وصل كتابه الجامع للمحاسن، الفارق بين العذب الزلال والآجن الآسن؛ فتعطّل جيد الخلافة بدرره، وتثمر وجه الحال بغرره، متجلبباً بالعجب، جامعاً للأدب، قد ملأ الدلو إلى عقد الكرب، وضمَّنه ما هو أشهى من المن والضرب؛ ولعمري، لقد أصبح منشؤه عميد الفصاحة وناموسها، ويافوخ البلاغة وقاموسها، وما هو إلا لطائم المسك الأذفر، وكرائم اليم الأخضر، كنوز الرموز، ورموز الكنوز، وأفكار الأبكار، وأبكار الأفكار، نبّه ووعظ، وقرض وأيقظ، لله دره من منطيق! وما ذكره من كلام الشافعية فالغيرة من الإيمان، وينبغي الذب عن الحوزة الزيدية، والانتصار للأسرة النبوية، باليد واللسان، والسيف والسنان؛ فلا زالت تلك الروية تنبذ الجواهر الطريفة، وتقذف بالدرر الشريفة، والله يمد مدته، ويحرس كريم مهجته، ويعيد من بركاته، والله يعلم أن القلب يأنس به، ويعتقد فضله وكرمه؛ ويأنس بأهل الدين لا يهضم لهم جانب، وهو في الحياة...إلخ كلامه المتين النبوي، والمعين العلوي، عليهم أفضل تحياته وسلامه.
قال: وكان إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله ـ يعظّمه تعظيماً عظيماً، ويكرمه.
سمعته يوماً يقول: هذا الهادي بن إبراهيم، إمام من أئمة أهل البيت؛ لأنه يافلان، أعلم الناس في علوم الشريعة، وأكملهم في معرفة علوم أهل الطريقة والحقيقة.(1/26)
وقال له: أحب منك أبياتاً على وزن:
كسيحون محبته .... غدا قلبي به سمكاً
فأنشأ ـ رضي الله عنه ـ:
صغير هواك عذَّبني .... فكيف به إذا احتنكا؟
هواك عليك مقتصرٌ .... وقلبي هام فيك لكا
ولي روح به شغف .... يروح إليك وهو لكا
ولي قلب أراك به .... إذا ما العين لم تركا
وإني فيك ذو وَلَهٍ .... فما أبقى وما تركا
ولي شوق إليك غدا .... عليه القلب مشتبكا
لقلبي باللقا ضحك .... ومن خوف الصدود بكا
فيا عجباه من دَنَف .... لدمع جفونه سفكا
ومنها:
ولو صبت مدامعه .... غدت من مائه بِرَكا
كسيحون...البيت.
وهذا آخرها:
ومالي عنه من بدل .... ومن لسمائه سمكا
قال: وله (ع) كرامات تُروى، وذكر منها: واقعة قوم تعدّوا عليه فسلّط الله تعالى عليهم عاجلاً وانتُهبوا، وأُسر بعضهم، وقُتل بعضهم، وشاهدهم بعينه؛ ثم تاب من بقي منهم وأناب؛ هذا حاصلها، انتهى من اللوامع.
ــــــــــــــ(1/27)
مؤلفاته
له كثير من المؤلفات ، قال مولانا حجة العصر/ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى:
له المصنفات العديدة منها : كفاية القانع في معرفة الصانع، ومن مؤلفاته نظم الخلاصةـ قلت : وتسمى بدرة الغواص في نظم خلاصة الرصاص إلى كمال الدين والإخلاصـ، وكتاب الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، والتفصيل في التفضيل، وكتاب الرد على ابن العربي، وهداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين، وكتاب الرد على الفقيه ابن سليمان في المعارضة والمناقضة، وكاشفة الغمة عن حُسْن سيرة الأئمة، وكريمة العناصر في الذب عن سيرة الإمام الناصر، وكتاب السيوف المرهفات على من ألحد في الصفات، ونهاية التنويه [هذا الذي بين يديك].
وفاته عليه السلام
توفي عليه السلام آخر نهار تاسع عشر ذي الحجة الحرام سنة 822هـ ثمان مائة واثنتين وعشرين بحمام السعيدي بذمار المحروسة صائماً، وقد أشار المزاح إلى ذلك في مرثيته عليه السلام بقوله :
أيقال إن حِمَامَه حَمَّامُه .... كلا لقد كانا على ميعاد
لما استتم طهارةً ونظافةً .... وافاه بين الماء والإيقاد
ولعل ذلك حظه من حرها .... وسواه واردها مع الوراد
وكان موته عليه السلام رائعاً للمسلمين، وفَلاًّ عظيماً في عضد الدين، ونقصاً في أهل البيت المطهرين، وعمره ثلاث وستون سنة وشهر وبضعة أيام .(1/28)
وقبره بذمار بموضع يقال له جربة صنبر، غربي قصر ذمار مشهور مزور [و] إلى هذا الموضع أشار من قال شعراً :
إن الفصاحة والرجاحة والعلا .... في تربة الهادي بجربة صنبر
شرفت بأعظمه فطاب صعيدها .... فترابها كالمسك أو كالعنبر
مفضل من صيد آل مفضل .... سادات أبناء النبي وحيدر
أكرم بها من تربة يمنية .... نسبت إلى ترب بطيبة والغري
وقد رثاه عليه السلام كثير من الناس من أهله وغيرهم، ومن أحسن مراثيه، مرثية الفقيه عبدالله بن عتيق المعروف بالمزاح الموزعي التي مستهلها :
مات الندى وثوى لسان النادي .... ونعي إلينا ديمة الرواد
وأعرت ماء الورد لون مدامعي .... ومنحتها لوناً من الفرصاد
فبحقه لو كان يُفدى هالك .... من هلكه لفديته بفؤادي
إلى قوله : أيقال إن حِمَامَه حَمَّامُه .....الأبيات السابقة المتقدمة .
ومنها :
أما الدليل على عظيم ثوابه .... فمماته في أشرف الأعياد
إلى آخر القصيدة المذكورة ، والبيت الأخير أشار به إلى تاريخ وفاته، وأنه في يوم الغدير، وكأنه أطلقه عليه وإن كان ثانيه؛ تسامحاً للتيمن.(1/29)
* ومن روائع شعره رضي الله عنه ما دار بينه وبين أخيه السيد محمد بن إبراهيم الوزير، قال مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في كتابه "عيون المختار من فنون الأشعار والآثار":وقد رأيت النقل من قصيدة السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وجوابها لأخيه السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير رضي الله تعالى عنهم، قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير:
ظلّت عواذله تروح وتغتدي .... وتعيد تعنيف المحب وتعتدي
واللوم لايثني المحب عن الهوى .... ويزيد توليع الفؤاد المعمدِ
إن المحب عن الملامة في الهوى .... في شاغل لولا اللوائم تعتدي
ألْهى المحب عن الملام وضده .... بين الجوانح لوعة لم تبردِ
وخفوق قلب لايقر قراره .... وسفوح دمع صوبه لم يجْمدِ
قٌلْ للعذول أَفِقْ فلست بمنتهٍ .... عن حب أجمل من تحلى فابعدِ
لو لمتني في الغور لم أشتق إلى .... شطيه أو في نجدهم لم أنجدِ
أوكان لومك في التصابي ماصبا .... قلبي ولا غلب الغرام تجلدي
أو لمتني في اللهو لم أطرب على .... نغم الغناء من القريض ومعبد
أو لمتني في المال لم يستهوني .... نظر اللِّجين ولا نضار العسجد
أو لمتني في حب غير محمد .... لحسبت أنك بالنصيحة مرشدي(1/30)