ص 14 ) قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلاً مقبول الرواية، إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح. هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها. قال ابن حجر: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان ـ من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه ـ مذهب عجيب والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه، فإنه يذكر خلقاً ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره أنهم مجهولون. ثم قال ابن حجر: وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال: العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل، حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم، انتهى المراد.
فثبت أنه لا عمل على رواية محمد بن شيبة التي ذكرناها.
وأما ما روي من طريق زائدة عن إبراهيم أن الحارث اتّهم، فقد مرّ القول في زائدة في ترجمة جابر، وأن زائدة متّهم في الشيعة. مع أن قوله « اتهم » لا يلزم منه جرحه، لأنه يمكن أنه يعني اتّهم بمذهب مخالف لمذهب إبراهيم، أو أنه اتّهمه بعض خصوم الشيعة الذين يتهمونهم بسبب رواية الفضائل بالكذب.
* * *
السنة المتّبعة في الجرح والتعديل(1/105)