[آراء العلماء في معاوية]
وروى الفقيه المحقق محمد الديلمي، رحمه الله تعالى، في كتابه أن جميع خصال الشر كان مجموعاً في معاوية -لعنه الله تعالى-، وذلك لأن العلماء اختلفوا فيه على خمسة أقوال، فذهب بعضهم إلى أنه كافر، فكان مسروق ممن كفَّره، وذهب بعضهم إلى أنه منافق، وقد ثبت أن النفاق أقبح الكفر، وذهب آخرون إلى أنه فاسق، وهؤلاء كلهم من أهل البيت عليهم السلام وأشياعهم، وذهب بعض الشافعية والحنفية وغيرهم من الفقهاء منهم الغزالي إلى أنه مخطئ في الإجتهاد، وذهبت الحشوية إلى أنه إمام حق. قال الفقيه رحمه الله: وقولهم محجوج بالإجماع، ولعمري إنه إمام لأمثالهم، وأنه قائدهم إلى النار، وداعيهم إلى جهنم وبئس القرار، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص:41] وأخذ الفقيه يورد الحجج على هذه الأقوال، وهذا المختصر لا يسعها لكنها إشارة.(1/161)


[أدلة التكفير]
حجة من قال بكفره الأحاديث الدالة عليه، المتفق على صحتها، وهي موجودة في الصحاح الستة وغيرها من كتب الأحاديث، منها أنه استلحق زياداً بأبيه أبي سفيان، وجعله أخاً له، فكان رداً لما علم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))(123)، وقد قال الشاعر فيه:
ألاَ أبلغ معاويةَ بن صخر .... مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف .... وتفرح أن يقال أبوك زاني
فأقسم أنْ إلّك من زيادٍ .... كَإلِّ الفيل من ولد الأتان
ومنها قول أبي الدرداء لمعاوية: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن أحدنا يا معاوية يموت كافراً)) فانظر أيهما أولى به.
_____________
([123]) - الحديث في: صحيح مسلم 2/1080 برقم 1457، الجامع الصحيح المختصر 6/2481 برقم 6369، سنن الترمذي 3/463 برقم 1157، المجتبى من السنتن 6/180 برقم 3482، سنن ابن ماجه 1/646 برقم 2005، سنن الدارمي 2/203 برقم 2236، مسند أحمد 2/409 برقم 9291، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 9/413 برقم 4104، السنن الكبرى 3/378 برقم 5676، مسند أبي يعلى 9/80 برقم 5148، المعجم الكبير 11/183 برقم 11434، سنن الدار قطني 2/142 برقم 18، مسند أبي داود الطيالسي 0/326 برقم 2488، مسند الشهاب 1/190 برقم 282، مسند الحميدي 2/465 برقم 1085، مسند ابن الجعد 0/174 برقم 1119، مسند الشاميين 1/360 برقم 620.(1/162)


ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته: ((أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم))(126) وحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفر بالإجماع، فكذلك من حاربهم للحديث.
_____________
([126]) - قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار ج/2/551:
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: ومنها: حديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) بألفاظه وسياقاته، وعمومه للأربعة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وخصوصه لعلي (ع)، وهو متواتر بشواهده، قرره المقبلي وغيره.
إلى قوله في اللوامع ج/2/559:
وفي أبحاثه [أي المقبلي] المسددة: ((أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم)) قاله لعلي (ع)، وفاطمة، والحسن، والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ.
أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم.
وفي معناه عدة أحاديث بعضها تعمهم، وبعضها تخص الحسن والحسين حين يخاطبهما؛ وفي بعضها يعم أهل البيت في الجملة، وفي بعضها يخص أمير المؤمنين (ع).
ثم قال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي؛ وشواهده لا تحصى، مثل: أحاديث قتل الحسين، وأحاديث ما يلقاه فراخ آل محمد وذريته، بألفاظ وسياقات يحتمل مجموعها مجلداً ضخماً؛ فمن كان قلبه قابلاً، فهو من أوضح الواضحات في كل كتاب، ومن ينبو عنها فلا معنى لمعاناته بالتطويل.
ثم ذكر حديث الغدير فقرر تواتره، كما قرر في الإتحاف؛ وساقه بمخرجيه ورجاله، كما هناك سواء.
ثم قال: نعم، فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم؛ إذا حققت هذا فهاهنا أناس يقولون نوالي علياً، ومن حاربه، وقد علمت أن من حارب علياً فقد حارب أهل البيت، وحارب الحسن والحسين وفاطمة، ومن حاربهم فقد حارب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ومن حارب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقد حارب الله، فهو حرب لله، وعدو لله؛ فمن سالم العدو، فقد حارب من عاداه؛ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}[الممتحنة:1]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51].
وبالجملة، فمعلوم بالآيات والأحاديث، ومعالم دين الإسلام، التنافي بين موالاة العدو وموالاة عدوه؛ وقد أحسن القائل:
إذا صافى صديقك من تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلام
انتهى المأخوذ من كلامه.
قال الإمام (ع) في الفرائد: انظر وتأمل ما حققه المقبلي، الحقيق بالإنصاف وقول الحق؛ وما كان أحسنه لو استقام!، انتهى من اللوامع.
وهو في صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 15/433 برقم 6977.
وفي فضائل الصحابة 2/767 برقم 1350 عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: ((أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم))، ومثله في: الجامع الصحيح سنن الترمذي 5/699 برقم 3870، سنن ابن ماجه 1/52 برقم 145، مسند أحمد 2/442 برقم 9696، المستدرك على الصحيحين 3/161 برقم 4713، المعجم الصغير 2/53 برقم 767، المعجم الكبير 3/40 برقم 2619.(1/163)


ومنها أنه رد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله في الحسن والحسين:((هذان إمامان قامَا أو قعدا))(127)، لأنه سمى نفسه بإمرة المؤمنين، وقعد في مكان الحسن عليه السلام.
____________
([127]) - قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار ج/2/522:
وقال الإمام (ع) في الشافي: والأمة لم تختلف في قول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)).
وقال أيضاً: والخبر مشهور، تلقته الأمة بالقبول.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: قال الإمام الحسن بن بدر الدين (ع): والعترة مجمعة على صحته؛ وقال: إنه مما ظهر واشتهر بين الأمة، وتلقته بالقبول، ولا جحده أحد ممن يعول عليه من علماء المسلمين.
ثم حكى عن الإمام القاسم بن محمد، والمرتضى بن المفضل، والشرفي، وحميد الشهيد برواية الإمام عزالدين بن الحسن، والقاضي عبدالله بن زيد، والنجري، والقاضي أحمد حابس، مثل ذلك.(1/164)


ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:((من آذى علياً فقد آذاني....إلى قوله: من آذى علياً بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً))(128)؛ رواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي، بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فما قولكم فيمن حارب علياً، وأمر بسبه على فروع المنابر، ومحاريب المساجد ثمانين سنة، هل يسمى مؤذياً له؟ وما يكون اسمه عند الله بعد حرب الصادق المصدوق؟
____________
([128]) - قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار ج/2/613:
وفي مناقب ابن المغازلي بسنده إلى معاوية بن حيدة القشيري، قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: ((يا علي، لا تبالي، من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانياً...الخبر)).
وقال ـ كثر الله فوائده ـ في تخريج الشافي: قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من آذى علياً فقد آذاني))، أخرجه أحمد، عن عمرو بن شاس الأسلمي، ورواه عنه ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه أبويعلى، والبزار، وأحمد، والخوارزمي عن سعد بن أبي وقاص، وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح.
ورواه الخوارزمي أيضاً عن عبدالله بن دينار الأسلمي، وابن المغازلي عن ابن عباس، وفيه: ((يا أيها الناس، من آذى علياً حشره الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً)).
قلت: وصدره: ((يا أيها الناس، من آذى علياً فقد آذاني؛ إن علياً أولكم إيماناً، وأوفاكم بعهد الله، يا أيها الناس من آذى علياً بعث يوم القيامة...الخبر)).
قال: وأخرج هذا الخبر أحمد في مسنده من عدة طرق بلفظ: ((بعث يوم القيامة...إلخ))، وكذا هو بلفظ: ((بعث يوم القيامة)) في مناقب ابن المغازلي.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [الأحزاب:57].
وأخرج الكنجي عن مصعب بن سعد بن مالك، عن أبيه سعد، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من آذى علياً فقد آذاني)).
وأخرجه الحاكم عن عمرو بن شاس الأسلمي وصححه هو والذهبي؛ ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن عمرو بن شاس، وأخرجه البخاري في التاريخ.
وأخرجه أبو عمر النمري بزيادة: ((ومن آذاني فقد آذى الله)) عن عمرو بن شاس.
ومن حديث رواه الحاكم أبو القاسم عن علي، عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من آذى شعرة منك، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله)).
وروى أيضاً عن أم سلمة عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، قال لعلي: ((من آذاك فقد آذاني)) من شواهده.
وحديث: ((فعليه لعنة الله)) رواه الحاكم في تنبيه الغافلين، والزرندي في الدرر عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي بلفظ: ((لعنه الله وملائكته ملأ السماء، وملأ الأرض)) انتهى.
وقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من سبك ـ يا علي ـ فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله النار)) أخرجه في الشافي عن الإمام المرشد بالله يبلغ به ابن عباس.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وأخرج هذا الحديث محمد بن يوسف الكنجي ـ رحمه الله ـ بسنده إلى ابن عباس.
وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((من سب علياً فقد سبني)) أخرجه النسائي عن أم سلمة، وأخرجه الحاكم وصححه هو والذهبي، وأخرجه أحمد عن ابن عباس، وعن أم سلمة؛ وأبو عبدالله الخلاجي عن ابن عباس، انتهى من الاعتصام.
وأخرجه الطبراني عن علي ـ عليه السلام ـ، وابن المغازلي بسنده إلى علي بن عبدالله بن عباس؛ وذكره المسعودي، انتهى.
وهو في فضائل الصحابة 2/633 برقم 1078، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 2/904 برقم 983، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 15/365 برقم 6923.(1/165)

33 / 51
ع
En
A+
A-