قالت: (أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، شنيتهم بعد إذ خبرتهم، ولفظتهم بعد إذ عجمتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخور القنا، وخطل الرأي، {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)}[المائدة]، ويحهم لقد زحزحوها عن قواعد الرسالة، وقواعد النبوءة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين لأهل الدنيا والدين، ومانقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله شدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات اللَّه، والله لو تكافوا على زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقله، ولسار بهم سيراً سجحاً، لا ينكلم حشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم مورداً نميراً، تمير ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تخيرهم الرّي، غير متحل منه بطائل إلاّ بغمزة الناهز، وردعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا، وسيعذبهم الله بما كانوا يصنعون، ألا هلممْن فاسمْعن، وما عشتن أراكن الدهر عجباً! إلى أي ركن لجأوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ فلبئس المولى، ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا والله الذنابا بالقوادم، والعجز بالكاهل، وبعداً وسحقاً لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون).
قال الأمير صلاح قدس الله روحه:(1/146)


ولا خلاف بين آبائنا عليهم السلام أنها ماتت غاضبة عليهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها))، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله ليغضب لغضبك، يا فاطمة)) ولله القائل!:
وما ضرهم لو صدقوها بما ادعت .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها
فإنا لله ما أفضعها من هفوة؛ وأشنعها من عثرة.
وأقول: إن هذا الكلام المروي عن البتول عليها السلام لعظيم موقعه، ممقرة جرعه، وقد رواه أكابر أئمتنا وعلمائنا وساداتنا، رواه المنصور بالله في كتابه "الشافي"، والسيد أبوالعباس في كتاب "المصابيح"، والإمام أحمد بن سليمان في كتاب "الحقائق"، وغيرهم، ممن يطول ذكره، وهو فيما أحسب كالإجماع من العترة المطهرة أن هذا الكلام كلام فاطمة عليها السلام، وإذا تأمله المتأمل وجد عليه طلاوة نبوية، ومسحة ليست إلا على كلامها عليها السلام، وهذه نفثة مصدور، وأنَّة محرور، ولله القائل! وهو محمد بن الحسن العليف:
أيظلم فيء لآل الرسول .... فتىً لسوى الحق لم يعدل
أراد لفاطمة إرثها .... وعادى معاوية في علي
وتقديم زيد وعمرو على .... علي أمَرُّ من الحنظل(1/147)


[أسماؤها عليها السلام]
فائدة في أسمائها عليها السلام: قال الإمام الحسن: وروينا عن الصادق عليه السلام: لفاطمة ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.
[وفاتها عليها السلام]
فائدة في مدّة عمرها، وموضع قبرها: روينا عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام: ((أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك، والله خليفتي عليك)).
فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عليه السلام: هذا أحد ركناي، قال: فلما ماتت فاطمة عليها السلام، قال عليه السلام: هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى السيد أبو العباس الحسني عليه السلام في مصابيحه عن علي عليه السلام، قال: لما حضرت فاطمة الوفاة دعتني، فقالت: أمنفذ أنت وصيتي وعهدي؟ أو والله لأعهدنّ إلى غيرك، قال: قلت بل أنفذها، قالت: أما الآن، فلا يشهدني أبو بكر، ولا عمر، ولا يصليا عليّ.
قال: ولما توفيت، أرسل الرجلان متى تريد دفنها؟ قال: قلت الصبح(107) إن شاء الله تعالى.
_________________
([107]) - لا يقال: إن في كلام الوصي صلوات الله عليه إخبار على خلاف ما هو به؛ لأنه لا يمتنع أن تكون إرادته عليهما السلام دفنها الصبح، ولكن منع من ذلك خشية حضورهما، فالإرادة المسئول عنها واقعة كذلك ولولا المانع لأخرها للصبح، وليس دفنها ليلاً يقتضي أن لا يكون خلافه مراداً فتدبر، وليس ببعيد لمح مثل هذا لباب مدينة العلم صلوات اللَّه عليه وهو أجل من أن يصدر في كلامه الخلف ((وإن في التعريض لمندوحة عن الكذب)) ولا حق لهم في ذلك، فلا بأس بإيقاع الوهم عليهم، والله الموفق، المفتقر إلى اللَّه تعالى/مجدالدين بن محمد المؤيدي عفا اللَّه عنهما.
أقول لله در المجيب بهذا فلقد أصاب الحق الصراح، ولا غرو فإنهم معدن العلم وأهله، من هامش (أ).(1/148)


قال: وماتت في بيتي الذي في المسجد، فنقلتها إلى داري القصوى، وغسلتها في بيت فيه، فجعلت أغسلها، وتسكب علي الماء أسماء بنت عميس، ثم خرجت بها ليلاً، أنا وابناها الحسن والحسين، وعمار، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن أبي رافع، حتى دفناها بالبقيع، وبعث إليَّ الرجلان أحدهما على ميلين من المدينة، مع امرأة له من الأنصار، فجاء يركض وقد آثرت سبعة أقبر، ورششتها، فقالا لي: أغدرتنا؟
فقلت: لا ولكنه عهد ووصية، فأما أحدهما فنكس، وأما الآخر فقال: لو علمنا أن هواها أن لا نشهدها ما شهدناها.
وكان مدة عمرها ثمان عشرة سنة، وسبعة أشهر، وقيل: كان عمرها عليها السلام ثلاث وعشرون سنة، ومما روي عن الصادق عليه السلام هذه الأبيات:
يا سائلي مستخبراً .... عن كل معضلة ظريفهْ
إن الجواب لحاضرٌ .... لكنني أخفيه خيفهْ
لولا اتقاء رعية .... خلاّ سياستها الخليفهْ
وسيوف أعداء بها .... هاماتنا أبداً قطيفهْ
لنثرت من مكنون آ .... ل محمدٍ جُمَلاً ظريفهْ
تغنا به عما روا .... ه مالك وأبو حنيفهْ
وأريكم أن الحسيـ .... ـن أصيب في يوم السقيفهْ
ولأي شيءٍ أُلحدت .... في الليل فاطمة الشريفة
ولما حوى شيخاكم .... عن وطي حجرتها المنيفهْ
آهٍ لبنت محمد .... ماتت بغصتها لهيفهْ
لا تكشفنّ مغطياً .... فلربما كشّفت جيفهْ(1/149)


[حكم من نسب إلى الزهراء الجهل]
وأما الوجه الرابع: وهو في حكم من نسب إلى فاطمة عليها السلام تجهيلاً، فحكمه الخطأ، إن لم يقصد الإستخفاف، وإن قصده وتهاون ببضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فليتبوأ مقعده في النار، وحكم السامع لذلك والقادر على الإنكار مثله، وقد تقدم مثله في المسألة الأولى.
المسألة الخامسة:
ما ترى العدلية المخلصون فيمن أنكر لعن معاوية -لعنه الله، ليس لأنه لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً كما ورد به الحديث، بل لأنه عند صاحب هذه المقالة أهل للترضية، حتى كان من كلامه: التوقف في معاوية مخالف لما عليه أهل السنة، ومن العجب أن القائل بهذه المقالة يعتزي إلى مذهب الزيدية، هل لصاحب هذه المقالة نصيب في ولاية علي عليه السلام؟ وهل يصدق فيما يظهره من محبة العترة النبوية، وادعائه للقول بإمامة أمير المؤمنين كرم الله وجهه؟ أم لا يصدق في هذا كله؟
وهل ثمة واسطة بين تخطية علي، والترضية على معاوية -لعنه الله -؟
وهل المرضّي عن معاوية سالم عن اعتقاد الخطأ في الإمام المعصوم؟
وهل صاحب هذه المقالة إلا صاحب ضلالة، وقامش جهالة؟! فما حكمه، والحال هذه؟ وما حكم العالم في مثل هذا، والمتمكن من إزالة هذه الضلالة؟
وهل يجب لعن معاوية حين يتهم الإنسان بموالاته؟ أم لا يجب؟..(1/150)

30 / 51
ع
En
A+
A-