وأخرج الحاكم في المستدرك أيضاً ( ج 4 ص 486 ) عن شهر بن حوشب قال: لما جاءت بيعة يزيد بن معاوية قلت: لو خرجت إلى الشام فتنحّيت من شر هذه البيعة، فخرجت حتى قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف فجئته، فإذا رجل فاسد العينين عليه خميصة، وإذا هو عبدالله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال له عبدالله: حدث بما كنت تحدث به، قال: أنت أحق بالحديث، فقال له عبدالله: حدث بما كنت تحدث به، قال: أنت أحق بالحديث منّي، أنت صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إن هؤلاء منعونا عن الحديث ـ يعني الأمراء ـ قال: أعزم عليك إلا ما حدّثتنا حديثاً سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعته يقول: « إنها ستكون هجرة بعد هجرة، يجتاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرارها، تلفظهم أرضهم، وتقذرهم أنفسهم، والله يحشرهم إلى النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف ». وسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم ».
وفي تفسير الطبري ( ج 3 ص 211 ) حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا جرير قال: فقلت للمغيرة: إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن علياً كان معهم ـ أي مع من خرج بهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)للمباهلة ـ لأن هذا عقيب حديث المباهلة، معطوف عليه بقوله: فقلت... فقال: أما الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أمية، أو لم يكن في الحديث.(1/76)
وأخرج البخاري في باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ووفاته ( ج 5 ص 139 ) عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قالت: لما ثقل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر. قال عبيد الله: فأخبرت عبدالله بالذي قالت عائشة: فقال لي عبدالله بن عباس: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب.
وقال ابن الأمير في الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ( ص 241 ) في شرح قول والده:
كتمت أعداؤه من فضله***ما هو الشمس فما يغنون شيئاً
زعموا أن يطفئوا أنواره***وهو نور الله ما انفك مضيئاً
فقال ابن الأمير: ذكر بني أمية، وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد وليت بنو أمية الإمارة المدة الطويلة وبالغت في هدم شرفه الرفيع، ونهت عن التحدث بفضائله، وأمروا بسبه، وطووا ذكر فضله، وأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر في الخافقين أعلام فضل علي برغم أنف كل معاند. وقد أطال أهل التاريخ في ذلك بما هو معروف، حتى بلغ من عداوتهم كراهة التسمي بهذا الاسم الشريف، كما حكي عن جد الأصمعي، أنه شكى على الحجاج بن يوسف فقال: إن أهلي عقّوني، قال: بماذا ؟ قال: سمّوني عليّاً، فولاه الحجاج بعض أعماله، وغيّر اسمه مكافأة له على ما تلطّف به إليه. إلى أن قال ابن الأمير: فهذا ما أشار إليه في قوله: « زعموا أن يطفئوا أنواره » البيت. وصدق، لقد ملأت أنوار فضائله الآفاق، وبيّضت بسوادها وجوه الأوراق، مع مبالغة العدا في إطفائها حتى تحامى المحدثون نشر فضائله، لكثرة القادحين بذلك وردهم لحديث من شهر بحب الوصي(عليه السلام).
ولو أنصفت في حكمها أم مالك***إذاً لرأت تلك المساوي مناقبا(1/77)
إلى أن قال: فناهيك أنه ملك بنو أمية الأمر قريب المائة السنة يتقرب إليهم المتقربون بذمه وانتقاصه، صانه الله تعالى، ولا يرون قدراً لغير من أتى بذلك، فكيف تنشر له فضيلة أو يرويها أحد ؟ فبحق أقول: ما ظهر منها ما ظهر مع المبالغة في طيه إلا لما ضمنه الله تعالى من حفظ السنة النبوية، كما ذكره المحققون، أنه تعالى ضمن حفظ كتابه الكريم، وسنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، وفضائل الوصي من السنة، لأنها من الأقوال النبوية، إلى أن قال ابن الأمير في (ص242) ـ: وروى عطا عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك وأحدث بفضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)يوماً إلى الليل وأن عنقي ضربت بالسيف، قال أبو جعفر: وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي(عليه السلام)وعاقبوا على ذلك... الخ.
وروى الخطيب في تاريخه في ترجمة نصر بن علي بإسناده، عن نصر بن علي قال: أخبرني علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي، حدَّثني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه علي بن حسين، عن أبيه، عن جدّه أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال أبو عبد الرحمن عبدالله ـ يعني ابن أحمد بن حنبل ـ لما حدّث بهذا الحديث نصر بن علي، أمر المتوكل بضربه ألف صوت ( سوط ).
فحاصل الجواب عن جرح أبي خالد، أن الذين جرحوه جرّحوه لأن في حديثه ما ينكرونه ويرونه جرحاً، وأن ذلك الذي ينكرونه لتفرده به، أو لكونه من الفضائل ليس عندنا منكراً ولا موجباً للجرح، ونحن لا نقلدهم للخلاف بيننا وبينهم في أصول الجرح والتعديل وأسبابهما، كما مرّ مفصلاً.
2 ـ جابر الجعفي:(1/78)
وأما جابر بن يزيد الجعفي، فقال فيه ابن أبي حاتم: روى عنه الثوري، وشعبة، وزهير، وإسرائيل، وشريك، سمعت أبي يقول ذلك، حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال: سمعت سفيان يقول: إذا قال جابر: حدّثنا وأخبرنا فذاك.
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثني أبي، حدّثنا أبو غسان التستري قال: سمعت أبا داود قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: كان جابر ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث من جابر.
حدّثنا عبد الرحمن حدّثني أبي، حدّثنا إبراهيم بن مهدي قال: سمعت إسماعيل بن علية قال: سمعت شعبة يقول: جابر الجعفي صدُوق في الحديث.
حدّثنا عبد الرحمن ـ يعني ابن الحكم بن بشير ـ حدّثنا يحيى بن أبي كثير قال: كنا عند زهير ـ يعني ابن معاوية ـ فذكروا جابراً الجعفي، فقال زهير: كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس.
حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت ابن الجنيد يقول: سمعت أبا حفص ـ يعني عمرو بن علي ـ يقول: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن جابر، وكان عبد الرحمن يحدثنا عنه قبل ذلك ثم تركه.
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أحمد بن سنان قال: ترك عبد الرحمن بن مهدي حديث جابر الجعفي.
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثني أبي قال: سألت أحمد بن حنبل عن جابر الجعفي فقال: تركه عبد الرحمن ويحيى، حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبي، حدّثنا الطنافسي قال: سمعت وكيعاً يقول: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر بن يزيد أبا محمد الجعفي ثقة، حدّثنا عنه مسعر وسفيان وشعبة وحسن بن صالح، حدّثنا عبد الرحمن قال: قُرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: جابر الجعفي ( هو ) ضعيف.
حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: جابر الجعفي يكتب حديثه على الاعتبار، ولا يحتج به.(1/79)
حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبا زرعة يقول: جابر الجعفي ليّن. انتهى من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي.
وأنت تراه مختلفاً فيه، والذين تركوه هم يحيى بن سعيد القطان، الذي تكلم في جعفر الصادق(عليه السلام)وغيره من ثقات الشيعة، وهو متهم بالتحامل والتعصب لمذهبه، وبعض تلاميذه يتركون من يغيظهم بمذهب يعتقدونه بدعة كمسألة اللفظ، أو غير ذلك مما لا يصح أنه قادح في الحقيقة، وإنما سبب تركه غضبهم عليه، ويتركون من يروي رواية ينكرونها لمعارضتها لعقيدتهم، على ما مر مفصلاً. فلا يلتفت إلى ترك يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، ولا إلى قول أبي حاتم فيه: لا يحتج به، وقول ابي زرعة: ليّن، لأن ذلك كله مبهم، وهم مظنة أن يقولوا ذلك على جابر لسبب ظن غير مصيب، بل جرّت إليه عداوة المذهب والنفار من رواية فضائل علي(عليه السلام)وأهل البيت، لأن جابراً من كبار الشيعة، كما لا يخفى، وذلك مظنّة أن يبعث على سوء الظن.
قال ابن الوزير في « تنقيح الأنظار » وابن الأمير في شرحه ( ج 2 ): فقد جرح بذلك ـ أي بأمر العقائد ـ خلق كثير، بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض، والنصب، والغلو في التشيع، والقول بخلق القرآن، وكل ذلك من مسائل الاعتقاد ( ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين، لا سيما من كان داعية إلى مذهبه، فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه ).
اعلم أن في المقام بحثين:(1/80)