ولعمري إن هذا لهو الداء العضال، لولا ما مَنَّ به الكبير المتعال، من حياطة الدين بمقاول أهل الحق واليقين.
فبينما أنا بين هذه الهواجس التي تترامى بي في نواحي محيط التاريخ الزيدي، وبين موجاته الهائلة، إذْ أحدثت إليّ مواهب الله أخوين زائرين كريمين فاضلين هما - إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، وإسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، - يطلبان مني مساعدتهما بما يقومان به من عملهما الجدير بالإجلال والتقدير، وهو طبع ونشر ما يمكن طبعه ونشره من كتب الزيدية الصريحة النسب، التي لا زالت حبيسة خزائنها، وعرضا علي نشرةً بأسماء الكتب التي هما بصدر طبعها ونشرها، فوقع اختياري من بينها على كتاب (نهاية التنويه في إزهاق التمويه) للسيد العالم الجليل الهادي بن إبراهيم الوزير عليه السلام، إذْ كان فيه بغيتي المقصودة، وضالتي المنشودة، فقمتُ بتحقيقه على تبلبل البال، وكثرة الأشغال، وتزاحم الأعمال، رجاءً للثواب، وإعانة للأصحاب، بل الأخوة الأحباب، فكنت أنتهز الفرصة عند سنوحها في الأسبوع فما دونه الساعة والساعتين حتى أعان الله على إنجازه، بمنِّه وعونه، فالرجاء من الأخوة الدعاء بنيل الجزاء، والله أسأل أن يجعل هذا العمل نفعاً للإسلام والمسلمين، وإرغاماً للعتاة المفسدين، الذين يبغون الغوائل لهذا المذهب المتين، وأن
يجعلني وعملي من المقبولين، إنه هو الجواد الكريم .
ــــــــــــ(1/21)


من أهم عوامل التأليف
إن من يتصفّح التاريخ بإمعان يجد أن عصر المؤلف يعتبر شامة في جسم التاريخ، ويجد المؤلف غرة تلك الشامة؛ إذ أن عصره كان زاخراً بالأفذاذ أمثال :
الإمام علي بن المؤيد، والإمام المهدي أحمد بن يحيى، والإمام الناصر صلاح الدين، وعشرات الأئمة والأعلام، ويلاحظ أن أهل هذا العصر كانوا مقبلين كل الإقبال على طلب العلوم وتحصيلها، يظهر ذلك في نبوغ كثير من أهله، ويتجلى في بلوغ الإمام المهدي أحمد بن يحيى عليه السلام درجة الإمامة وهو في الثامنة عشرة من عمره، كما ذكره مولانا شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام/ مجدالدين في التحف ص277 الطبعة الثالثة، ولكنه مع هذه المزية لم يَخْلُ من كائد يحاول زعزعة المذهب الزيدي، بل اجتثاثه لو تمكن من ذلك، مما حدى بالمؤلف إلى إنشاء هذه القصيدة كالشكاية، مخاطباً بها إمام زمانه، وهو الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي بن منصور بن مفضل بن الحجاج، يلتمس منه إشفاء غلته بكشف الستار عن أولئك المتسترين تحت ستار الولاء الزائف، العاملين على إخراب أهم خصائص المذهب، ولكنه لم يحالفه الحظ، فلم يجب الإمام لعلة أو لأخرى .
فعزم على التشمير عن ساق العزم للقيام بهذه المهمة، وقد كان ضليعاً بما هو أهم منها.
ـــــــــــــــــ(1/22)


ترجمة المؤلف
هو السيد الحافظ : الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن محمد العفيف بن المفضل الكبير، وعنده التقى نسبهم هم والإمام علي بن محمد، والإمام أحمد بن يحيى المرتضى، وجميع آل المفضل، أفاده المولى الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله في التحف ص286، ط3.
قال السيد العلامة ابن الوزير : هو السيد الفذ، الإمام المعتمد، ذو الفضائل والآثار، والذي لم تسمع بمثله الأعصار .....إلى أن قال : وكان في علم الكلام بحراص، لا تقطعه الألواح، ولا تخوضه الملاَّح .
مولده عليه السلام: يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 758هـ بهجرة الظهراوين بشظب.
ولما فرغ من قراءة القرآن، سار به والده رحمه الله تعالى إلى صعدة، فقرأ فيها مدة طويلة، حكى هذا عن السيد ابن الوزير شارح منظومة المترجم له في مقدمة الشرح الموسوم بالإرشاد الهادي إلى كشف مستور منظومة الهادي، وهو السيد العلامة عبدالكريم بن عبدالله الملقب بأبي طالب.(1/23)


فهو كما ترى من أسرة عريقة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تربّى في أحضان الأئمة، وأهل البيت الأطهار، ورتع في رياض علوم العترة الأخيار، وشرب من نهرهم العذب الفرات حتى فاق أقرانه وفات .
قال مولانا الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى:
قرأ على الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، وعلى خاله صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدي، وعلى الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني، وعلى الفقيه محمد بن ناجي، وعلى القاضي العلامة عبدالله بن حسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي، وعمه أحمد بن علي، وعلى العلامة أحمد بن سليمان الأوزري، وأخذ عنه صنوه محمد بن إبراهيم، والسيد أبو العطايا عبدالله بن يحيى، والسيد عز الدين محمد بن الناصر، والسيد عبدالله بن الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة .
* قال الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في كتابه لوامع الأنوار وجوامع العلوم والآثار ج/2/216/ط1، نقلاً عن كتاب صلة الإخوان:
نعم، ثم ذكر في الصلة نكتة شافية في فضل الهادي بن إبراهيم، وأبيه، وجده علي بن المرتضى ـ عليهم السلام ـ، فقال:
أما الهادي: فكتابه الذي مرّ من عنوان فضله وعلمه وورعه وزهده.(1/24)


أما علمه: فهو رجلٌ جامعٌ للعلوم، له موضوعات في كل فن، أَكْمَلُ أهل زمانه، يُؤَهّل للإمامة، ويُتوخَّى لتحمّل أمر الخاصة والعامة، مع الخوف العظيم، للعدل الحكيم، والورع الشافي، ومكارم الأخلاق، التي شَرُف بها وفاق، يُضرب بلطف شمائله المثل، ويُقْتدى به في كل قول صالح وعمل؛ إمام لأهل العبادة، قد زيّنه الله بالتقوى والزهادة، وكمّله بفصاحة اللسان، التي لا توجد الآن في إنسان، من النظم والنثر، والتصانيف الرائقة، والحكم الفائقة.
ثم ذكر جواب الإمام الناصر لدين الله محمد بن علي بن محمد عليهم السلام عليه؛ وفيه من درر الكلام ما يدل على فضله، وفضل الإمام عليهما السلام، وهو ما لفظه:(1/25)

5 / 51
ع
En
A+
A-