[مقدمة المؤلف]
وبه نستعين، الحمد لله الذي جعل العترة النبوية لها ميم الشرف، وَسَادات هذه الأمة الخلف منها والسلف، خصهم الله سبحانه بالتفضيل، وَحَباهم بالتعظيم وَالتبجيل، وجعلهم الدعوة الباقية في عقب إبراهيم الخليل، مهبط التنزيل، وملجأ التأويل، ومختلف ميكائيل وجبرائيل، ألبسهم الله سرابيل النبوة في الإبتداء، وَتوَّجهم بأكاليل الإمَامة في الإنتهاء، فجعل الإمامة من النبوَّة خلفاً، وجعلهم أئمة يهتدون بأمره وَخُلَفَاْء، لا معقب لحكمه لهم في وحيه، ولا راد لأمره فيهم ونهيه، إلاّ من حكم عليه حب الإلف والعادة، واختار الشقاوة على السعادة، صفوة الله من بريته، وحججه على الكافة من خليقته، سفينة نوح، وباب السلم المفتوح، ولله در من قال ولقد أحسن في المقال:-
أنتم سفينة نوح وَالمراد بها .... ولاكم لامسَاميراً ولا خُشُبَا
فمن تعلق منها بالولاءِ نجا .... ومن تخلف في بحر الهوى عطبا
وما المودة في القربى بواجبةٍ .... لهاشم بل لكم يا أقرب القُرَبَى
وما الصراط سوى إضمار طاعتكم .... فمن تنكّب عن منهاجكم نكبا
وكل منقلب عن عقد بيعتكم .... كان الجحيم له مأوى وَمنقلبا
بني أبي طالب لولا محبتكم .... مَا فاز ذُوْ الدين والدنيا بما طلبا
لولا محبتكم فينا وحجتكم .... لكان يزهد في الإسلام من رغبا(1/41)


وَأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم تاج آنبيائه، وَغرة أصفيائه، أشرف البشر، ووسيلة الرسل يوم المحشر:
دع ما تقول النصارى في نبيئهم .... من الغلو وقل ما شئت واحتكم
وأن علياً نافجة زنده، ويافخ فرنده، والإمام المنصوص عليه من بعده، سيد الأوصياء، وصفوة خاتم الأنبياء، المخصوص بعقائل الكرامات، الفاتح لباب الإمامات.
لا تقبل التوبة من تائب .... إلاّ بحب ابن أبي طالب
حب علي وَاجب لازب .... في عنق الشاهد وَالغائب
أخو رسول الله حلف الهدى .... والأخ لا يعدل بالصاحب
إن مال عنهُ الناس في جانب .... ملتُ إليه الدهر في جانب
جاءت به السُّنة مقبولةً .... فلعنة الله على النَّاصبِ
وأن المفضل لغيره عليه مرتبك في الخطأ، متقاصراتٌ عنه فسيحات الخُطا، ولله الشافعي(45) حيث يقول:
وإن جاش طوفان الضلال فنوجُه .... عليٌ وإخلاص الولاءِ له فلْك
إمام إذا لم يعرف المرءُ فضله .... على الناس لم ينفعه زهد ولا نُسْك
ولَوْ لاَمَنِي فيه أبي لم أطع أبي .... وَحَاشا أبي أن يعتريه به شك
وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ورضيعا حلف الكتاب والسنة، نص عليهما أبوهما الأمين، وأخبر أنهما وذريتهما أمان من في الأرض من العالمين، [شعراً]:
قيل لي أنت أوحد الناس في النظم .... فماذا تقول في السبطين
قلتُ لا أهتدي على الحسن السبـ .... ـط ثناءً ولا مديح الحسين
مهجتا أحمدٍ وَشبلا عليّ .... وسليلا كريمة الأبوين(1/42)


وأن العترة النبوية سادات الأنام، والمفضلون بما آتاهم الله من الفضائل على الخاص والعام، نص عليهم أبوهم حيث قال: ((قدموهم ولا تَقَدَّمُوهم، ولا تشتموهم فتكفروا، ولا تخالفوهم فتضلوا))(48).
________________
([48]) - قال الإمام المنصور باالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي: (رُوينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
قال المولى الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله تعالى في التخريج: ورواه في الكامل المنير بلفظ: ((فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا))، من حديث طويل عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم.
وروى المرشد بالله بسنده إلى أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا تعلموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تشتموهم فتضلوا)).
ولذا قال علي عليه السلام من خطبة:(انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا إثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لَبَدُوا فَاْلبُدُوا وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا)، انتهى.
قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في اللوامع ج/2/524:
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لاتعلموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تقصروا عنهم فتهلِكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا)) من رواية القاسم بن إبراهيم عن زيد بن أرقم.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من سره أن يحيا حياتي))...إلى قوله: ((فليتول علي بن أبي طالب، والأخيار من ذريتي)) وقد علم أن ذريته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من ولد فاطمة بالأخبار الجمة، وهذا الخبر رواه محمد بن سليمان الكوفي، وروى بإسناده إلى محمد بن علي رفعه، وروى بسنده إلى محمد بن عبدالله، وأخيه يحيى بن عبدالله الكامل؛ عن جدهما، عن علي بن أبي طالب، قال: لما خطب أبو بكر قام أبي بن كعب، فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، قال: ((أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم، ولا تقدموا عليهم، وأمِّروهم ولا تأمروا عليهم...إلخ))؟.
قال رحمه الله في التخريج: تأمل إلى شدة عناد المخالفين للعترة ـ عليهم السلام ـ كيف يستدلون على أن الإمامة في قريش بما يروونه آحاداً من أنه قال: ((قدموا قريشاً...إلخ)).
قلت: وبخبر: ((الأئمة من قريش)).
قال: ولا يلتفتون إلى حديث الثقلين المتواتر، الذي فيه: ((قدّموهم ولا تقدموا عليهم)) وأنه دليل على أن الإمامة في العترة، انتهى.(1/43)


ولقد أحسن سعيد السعيد:-
أجبت كتاب الله حق إجابة .... وصدقته فيكم فأنتم ولاته
وسلمت للفرقان فيما قضى به .... ووليتكم فيه فأنتم هداته
وأنتم حصون العلم بعد محمد .... بكم يهتدي الهادي وأنتم رعاته
وأن المتعَرض لمحاولة ثلمهم من الضالين، وأن الله لعمله من القالين ،
أحب النبي وآل النبي .... لأني ولدت على الفطرة
إذا شك في ولد والدٌ .... فآيته البغض للعترة
وبعد: فإنه قل ما يسلم جسد من حسد، فكانت العترة النبوية محسدة المناقب، لابتغائها في الشرف هامات النجوم الثواقب.
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بنظير
وما زال الدهر يرعف عن كل يوم بروافض ونواصب، والشيطان يملي على ألسنتهم ليُبَوِّأهم دار العذاب الواصب، شعراً:
وإذا أراد الله نشر فضيلة .... طُويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما باشرت .... مَا كان يعرف طيب عرف العود(1/44)


إلى أن نبغ في هذا الأوان كل وانٍ، واختلط بالفضلاء كما يختلط بالقمح الزوان ، فاختار ضلالته على رشده، وأخبرتنا كراهته للعترة عن حكم ميلاده، ولله در الصاحب الكافي حيث يقول:
من كان ذا نسك وَذا عفة .... وبغض أهل البيت من شانه
فإنما العتب على أمّه .... أتت به من بعض جيرانه
فتارة يقعقع بشنه على الوصي، وتارة يسوي بين السيوف والعصي، وآخر يتنسك ويصوم، وهو ينهش لحم المعصوم، وفينةً يطن طنين الذباب، ليروّع بطنينه أسود الغاب، ويعارض بلمع السراب ماءَ الشراب، [شعراً]:-
يبيت عمروٌ غارزاً رأسه .... في سنة يوعد أخواله
هيهات كم بين البحر والثماد، وأين العنبر من الرماد، قارب من خَطْوه، وطامن من شخصه، وزعم نقض الأدلة، ومدح الكثرة، وذم القلة.
كدعواك كل يدعي صحة العقل .... ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل
انتحل التدليس، وأجاب دعوة إبليس، وفضل على التبر الخزف، وساوى بين الدر والصدف، أين مسامعه ـ أصم الله صداه ـ عن قول الرشيد بن الزبير في مدح العترة الهداة.
إذا العيون اجتلتهم قال مبصرهم .... سبحان رب البرايا بارئ النّسمِ
صاغ الخلائق من طين ومن حما .... وآل أحمد من طول ومن كرم
ماذا تنال القوافي في مديحكم .... وبعض أوصافكم تربوا على الكلم(1/45)

9 / 51
ع
En
A+
A-