قلت: إذا كان يروي المناكير فقد كفانا هذا في دفع روايته عن حسين بن علوان، وإن كان من أهل الصدق فليس معنى ذلك إلا أنه لا يتعمد الكذب، وهذا تنزيه له ـ أعني لأحمد بن عبيد ـ لا لحديثه، حيث قد ثبت فيه مناكير وأنه لا يتابع على جلّ حديثه.
وأما رواية حسين بن علوان عن الباقر(عليه السلام) وزيد فهي غير منكرة لا سنداً ولا متناً، أما السند فلأن حديثهما لم يدونه المحدثون من تلاميذ يحيى بن سعيد وأضرابهم، فلا يصح أن يستنكر تفرد أبي خالد وحسين بن علوان بهذا الحديث عنهما، كما لا ينكر تفرد الشيعة عن سائر أئمة أهل البيت، لأن المحدثين المخالفين أعرضوا عنهم وجرحوا في أكثر الرواة عنهم فقل حديثهم عند القوم. أما الشيعة فأقبلوا إليهم ورغبوا في علمهم، فكان عندهم منه ما ليس عند غيرهم، وهذا واضح عند الإنصاف.
وأما رفع اليدين عند الابتهال إلى الله، فهو غير مستنكر، فليس في معنى الحديث ما ينكر.
فالحاصل، أن الذي أنكره القوم وكذّبوا حسين بن علوان بسببه كله أو جله عنه عن هشام، وقد قلنا: يمكن أنه سمعه منه في قدمة هشام الثالثة إلى العراق في حال كبره وتغير حفظه، فحديثه عن هشام ضعيف. وهذا لا ينافي صحة حديثه عن أبي خالد، وحديثه عند الزيدية عن أبي خالد، وقد ثبت عندنا أنه ثقة والتفرد من الثقة غير قادح.

4 ـ عمرو بن شمر:
وأما عمرو بن شمر، فذكره ابن أبي حاتم وافاد أن عمرو بن علي قال: إنه منكر الحديث، وإنه قال أبو حاتم: منكر الحديث جداً ضعيف الحديث لا يشتغل به تركوه، وأنه قال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
فهؤلاء نظروا إلى حديثه، فلننظر في حديثه كما نظروا، فإن كان منكراً تركناه وإن كان صالحاً لم نقلدهم، لأنهم مخالفون متّهمون في الشيعة وحديث الشيعة.
وقال ابن أبي حاتم: قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سمعت يحيى ابن معين يقول: عمرو بن شمر ليس بثقة... انتهى.(1/96)

قلت: إن صح هذا عن ابن معين فهو نظر إلى حديثه وظن منه واجتهاد، لا يقلد فيه لأنهم ينكرون من الحديث ما ليس منكراً عندنا كبعض الفضائل، وكبعض أخبار التحكيم. وفي شرح نهج البلاغة ( ج 2 ص 229 ) من طريق عمرو بن شمر في قضية التحكيم كلام عن علي(عليه السلام)في عمرو بن العاص لعلهم جرّحوه من أجله، هذا إن صحّت الرواية عن يحيى بن معين. لكن في صحة هذا عنه نظر، فهذه الطريقة قد تكررت في كتاب ابن أبي حاتم، وظهر أن معظمها في جرح الشيعة، حتى جرحت عدداً منهم بهذا السند الذي يقول فيه: قرئ على العباس بن محمد الدوري، ولذلك ظهر أنها عملت لجرح الشيعة. ومثلها كتاب منسوب إلى صالح بن أحمد بن حنبل يروي عن أبيه أحمد بن حنبل يجرح فيه الشيعة.
ويخشى أن عبد الرحمن بن أبي حاتم اغترّ ولم ينتبه أنها مكيدة مدبّرة للشيعة من أعدائهم لجرح الشيعة وتوثيق خصومهم ومن يتعصبون له.(1/97)

هذا، وقال ابن حبان في عمرو بن شمر: يروي عن جابر الجعفي عداده في أهل الكوفة، روى عنه أهلها، كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها... انتهى.
ولم يرو عنه حديثاً يستدل به على دعواه كما هي عادته في رواية شيء من حديث المجروح أو المضعف احتجاجاً لجرحه أو تضعيفه. وكأنه هنا لم يجد شيئاً يثبت به صحة دعواه هذه على عمرو.
وحديثه عند الزيدية يوجد في الكتب التي لا تلتزم راوياً واحداً، وهو قليل وليس فيه عندنا ما ينكر.
قال السياغي في الروض النضير ( ج 1 ص 529 ) عن الطبقات: هو ـ أي عمرو بن شمر ـ ممن أخرج له محمد بن منصور في الأمالي وكتاب الذكر وثّقه المؤيد بالله، وقد ذكر أنه لا يروى إلا عن ثقة سمعه من فم الثقة، وروى له غيره من الأئمة، فعرف أنه من خيار شيعة أئمتنا، وإنما جرّح بسبب رواية الفضائل....
قلت: الطبقات: من كتب الزيدية في الجرح والتعديل. والروض: هو « الروض النضير » شرح مجموع زيد بن علي(عليه السلام)ومؤلفه القاضي العلامة حسين ابن أحمد السياغي، وهو كتاب مطبوع منشور، وأنا أرويه عن سيدي العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي، قال أيّده الله: وأما الروض النضير فأرويه بطرق أعلاها عن والدي(رضي الله عنه)، عن شيخه العلاّمة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي، عن حفيد المؤلف ابن بنته العلاّمة الحافظ أحمد بن محمد السياغي المتوفى سنة ( 1323 )، عن السيد العلاّمة بدر الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الكبسي المتوفى سنة ( 1289 هـ )، عن أبيه رضي الله عنهم، عن المؤلف القاضي العلاّمة شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي الحيمي الصنعاني، المتوفى سنة (1221 هـ).(1/98)

5 ـ عبد السلام بن صالح الهروي:
وأما عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، فقد تكلموا فيه بسبب ما رواه من الفضائل لأنهم ينكرونها. قال الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 126 ) والصفحة بعدها ما لفظه: وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول: سمعت أبا العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية عن الأعمش « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ؟ قال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون، سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول، وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت ؟ فقال: هو صدُوق، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها » فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كما رواه أبو الصلت، انتهى المراد.
وفيه دلالة واضحة أنهم يجرحون برواية الفضائل، ألا ترى إلى قول العباس بن محمد الدوري: « أليس قد حدث عن أبي معاوية... »، وقول صالح بن محمد بن حبيب كذلك ؟ وذلك أنهم يرونها مناكير ليجرحون راويها لأنه عندهم يروي المناكير، فلهذا لا يوثق بجرحهم للشيعة. مع أن التشيع عندهم من أسباب الضعف، ألا ترى أن الذهبي قال في ترجمة أبي الصلت في الميزان: عبد السلام بن صالح ( ق ) أبو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد. ثم نقل جرحهم له، ثم قال: وقال عباس الدوري، سمعت يحيى يوثق أبا الصلت، وقال ابن محرز عن يحيى: ليس ممن يكذب، انتهى المراد.(1/99)

وقال الخطيب في تاريخه في ترجمة أبي الصلت ( ج 11 ص 47 ): قرأت على الحسن بن أبي القاسم، عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام يقول: سمعت أحمد بن سيار بن أيوب يقول: أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، ذكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن ابن سمرة، وقد لقي وجالس الناس، ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة، وهو من آحاد المعدودين في الزهد، انتهى المراد.
وقال الخطيب في ترجمته ( ص 48 ): أخبرني عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال: سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع. انتهى. وقد زاد جملة من هذا القبيل في ( ص 50 ) فليراجعه من أراد الزيادة.

6 ـ علي بن مهدي القاضي:
وأما علي بن مهدي القاضي. فذكره الذهبي في الميزان في ترجمة الإمام علي ابن موسى الرضا(عليهما السلام)، وذكر أن له صحيفة عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام). ولا أعرف هذه الصحيفة إن كانت غير الصحيفة الموجودة عندنا التي يرويها عبدالله ابن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام). ولا أعرف لعلي بن مهدي حديثاً عند أصحابنا.

7 ـ عامر الطائي:
وأما عامر الطائر فالصواب ( الطائي ) جد عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي. وراوي الصحيفة هو عبدالله بن أحمد عن أبيه، عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام).(1/100)

20 / 58
ع
En
A+
A-